عيد -المحرومين في وطنهم-!


جواد البشيتي
2013 / 4 / 30 - 22:52     


في عيد العمَّال العالمي، ولجهة احتفال، وطريقة احتفال، الدول والحكومات به، لا أرى من معنى لهذه المناسبة إلاَّ ما يشبه معنى القول "ارحموا عزيز قوم ذل". إنَّه يوم عُطْلَة (رسمية) ليس إلاَّ؛ وعندنا، في العالَم العربي، لا أرى زعماء وقادة الدول يتَّخِذونه فرصة لاختبار "تواضعهم"، و"مجاملة" العمَّال، الذين هُم، بعملهم، مَصْدَر ثروة المجتمع؛ مع أنَّهم (هؤلاء الزعماء والقادة) لا يُفَوِّتون مناسبة أقل أهمية وشأناً إلاَّ ويحتلفون بها. ولقد تمادوا، عندنا، في استخفافهم بالعمَّال، ويومهم العالمي، حتى أنَّهم قدَّموا، أو أخَّروا، يوم العطلة (الرسمية).
قبل بضعة أيام من عيد العمَّال العالمي، انهار مبنى (كان عُرْضَة للانهيار في أيِّ وقت) في بنغلادش، تُصْنَع فيه ألبسة لشركات عالمية (غربية). وكانت مجزرة للعمَّال؛ واتَّضَح، بعد هذه الكارثة، أنَّ المالِك كان يعلم (من قَبْل) أنَّ مصنعه عُرْضَة للانهيار في أيِّ وقت؛ ومع ذلك كان يُجْبِر العمَّال على العمَل؛ وكان "يوم العمل" شاقَّاً، وطويلاً، لا بل الأطول في العالَم، ولم يكن للعامِل من حقوق تُذْكَر؛ أمَّا أجْره الشهري فلا يتعدَّى أربعة دولارات!
وإنِّي لمتأكِّد أنَّ الدولة (أو الحكومة) هناك تَفْخَر بـ "عبقريتها (التشريعية والقانونية)" في تشجيع الاستثمار الأجنبي، وفي اجتذاب مزيدٍ منه إلى اقتصادها؛ مع أنَّ الأبله يعرف أنَّ هذا "الرُّخًص اللاإنساني" لـ "قوَّة العمل" هو، لا غيره، الذي يجتذب إلى اقتصاد بنغلادش (وأمثالها وأشباهها كُثْر في العالَم) هذا الاستثمار الأجنبي والغربي الوحشي واللاإنساني؛ فالرأسمالية الغربية لم "تَتَأنْسَن قليلاً" في مجتمعاتها إلاَّ لـ "تتوحِّش كثيراً" في بلاد كثيرة كبنغلادش؛ فهل، بعد ذلك، تُصدِّقون أنَّ لهذه الرأسمالية، ودولها وحكوماتها، مصلحة في إماتة هذه الدجاجة التي تبيض لها ذَهَباً من طريق الاستثمار في هذه المجتمعات بما يَقي عمَّالها من هذه الشُّرور لفقرهم المدقع؟!
عندنا يُحبِّذون دائماً "النِّسْبيَّة التَّافهة"، فيتَّخِذون من حال هؤلاء العمَّال في بنغلادش "مقياساً" يقيسون به حال عُمَّالنا، فيشرعوا يتغنُّوا بنعمة "العيش الكريم" التي أسبغوها على العمَّال؛ لكنَّ هذا "المقياس" لا يَصْلُح إلاَّ لِمَن له مصلحة في سرقة مزيدٍ من عَمَل العامِل، وبخسه حقوقه.
أُنْظروا أوَّلاً إلى "الضرائب"، كيف تُجْبى، وكيف تُنْفَق، فَتَقِفون على "الطبيعة الطبقية" للدولة؛ فهي تُجْبى بما يعفي كثيراً من الرأسماليين من دَفْعِها، وتُنْفَق بما يعود بالنفع والفائدة عليهم أنفسهم، وعلى من يسهر على رعاية مصالحهم من ذوي السلطة، الذين لا يكافِحون ظاهرة "التهرُّب الضَّريبي" إلاَّ بما يجعلهم "المتهرِّب الأوَّل".
إنَّها أموال الشعب الذي لو كانت "السلطة" منه، وله، لألزم الرأسماليين وأرباب العمل والمستثمرين دَفْع ضرائب (تصاعدية) تتناسَب وحجوم أرباحهم، ولأَنْفَق أمواله بما يكفل العيش الكريم لأبنائه، وفي مقدَّمهم العاطلين عن العمل لأسباب موضوعية، في مقدَّمها ضِيق سوق العمل (الرأسمالية) بهم، وكأنَّهم فائض عن حاجة الرأسمال إليهم.
كل صراعٍ خاضه، ويخوضه، العامِل، أو الموظَّف البسيط، من أجل عيش كريم، لم يَتَعَدَّ، في مداره الحقيقي، صراعه من أجل جَعْل أجره، أو راتبه، يَعْدِل، ويشبه، ولو قليلاً، الأجر أو الراتب الآدمي؛ فلقد ابتلانا الله بحكومات آفاقها الاقتصادية تَسَع كل شيء، ولا يسعها شيء، فلا تتفتَّق عبقريتها الاقتصادية إلاَّ عن "حلول" كالنَّار تأتي على الأخضر واليابس من أجر العامل وراتب الموظَّف الصغير، وكأنْ لا حلَّ أبداً للتغلُّب على العجز المزمن في الموازنة إلاَّ "الجزية" يعطيها لهم الشعب عن يدٍ وهو صاغِر.
قد يُزاد الأجر أو الراتب الاسمي؛ لكنَّها زيادة تقيم الدليل، لجهة نتيجتها العملية النهائية، على أنَّ كل زيادة في الأجر أو الراتب الرسمي تتمخَّض سريعاً عن نَقْصٍ أكبر في الأجر أو الراتب الحقيقي؛ فالعامِل أو الموظَّف الصغير يحصل الآن بـ "فضل" الزيادة الجديدة في أجره أو راتبه الاسمي على سلعٍ وخدماتٍ أقل من ذي قبل، أو تَقِلُّ كثيراً عمَّا ينبغي للإنسان أنْ يحصل عليه ليَبْلُغ في عيشه مستوى العيش الآدمي في عصرنا.
لسبب ما قد يغلق رب العمل، عندنا، منشأته؛ فيُلْقى العمَّال وعائلاتهم في الشارع؛ وعندئذٍ، ألا يحق لهؤلاء البشر والمواطنين أنْ يتساءلوا عن "أموال الشعب"، أيْ عن الضرائب، وكيف تُنْفَق، ولمصلحة مَنْ تُنْفَق.
والعاطلون عن العمل، مع أنَّهم قادرون عليه، مؤهَّلون له، يَصِلون الليل بالنهار في بحثهم عنه، ألا يحقُّ لهم أنْ يسألوا الدولة عن حقوقهم (الإنسانية في المقام الأوَّل) التي يمكن أنْ تُحْفَظ وتُصان، ولو قليلاً، لو كان الإنسان، أو المواطِن، من الشعب، هو مدار الاهتمام الحكومي في إنفاق أموال الضرائب.
الشعب ما عاد يُعلِّل نفسه بوَهْم توقُّف الناهبين عن نهب أمواله؛ فإنَّ جُلَّ ما يتمنَّاه عليهم هو أنْ يُبْقوا الأموال التي نهبوها في "الوطن"، وأنْ يستثمروها في اقتصاده، لا أنْ "يُسَفِّروها" إلى خارج "الوطن (المعطاء)"، ويستثمروها في معاقِل الرأسمالية الغربية.
للمواطِن عندنا كل الحقِّ في أنْ يَعْلَم كَمْ دَفَعَ، ويَدْفَع، من الضرائب، بأسمائها الحسنى كافَّةً؛ لكن لا حقَّ بلا واجب؛ وإنَّ واجبه، في المقابِل، أنْ يَجْهَل، وأنْ يزداد جَهْلاً، بمصير ما دَفَعَ، ويَدْفَع، من أموال؛ فالحكومة كذاك الحكيم الذي لَمَّا سأله أحدهم عن خير نصيحة يمكن أنْ يسديها إليه، أجابه قائلاً: اعْمَلْ بحسب أقوالي، وإيَّاك أنْ تحذو حذوي في أعمالي.
هل "الدولة" تمثِّل "الشعب"؟
بحسب "فرضية دستورية"، الإجابة هي "نَعَم"؛ أمَّا "الضرائب"، ولجهة جبايتها وإنفاقها، فلها إجابة لا تَتَّفِق وهذه "الفرضية الدستورية"؛ فَقُلْ لي كيف تجبي الدولة الضرائب، وكيف تنفقها وتتصرَّف بها، أَقُلْ لكَ ما هي طبيعتة هذه الدولة.