هل تستطيع الطبقة العاملة قيادة الحركات الثورية؟


حسقيل قوجمان
2005 / 5 / 1 - 23:47     

في الاسئلة التي طرحها الحوار المتمدن على بساط البحث لعدد الاول من ايار جاء السؤال التالي:
"ما مصير دور الحركة العمالية، كحركة ثورية وقائدة للتحرر من الاستغلال والظلم، هل الطبقة العاملة قادرة على قيادة التحولات الاجتماعية الجذرية كطبقة قائدة ومحررة؟"
قبل اكثر من ١٥٠ عاما حين كان العامل الانجليزي يعيش اسوأ وأتعس من حياة العبيد ويعمل بين ١٦ و٢٠ ساعة في اليوم ويمضي ساعات راحته على سطح معمله، حين كان الاب العاطل يحمل طفله على كتفيه ليأخذه الى المعمل وهو لا يتجاوز الثلاث او الخمس سنوات من العمر، حين كانت الام تخدر طفلها بالافيون لكي تستطيع ان تذهب الى العمل، وباختصار حين كانت الطبقة العاملة محرومة من ابسط مظاهر الحياة في اول دولة راسمالية صناعية وكانت الطبقة العاملة في اوروبا تعيش في عصر الظلمات، ادرك كارل ماركس، بقدرته على تحليل القوانين التي تتحكم بتطور المجتمع، ان هذه الطبقة الذليلة الضئيلة الضعيفة الجاهلة الامية الخاضعة للاستغلال هي الطبقة الوحيدة التي تستطيع ان تقود المجتمع الى الحرية والى القضاء على كل انواع الاستغلال.
والطبقة العاملة اليوم غير تلك الطبقة التي كانت في عهد كارل ماركس. فقد حصلت هذه الطبقة عن طريق النضال والتضحيات الجمة وعن طريق التنظيم النقابي والسياسي على الكثير من الحقوق التي لم يكن عمال عهد كارل ماركس يستطيعون حتى الحلم بمثلها. اصبحت الطبقة العاملة طبقة متبلورة متطورة لها مستوى عال من الثقافة والتطور الفني والسياسي وتكونت لها منظماتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. حصلت الطبقة العاملة على الكثير من الحقوق كمنع تشغيل الاطفال والاحداث وعلى التعليم الالزامي الى مستوى معين من الثقافة والى نوع من مساواة المرأة بالرجل في الاجور وغير ذلك من الحقوق، حصلت على تحديد يوم العمل بثمان ساعات او اقصر من ذلك في بعض البلدان الراسمالية.
بل ان الطبقة العاملة اكتسبت خبرة في قيادة الحركات الثورية وحتى في تحقيق الثورة الاشتراكية وبناء المجتمع الاشتراكي. وأسست امميتها الثالثة التي قادت الاحزاب الشيوعية في الدول الراسمالية والمستعمرات واشباه المستعمرات على حد سواء وكأنها الحزب الواحد للطبقة العاملة العالمية.
فهل يصح اليوم بعد كل هذه الانجازات والتغيرات الهائلة ان نسأل السؤال الذي اجاب عليه كارل ماركس قبل قرن ونصف؟ اعتقد انه لا يصح. فالطبقة العاملة ما زالت وستبقى الطبقة الوحيدة القادرة على تحرير المجتمع من الاستغلال والسير به الى المجتمع الاشتراكي ومن المجتمع الاشتراكي الى المجتمع الشيوعي. واعداء الطبقة العاملة والطبقات التي تتاتى ارباحها عن طريق استغلال الطبقة العاملة والكادحين وتريد ادامة هذا الاستغلال تعلم ذلك حق العلم. ولذلك فهم يبذلون كل ما في وسعهم وبشتى الطرق الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاعلامية وحتى الاجرامية لتشتيت هذه الطبقة واضعافها وتفكيك صفوفها لكي لا تستطيع انجاز مهمتها التاريخية. ولكن تمييز المهمة التي القاها التاريخ على عاتق الطبقة العاملة شيء وتحقيق ذلك شيء اخر. فالطبقة العاملة تحتاج الى الكثير من الامور لكي تستطيع تحقيق هذه المهمة التاريخية الصعبة غاية في الصعوبة.
سلاح الطبقة العاملة الوحيد في نضالها ضد كل هذه القوى المعادية لها والمثبطة لنضالاتها والعاملة على تأبيد استغلالها هو توحيد صفوفها، وحدتها، تحقيق شعار كارل ماركس "يا عمال العالم اتحدوا" على الاقل على نطاق كل قطر وكل بلد. ولكن وحدة الطبقة العاملة في اي قطر لا يمكن ان تتحقق بصورة تلقائية، اي لا يمكن توحيد ملايين الطبقة العاملة بدون ان تكون لها اداة توجهها وتقودها الى توحيد صفوفها وهذه الاداة هي القيادة. فلكي يمكن توحيد الطبقة العاملة في بلد ما يجب ان تكون لها قيادة تستطيع ان توجهها التوجيه الصحيح الى تحقيق وحدتها. فما هي الصفات التي يجب ان تتحلى بها مثل هذه القيادة؟
اولا يجب ان تكون هذه القيادة ماركسية ليس بالكلام فقط بل بالفعل. يجب ان تكون هذه القيادة قادرة على تمييز القوانين التي توجه الحركة في كل لحظة من لحظات النضال في سبيل تحقيق مهمتها، مهمة تحقيق وحدة الطبقة العاملة. وهذه القدرة يجب ان تكون مستمرة متواصلة تستمر من لحظة وجود القيادة الى اخر لحظة من لحظات توحيد الطبقة العاملة. اي من تكوين الخلايا العمالية ونقاباتها وجمعياتها وجميع منظماتها العلنية والسرية الى قيادة الثورة الاشتراكية وتحقيق المجتمع الاشتراكي وان تستمر هذه القيادة حتى الانتقال من المجتمع الاشتراكي الى المجتمع الشيوعي. ليس امام قيادة كهذه فترات من الراحة او التقاعس. فالنضال من اجل توحيد وقيادة الطبقة العاملة في تحقيق هدفها مستمر ويجب ان يتواصل حتى الوصول الى الهدف المطلوب. ولكي تكون هذه القيادة قيادة ماركسية لا يكفي ان يكون قائدها او جملة من قادتها يتقنون الماركسية بل ان الهدف هو ان يكون كل اعضاء هذه القيادة ماركسيين لان ثقافة القيادة الفاعلة هي مجموع ثقافة اعضائها. وفي خضم هذا النضال الهائل تتعرض اعداد من هذه القيادة الى السجن والتعذيب والاعدام وهذا ايضا يتطلب ان يكون القادة الماركسيون الحقيقيون موجودين في كل فترات هذا النضال فلا يؤثر فقدان جزء من اعضاء القيادة على كفاءة القيادة الماركسية وعلى مواصلة نضالها في تحقيق مهمتها. فهل تحقق وجود مثل هذه القيادات لفئات الطبقة العاملة في بلدانها؟
كان من المفروض ان تكون الاممية الثانية واحزابها الاشتراكية الديمقراطية مثل هذه القيادات. وقد سارت الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية سيرا لا بأس به في هذا الاتجاه رغم وجود عناصر فيها كانت تعمل على توجيه هذه القيادات توجيها اخر يختلف عن التوجيه الماركسي. وقد ظهر ذلك واضحا فور اندلاع الحرب العالمية الاولى حين تخلت احزاب الاممية الثانية عن الماركسية وعن القرارات التي كانت قد اتخذتها سابقا وانضمت الى برجوازياتها في الحرب بحجة الدفاع عن الوطن. وشذ عن ذلك الحزب الاشتراكي الروسي (البلشفي) بقيادة لينين اذ واصل النضال وفقا لما تتطلبه الماركسية فافلح في توحيد الطبقة العاملة الروسية وفي قيادتها نحو الثورة الاشتراكية. (يلاحظ القارئ العزيز انني هنا لا اتحدث عن حلفاء الطبقة العاملة في مختلف مراحل تطور الثورة اذ ان هذا موضوع اخر قد تتاح لي فرصة التحدث عنه بالتفصيل في مناسبات اخرى). وتحققت الثورة الاشتراكية في روسيا وصمدت الثورة في وجه ١٤ دولة امبريالية توقفت عن الصراع فيما بينها وانهت الحرب لكي تشن هجومها الغادر المشترك على هذه الثورة الفتية مع القوات الداخلية التي شنت حربا مستميتة في سبيل استرجاع سيطرتها على الطبقة العاملة واعادة سلطتها الراسمالية.
وبعد نجاح الثورة الاشتراكية في التغلب على كل هذه المصاعب تجمعت الفئات التي استجابت لنداءات لينين اثناء الحرب في البلدان الاوروبية وكونت منظمات ماركسية لم تفلح في قيادة طبقاتها العاملة الى الثورة فكونت احزابا اطلقت على نفسها اسم الاحزاب الشيوعية تمييزا لها عن الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية السابقة. تجمعت هذه الاحزاب في الاممية الثالثة او الاممية الشيوعية ووضعت امامها هدف تكوين الاحزاب الشيوعية في جميع بلدان العالم وتوجيهها وتثقيفها في الاتجاه الماركسي. وقد نجحت الاممية الثالثة في مهمة خلق احزاب شيوعية في ارجاء العالم قبل حلها في سنة ١٩٤٣. فنشأت حركة شيوعية ليس في البلدان الراسمالية وحسب بل كذلك في البلدان المستعمرة واشباه المستعمرات ايضا وانجزت هذه الحركات اعمالا باهرة وحققت نجاحات هائلة شاهدنا مثلا عليها في العراق تحت قيادة الرفيق فهد حين اصبح الحزب الشيوعي العراقي رغم وجوده السري اكبر الاحزاب السياسية تأثيرا في المجتمع العراقي. ولا اتحدث هنا عن الحزب الشيوعي الصيني والهندي والاحزاب الشيوعية في المستعمرات الفرنسية مثل الفيتنام وسيام وكمبوديا وغيرها.
نجحت الثورة الاشتراكية في روسيا ثم الاتحاد السوفييتي وفي خلال فترة لا تتجاوز العقدين استطاعت القيادة السوفييتية ان تقود الشعوب السوفييتية الى تحقيق اول مجتمع اشتراكي في تاريخ البشرية. وتقدم الاتحاد السوفييتي في فترة هذين العقدين اكثر مما تقدمت به الراسمالية في اربعة قرون. واستطاعت هذه القيادة ان توحد الشعوب السوفييتية في الدفاع عن وطن الاشتراكية ضد جحافل الغزاة النازيين وساعدت على تحرير كافة بلدان اوروبا الشرقية من الاحتلال النازي وانقذت العالم من عبودية النازية الهتلرية. ونجحت الثورات البرجوازية الديمقراطية بقيادة الاحزاب الشيوعية في الصين والفيتنام وكوريا الشمالية. الا ان بقايا اعداء الطبقة العاملة في داخل الاتحاد السوفييتي لم يتخلوا ولو لحظة واحدة عن النضال ضد هذه الدولة الاشتراكية وضد شعوب الاتحاد السوفييتي من اجل استرجاع سلطتهم الراسمالية ونالوا العون والمساعدة من كافة القوى الامبريالية والانتهازية في العالم حتى تحقق لهم ما ارادوا فجاءت حكومة خروشوف لتهدم ما بنته شعوب الاتحاد السوفييتي وتعيد الرسمالية الى الاتحاد السوفييتي.
بدأ خروشوف حركته بمهاجمة ستالين والحكم عليه بالاعدام بتشويه كل ما انجزته شعوب الاتحاد السوفييتي تحت قيادته وجعل منه القائد الجاهل الظالم الدكتاتوري مصاص الدماء الجبان الرعديد الذي نزع لباسه امام الهجوم النازي الى غير ذلك من الاتهامات. وقبلت القيادات الشيوعية في العالم كله تقريبا هذه الاتهامات اما لان بعض القادة كانت لهم نفس عقلية خروشوف النتنة او نتيجة لتنحية وسجن وحتى قتل كل قائد تجرأ على معارضة خروشوف او نتيجة للرشاوى الكبيرة التي قدمتها قيادة خروشوف والخروشوفيون لقادة الاحزاب الشيوعية التي توافق على السير وراءها وتنفذ خططها في تحطيم الحركة الشيوعية في العالم كله واحباط اية حركة تجري في اية بقعة من بقاع العالم ضد النظام الراسمالي. ظهرت كل مساوئ الراسمالية الجديدة في الاتحاد السوفييتي كالبطالة والغلاء وبيع المصانع وتحطيم المزارع التعاونية والسوق السوداء والتضخم النقدي وظهر المليونيريون وانتشرت الدعارة وغيرها من المساوئ الراسمالية ولكن قادة الاحزاب الشيوعية المرتشين بالرواتب الضخمة والامتيازات الهائلة بقوا يروجون الدعاية للاتحاد السوفييتي على انه نصير السلام وصديق الشعوب وقائد شعوب الاتحاد السوفييتي نحو الشيوعية تحت قيادة ماركسية خلاقة والمناضل في سبيل عالم بلا سلاح الى اخر ذلك من الدعايات التافهة المضللة للطبقة العاملة في ارجاء العالم. وبقي ذلك حتى انهار الاتحاد السوفييتي وتفكك الى دويلات راسمالية عديدة سنة ١٩٩١. وحتى بعد ذلك ما زال من يسمون انفسهم شيوعيين او قادة للطبقة العاملة يروجون ان انهيار الاتحاد السوفييتي سببه ستالين والسياسة الستالينية وما زالوا يروجون الاكاذيب حول ستالين ليخفوا حقيقتهم التحريفية الانتهازية المعادية لمصالح الطبقة العاملة.
زعم الخروشوفيون انهم ينتقدون ستالين لكي يعودوا بالماركسية الى مبادئ ماركس ولينين، الى تنقية الماركسية اللينينية من الستالينية والى القضاء على عبادة الشخصية. وظهر للعالم اليوم ولكل من يستخدم دماغه للتفكير انهم لم يكونوا ينتقدون ستالين لكي يعودوا الى اللينينية كما ادعوا وانما كانوا ضد الماركسية وضد اللينينية وضد الاشتراكية وضد الشيوعية. رأينا ذلك حين حطموا تماثيل لينين وابدلوا اسم لينينغراد الى بتروغراد وادعوا بان ثورة اكتوبر كانت خطأ تاريخيا فظيعا. ومع ذلك ما زلنا نؤمن بالاتهامات التي لفقها الخروشوفيون على ستالين والاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا والثورة الاشتراكية.
اننا في ادبياتنا ننتقد القضاء الجائر الذي يضطهد العمال والمناضلين السياسيين ويزج بهم في السجون بدون محاكمات عادلة. اننا ندافع عن حقوق الانسان وعن ان المتهم يبقى متهما حتى تثبت ادانته. اننا نطالب اعداء الانسانية، الطبقات الراسمالية، بالعدل وبمراعاة حقوق الانسان وبعدالة القضاء وغير ذلك. فهل مارسنا نحن هذه العدالة وراعينا حقوق الانسان واعطينا الانسان حقه وكنا عادلين في احكامنا على ستالين ولينين والاتحاد السوفييتي والاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا؟
هل اعطينا ستالين حقه في الدفاع عن نفسه ضد جميع الاتهامات التي وجهها له ظلما الخروشوفيون؟ نعم كان ستالين قد توفي قبل الهجوم عليه وكان خروشوف نفسه من اشد عبدة ستالين تحمسا واهم كهنة ترويج عبادة ستالين في كتاباته وخطاباته حين كان ستالين على قيد الحياة. ولكن ستالين يستطيع ان يدافع عن نفسه حتى بعد وفاته بكتاباته التي اصبحت في عهد الخروشوفيين مستمسكات جرمية يلقى من يحوز عليها في غياهب السجون.
هل اعطينا لينين حقه في الدفاع عن نفسه وعن ثورة اكتوبر في كتاباته التي تدحض كل كلمة تفوه بها الخروشوفيون جميعا طوال حياتهم؟
هل اعطينا الحزب البلشفي حق الدفاع عن نفسه بالعودة الى مؤتمرات الحزب والى تاريخ الحزب وادبياته التي تعطي صورة واضحة عن الصراع الطبقي الهائل داخل الحزب وخارجه خلال فترة بناء الاشتراكية وتبيان دور اعداء الاشتراكية من تروتسكي وبخارين وزينوفييف وكامينيف وبياتاكوف وراديك واضرابهم من اجل الابقاء على السياسة الماركسية والسير قدما في بناء الاشتراكية؟
هل اعطينا الشعوب السوفييتية حقها في الدفاع عن نفسها في المنجزات الهائلة التي احرزتها في خلال فترة العقدين التاريخيين العظيمين لبناء الاشتراكية وفي الاستماتة وتقديم عشرات الملايين من خيرة شباب وكهول واطفال الاتحاد السوفييتي في الدفاع عن وطن الاشتراكية؟
هل حققنا في الاتهامات التي اتهم بها الحزب الشيوعي البلشفي تروتسكي حول سلوكه في المانيا وتعاونه مع الحكومة النازية وعقد الاتفاق معها على القيام بانقلاب عسكري لدى هجوم النازيين على الاتحاد السوفييتي؟
اعتقد اننا خلال اكثر من خمسين عاما من سنة ١٩٥٣ وحتى هذا اليوم لم نمنح ايا من هؤلاء حقهم في الدفاع عن انفسهم ضد الاتهامات الجائرة التي الصقناها بهم. وما زلنا حتى اليوم نردد اقوال الخروشوفيين بدون ان نشعر بان هذه الاقوال نفسها كانت الستار الذي تستر به الخروشوفيون في عملهم على تدمير كل ما بناه لينين وستالين والحزب البلشفي وشعوب الاتحاد السوفييتي. أما ان لنا ان نعي خطأنا وان نمنح هؤلاء حق الدفاع عن انفسهم وعن انجازاتهم؟
اعتقد ان اية قيادة مخلصة تريد توحيد الطبقة العاملة في اي بلد من بلدان العالم عليها قبل كل شيء ان تعيد النظر في جميع المفاهيم التي اثارها الخروشوفيون وان تعود الى دراسة الثورة الاشتراكية، ثورة اكتوبر العظمى، والنضال الحقيقي الذي خاضه الحزب البلشفي ضد جميع انواع الانتهازية والتحريفية من اجل مواصلة النضال في طريق تحقيق مضالح الطبقة العاملة في بناء الاشتراكية على حقيقتها وليس بالصورة المشوهة التي قدمها لنا الخروشوفيون. عليها ان تراجع كتابات لينين وستالين وغيره من الكتاب الماركسيين مثل جدانوف ومولوتوف وغيرهم. عليها ان تدرس تاريخ الحزب البلشفي على الاقل في كتاب التاريخ الموجز الذي ظهر في اواخر الثلاثينات من القرن الماضي في اوج تقدم المجتمع الاشتراكي وتتبع اراء الانتهازيين التي كانت تجري في المؤتمرات والكونفرنسات الحزبية واجتماعات اللجنة المركزية والمكتب السياسي وكيفية دحضها من قبل الماركسيين وعلى راسهم ستالين. عليها ان تغسل ادمغتها من الدرن الذي خلفته لنا الزمرة الخروشوفية. اعتقد ان اية قيادة تدعي تمثيل الطبقة العاملة والعمل على توحيدها في النضال من اجل تحقيق هدفها، هدف القضاء على جميع انواع الاستغلال لا تستطيع ان تفعل شيئا في هذا السبيل الا بعد ان تتخلص من هذا الدرن الذي حشيت به ادمغتنا لمدة اكثر من خمسين عاما.
ان الطبقة العاملة في كل بلد بحاجة الى قيادة تطهر نفسها قبل كل شيء من جميع هذه الاراء الخاطئة عن الماركسية والاشتراكية والثورة البروليتارية ودكتاتورية البروليتاريا. افكار التحول السلمي الى الاشتراكية والدولة القانونية العادلة في ظل الراسمالية والسلام العالمي ونزع السلاح والغاء الحروب بوجود الامبريالية وتحقيق عالم بلا سلاح والطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية واعتناق الاشتراكية العلمية تمييزا لها عن الماركسية وغيرها من المفاهيم التي حشيت بها ادمغة الشعوب في هذه الفترة. وبدون قيادة كهذه لن تقوم للطبقة العاملة قائمة ولن تحرز اي تقدم في طريق وحدتها.
ان ما يسمى بالتعددية في صفوف الطبقة العاملة لا وجود له. فالتعددية ممكنة لدى الراسماليين والمراتب البتي برجوازية في النظام الراسمالي نظرا لوجود فئات متنافسة تريد كل منها الحصول على اكبر حصة من كعكة استغلال الطبقة العاملة والكادحين. ولكن التعددية لا تصلح شعارا للطبقة العاملة. فسلاح الطبقة العاملة هو وحدتها. ولا يمكن تحقيق وحدة الطبقة العاملة بوجود احزاب متعددة يعمل كل منها على منافسة الاحزاب الاخرى. ان توحيد الطبقة العاملة يتطلب وجود قيادة واحدة، لنسميها حزبا او منظمة او غير ذلك من الاسماء، رغم ان الاسم الشيوعي اصبح اسما مبتذلا شانه في ذلك شأن الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية ولابد من ايجاد اسم اخر يصلح للتعبير عن الطبيعة الحقيقية للقيادة الصحيحة للطبقة العاملة. لا يمكن ان يكون للطبقة العاملة اكثر من منظمة قيادية حقيقية واحدة في بلد ما لان توحيد الطبقة العاملة لا يمكن تحقيقه الا تحت قيادة واحدة ولا يمكن تحقيقه تحت قيادة عدة منظمات تدعي تمثيل الطبقة العاملة وقيادتهأ.
ان وجود منظمة قيادية حقيقية للطبقة العاملة هو اول شرط يجب تحقيقه من اجل السير في طريق تحقيق قيادة الطبقة العاملة لمهمتها التاريخية، مهمة قيادة التغيرات الجذرية، اي مهمة قيادة الثورات الاشتراكية للاطاحة بالنظم الراسمالي والسير في بناء المجتمعات الاشتراكية.
اكتفي هنا بالحديث عن ضرورة وجود القيادة الحقيقية للطبقة العاملة لغرض تحقيق اهدافها رغم ان هذا الشرط هو الشرط الاول فقط وثمة شروط اخرى كثيرة ينبغي بحثها بخصوص تحقيق وحدة الطبقة العاملة وتحقيق تحالفاتها الصحيحة في خضم النضال الثوري.
حسقيل قوجمان