أزمة عمال كوماريت


عذري مازغ
2012 / 7 / 24 - 01:01     

اليوم سيغادر جزء من مجموعة عمال أو بحارة كوماريت الذين أمضوا أكثر من ثمانية أشهر بالباخرة بركان عالقين في مرسى داخل مدينة ألميريا، بينما سيبقى الآخرون وهم تسعة في انتظار إلى اجل غير مسمى، ربما عندما تتفتح إرادة المسؤولين في المغرب، والذي يؤرق في الحقيقة هو هذا التجاهل غير المبرر للحكومة المغربية التي بقدها وجلالها لم تستطع أن تجد حلا لعشرين بحارة لم يستلموا أجورهم منذ ثمانية أشهر وأكثر من هذا تركوا يتخبطون من دون مؤونة ولازاد حتى اضطرتهم الظروف للإحتجاج وإسماع صوتهم للعالم وطبعا لم تتحرك الحكومة المغربية ولا الإعلام الوطني اللاهف عادة على الخبر إلا من خلال نتاف قصاصات ابلغ مافيها يتمها للمصدر، او ربما لم تكن إسبانيا التي تنخرها الأزمات في مستوى طرح قضايا تهم الصحافة المغربية كالتي ألهمت أغلب الصحف في تناولها قضية العمال لنفس الشركة في فرنسا، حتى الحكومة غردت الكثير من التصريحات وكوكبت الحدث لعيون فرنسا التي تبرعت ب 300 يورو للعمال لإنهاء معاناتهم بمرسى مارسيل، الحكومة المغربية بدورها أرسلت طائرة لتقل العمال إلى المغرب وتبرعت ب 200 يورو لكل واحد منهم فانهت المشكلة في بهرجة الخبر بينما في الوقت ذاته لم تعر البحارة في الجزيرة الخضراء ولا اولئك الذين اضطرتهم ظروفهم إلى العودة إلى الوطن هاربين من سجن المرسى (معلوم أن البحارة في بلد أجنبي محدودة خطواتهم في المرسى، في السعودية مثلا دولة الملائكة لا يمكنهم أن يعتبوا خارج المرسى ولو للضرورة القصوى). أما مجموعتنا فلقلة عددها قل ايضا شأنها كما قلت وطنيتهم في نظر حكومتنا العجيبة وفي نظر الصحافة الوطنية بل إن الكثير منهم لم يكن يعلم أن لكوماريت باخرة اسمها "بركان" تعب خط البحر بين ألميريا وبني انصر، وأعجب لذاكرة القنوات المغربية الرائدة انها نسيت فجاة هذه السنة أن تقل لنا هز البطن في صالون باخرة بركان وتنقل لنا شهادات العبور لمواطنين مهاجرين ماهرين في بث السعادة والسكينة في وطن البؤس. أما المؤسسات التي أقيمت للمهاجر مؤسسة الشيخات والحاجات فلم يظهر لها أثر في مرسى ألميريا الذي ازوره يوميا على الأقل، فالمحلات مغلقة وبئيسة في نفس الوقت ولا ندري نحن المهاجرين كيف لهذه المخلوقات أن تهتم بشأن المهاجر. في اول حوار مع القنصل العام للمملكة، حين سألناه دورها في مؤونة هؤلاء العالقين بالمرسى اجابنا بأن مقرها بالرباط وعلينا أن نسالهم هناك مع أنه يرى بأن أمر بحارة بركان ليس شأنها باعتبارهم غير مهاجرين، والغريب أنها فعلا قد هضمت الأمر، في الحوار الثاني مع القنصل حيث أخبرنا أن لها فقه خاص لتحديد من هو المهاجر: "هؤلاء البحارة ليسوا مهاجرين”. وجميل هذا التعزيز المطلق منها، فالبحارة رغم أنهم يعملون في قطاع الهجرة، وتعطيل خط بحري في موسم تدفق العبور ، مع كل هذا ليس لمؤسسة محمد الخامس شأن بالأمر، وليس لها أيضا على أرض الواقع، في وجودها القائم، ما يجعلها مؤسسة للمهاجر، رغم قانونها الأساسي، الذي في أحد بنوده، ينص ببالغ التحضر والعصرنة انها ستساعد كل المهاجرين ممن فقدوا عملهم او هم في حالة البطالة أو ما إلى ذلك، ويبدوا ان الأمر ترتيلة خارقة الصدى اكثر منها مؤسسة لهذا الهاجس الوطني بدليل أنه لا يوجد مهاجر مغربي، في ألميريا على الأقل التي أعرفها جيدا، وهم الأكثر عرضة للتهميش الإسباني بفعل الغش في عقود الشغل والإنخراط في الضمان الإجتماعي وما إلى ذلك، ليس في هؤلاء من يعرف مؤسسة محمد الخامس وليس أن يتلقى منها مساعدة.
في عمق ازمة الديون لشركة كوماريت حسب تصريحات البحارة، بالنسبة لباخرة بركان، لا تتجاوز ديونها في الموقع مائة ألف يورو، او هي تتجاوزها بقليل، حوالي 30 الف يورو ديون التموين، 60 الف يورو ديون الوقود، وفي حساب الرحلا ومداخلها فالمفارقة عجيبة للغاية وتفسر فقط حالة واحدة يتصف بها مجموع مخلوقات عالمنا الفسيح في مغرب المعجزات العظيمة، هي حالة الجشع المطلق، في حالة التدفق تقوم الباخرة بثلارحلات في يومين تجني الشركة منها في المتوسط فائض ربح يقدر ب 30الف يورو في كل رحلة ( أي 90 الف يورو في يومين):
نقل حوالي 400 سيارة بمتوسط 100 يورو للعربة الواحدة
حوالي 2000 مهاجر بمتوسط 50 يورو للفرد
يوم 19 و20 من هذا الشهر دخل العمال في إضراب عن الطعام، والحقيقة انهم كانوا مضربين قبل ذلك على الأرض الواقع من حيث انعدام التموين وانعدام الدعم محليا بسبب من عدم التحسيس بواقعهم، لقد غرد الإعلام الوطني أن أزمة عمال كوماريت حلت إلا انهم كانوا يتكلمون عن العمال العالقين ببلاد الجن والملائكة كما قال طه حسين وليس كل العمال وخصوصا اولئك القابعين في أرض الوطن وهؤلاء العالقين في بلاد العم خوسي، فبمجرد مرور يوم على إضرابهم سقط احدهم مغميا عليه وحمل إلى الإسعاف بينما الآخرون كانوا متذمرين بالإحساس بالتهميش المطلق، وفي اليوم الموالي من إضرابهم زارهم فج كبير للتضامن معهم، جزء من الجماهير الشعبية التي شاركت في مظاهرة عارمة احتجاجا على سياسة التقشف التي انتهجها صاحب الطريق الوحيد (no hay otra alternativa لا وجود لبديل آخر، مقامة راخوي في كل خطاباته) السيد راخوي رئيس الحكومة الإسبانية، قلت زارتهم مجموعة ممن شاركوا في المظاهرات التي دعت إليها النقابات ومؤسسات المجتمع المدني بإسبانيا ليعيدوا إليهم شيئا من الدفء والإحساس بالتضامن وتتدفق عليهم الهواتف من طرف الفدرالية الدولية للنقل التي لم تجد هي الأخرى من حل لوضعيتهم سوى تأمين حصتها من الدفوعات من أجور العمال في حالة التصفية القضائية حيث زارتهم اليوم لتفيدهم بالشكليات القضائية التي سينهجها محاموهم بالتنسيق مع محامي منتدب للدفوعات عنهم في المحكمة الطنجوية وهو على الأقل، وبعد انتظار طويل توصلوا إلى الصيغة التي بها كسر زملاءهم في الجزيرة الخضراء اعتصامهم.
تظهر أزمة العمال في كوماريت جللا عظيما على مستوى وحدة العمال، فقلما نجد عمالا ينتمون إلى نفس القطاع يناضلون بشكل تفارقي، وقلما نجد هذه المفارقة في تعامل المسؤولين معهم بكل هذا التفارق، فعمال مارسيل فرحوا بالكعكة (500 يورو) في مهرجان العودة وتناسوا رفاقا لهم في نفس الوضعية في المغرب وإسبانيا، وعمال البحرية في الجزيرة الخضراء قضوا نهمهم بمجرد توكيل محام لهم من دولة العم خوسي، وعمال ألميريا الذين عانوا أكثر من غيرهم تفتتوا حتى بقي منهم هذه المجموعة التي ناضلت بألميريا وسلكوا طريق زملائهم بالجزيرة، فحسب المجموعة فإن عددهم يقدر بأكثر من 120 بحار وبحارة، أغلبهم اضطرته الظروف بتدبير عودتهم إلى المغرب بين ذويهم على أن يبقوا عالقين ببلاد الغير، وحين تسألهم عن انتماءاتهم النقابية، تتفاجأ كون باطرون الشركة يطرد أي عامل بمجرد حاسة الشم، أن يشم فيه شيء اسمه النقابة يطرد فورا، وهو ما يظهر بجلاء نوع المخلوقات التي تتحكم في اقتصاد المغرب ممن ينهبون جشعا فإذا أصابتهم مصيبة مدوا أذرعهم لعون المحسنين: أليس مديرها من نعق في إحدى تصريحاته:” ملي تطيح الشركة غادي نغوتوا على الناس يعاونونا باش نهزوها" حين تسقط الشركة، ننادي في الناس أن يساعدونا فنوقفوها، وطبعا هذه هي إحدى العبقريات المغربية: عبقرية "براح" .