حول الموقف من الانتخابات النقابية الحكومية - قراءة لبيان الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق


فلاح علوان
2012 / 4 / 12 - 02:41     

-1-
اصدر الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق بتاريخ 17-3- 2012بيانا حول الانتخابات النقابية يعبر فيه عن موقفه الحالي منها. محتوى البيان هو بالدرجة الاساس الموقف من الانتخابات النقابية وثانيا "البرهنة" على "شرعية" وقانونية الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق. ان غرضنا سيتعدى مناقشة البيان او الرد عليه، انه سيكون مناسبة لعرض اتجاهات داخل الحركة النقابية.
ان البيان قد كشف التصورات السياسية للنقابيين حول المنظمة العمالية والعلاقة بالسلطة ورؤيتهم للطبقة. سنحاول من خلال بحث النقطتين اعلاه كشف المحتوى السياسي وبالتالي الطبقي لهذا التصورات.
ان كون الحركة النقابية والصراع على هيكل الاتحادات والقيادات النقابية، ليست قضية "الساعة" بالنسبة للمجتمع، يجعل منها قضية غير حاسمة او محورية حاليا، ولكنها بالرغم من ذلك تمس مباشرة وبالصميم، النضال الطبقي ووسائل هذا النضال والاتجاهات الاساسية داخل الحركة النقابية. ان محدودية قوى الاتحادات النقابية الحالية في ابراز الصراع الحالي داخل النقابات الى الواجهة لايقلل من كون ما يجري حاليا صراع اصيل يحمل كل الملامح والسمات السياسية الطبقية للتيارات الموجودة، وتناسب قواها سواء من حيث التنظيم او التعبئة او النفوذ المعنوي. كما انه انعكاس وامتداد للازمة داخل النقابية العالمية بكل اشكالها، والتي ظهرت بوضوح مع تعدد وتنوع اشكال النضال العمالي ضد الراسمالية في ظروف الازمة الراهنة. ان "هامشية" الموضوع بالنسبة للقضايا "الساخنة" له اساس موضوعي، ولكنه ناجم بدرجة كبيرة ايضاً عن ضعف دور وتوجهات العديد من الاحزاب العمالية والاشتراكية في العراق، والتي تشترك في عدم ابراز قضايا الطبقة العاملة كقضية محورية ومصيرية في المجتمع. وما يؤكد هذا الزعم ان الحركة العمالية الان في صعود على الصعيد العالمي، والعمال في صدارة الثورات التي تجتاح المنطقة، وبا لتالي فان امكانية صعود الحركة العمالية في العراق هي مسألة موضوعية ولها ضرورة اجتماعية وسياسية كذلك.
ان التصدي للنقطتين الاساسيتين في البيان، قد كشف بوضوح ليس فقط سياسة الاتحاد المذكور كاتحاد رسمي ، بل كشف مضمون تفكير النقابيين الحالي المستمد من تقليد نقابي موروث، سعت السلطات والنقابات الحكومية، وبدرجة ليست اقل، قوى سياسية لعبت دورا معارضا للنظم السياسية، الى ترسيخه في صفوف العمال طيلة عقود، هو كون "مشروعية" و"قانونية" النقابة او المنظمة العمالية تاتي من الاعتراف الحكومي، وهو امضى سلاح بيد القوى التي تسعى للهيمنة على الطبقة العاملة والمجتمع مهما كان لونها وشكلها.
ان كل سطر من البيان يناقض السطر التالي من ناحية الصياغة والمنطق، ولكنه في المحصلة النهائية يصب في نفس الاتجاه ويحوي نفس المضمون. والبيان من حيث يدري أومن حيث يتجاهل، يستند الى سياسة وقرارات مجلس قيادة الثورة ثم مجلس الحكم فمجلس الوزراء، وبكلمة انه ممثل ولسان حال القوى التي تعمل على سد الطريق امام اي شكل لحرية التنظيم، اي هو انعكاس مباشر للسياسة البرجوازية وممثل احد اجنحتها داخل الطبقة العاملة. انه – اي البيان وكاتبيه- يدعي رفض التدخل الحكومي، في حين ينطلق اصلا للبرهنة على شرعيته بقرار حكومي، ثم يسترشد بقانون 52 لسنة 1987، وهو قانون التنظيم النقابي الذي يمنع التنظيم في القطاع العام ويقصره على القطاع الخاص. ان نظام البعث لم يكن ليترك هذا الشكل التمثيلي الخطير للعمال في هيئات ومؤسسات نقابية دون ان يفرغها من اي محتوى ديمقراطي او واقعي، يمكن على اساسه ان تتحول الى مؤسسات فعلية ممثلة للعمال، ولا الحكومات والنظم السياسية العسكرية السابقة، والتي كانت قائمة على مركزة واستملاك الموارد والفروع الاساسية للاقتصاد بيد الدولة، ومن ثم الاقتصاد المخطط القائم على راسمالية الدولة. والحال كانت النقابات مذ ذاك مؤسسة رسمية حكومية من حيث روابطها الحكومية وهيكل قيادتها ونطاق فعاليتها وشكل اختيار الممثلين او اللجان النقابية.وهو شكل النقابية في البلدان ذات النظم السياسية التي كانت ترتبط اوتقترب من المعسكر السوفيتي السابق.
وباستثناء المراحل التي كانت الدولة تسعى لتدعيم القطاع العام ضد القطاع الخاص، حيث مارست النقابات الى هذا الحد او ذاك دورا رقابيا على اصحاب المصانع، فانها لم تكن وسيلة للدفاع عن حقوق ومطالب العمال. ان اقصى ما كانت تستطيعه النقابات في العهد السابق هو محاولة تطبيق قانون العمل المفروض من السلطات ومحاولة منع ارباب العمل من تجاوزه بصورة سافرة ومباشرة في الحالات التي تقع تحت ايديها، والحق ان القانون المذكور رغم عدم تمثيله لمصالح العمال الا انه كان ينتهك بصورته القائمة انذاك ايضأ وبشكل متواصل.
ورغم وجود ممثل للنقابات في وزارة العمل يمكنه رفع شكاوى عن الانتهاكات او متابعة التفتيش والضمان، وهو امر جيد بلا شك ولكن بشرط ان يكون ممثلا للنقابات وليس للاتحاد الحكومي حصرا، لان هذه مهمة عامة وليست نقابية حصرا، وكذلك ان يكون محور عمله مطالب العمال، لا ان يصبح متمما لعمل الحكومة، ولكن هذا التوقع هو امر مستبعد الحصول.
يكفي الاتحاد، صاحب البيان، انه يعتمد قوانين مجلس قيادة الثورة للبرهان على ان ما يهمه ليس مصالح الطبقة العاملة قطعا، ولا حرية التنظيم، بل موقعه الذي حصل عليه خلال سلطة مجلس الحكم. ان أسوأ صفة للنقابي هي ان يعتمد قانون منع التنظيم النقابي او التحكم به ، اساسا لـ " شرعيته". فما هو المشترك بين الاتحاد صاحب البيان ومجلس قيادة الثورة؟
ان اصحاب البيان، قد اسسوا اتحادهم بشكل جبهة احزاب تقاسمت بالتساوي النقابات، التي لم تكن مشكلة بعد، وبالتالي فانهم ممثلو احزاب ترى في الطبقة العاملة راسمالا لتنفيذ سياساتها او لتحقيق مكاسب سياسية، اي رافعة للوصول الى السلطة او تحقيق مواقع في السلطة. ان هذا التوجه هو شكل من اشكال الهيمنة على الطبقة العاملة او محاولة الهيمنة. وبغض النظر عن السياسة الفاشية لمجلس قيادة الثورة، والبرامج السياسية للقوى اللاحقة، الا ان القوى الاخيرة لم تقطع الروابط مع قرارات مجلس قيادة الثورة، بل اتخذتها كوسيلة لادامة هيمنتها. يمكن للنقابية الحالية ان تطالب ببعض الاصلاحات، ولكن هذا لاينفي عنها صفة كونها تنتهج سياسة برجوازية.
ان التركيز على قرار 16 الصادر في كانون الثاني – يناير 2004 والتمسك به، هو دليل اّخر على كون هذا النمط من الاتحاد والتنظيم النقابي الذي يدعو له الاتحاد العام، ليس الا المنظمة الحكومية او الاتحاد الرسمي الذي يسد الطريق على حرية التنظيم، سواء كان بقيادة هذه الجماعة او تلك، تحت نفوذ هذا الحزب او ذاك، حيث انها لن تكون سوى مسألة شكلية فقط.
لا يكاد يخلو مقطع من البيان دون الاشارة الى شرعية وقانونية الاتحاد المستمدة من القرارات الحكومية والوزارية، ثم الاشارة الى "رفض" التدخل الحكومي في "الانتخابات". والبيان يشيرفي فقرة، كدلالة على حسن نواياه وعدم تقاطعها مع الوزارة، الى تعاونه التام ومنذ 2008 لاجراء الانتخابات، فما معنى هذا؟ وما ذا تعني الانتخابات المشار اليها؟
تقول الفقرة: (على ضوء الاجتماعات الموسعة لكوادرنا النقابية فقد تعامل اتحادكم العام مع اللجنة الوزارية العليا بروح المسؤولية الوطنية العالية من أجل إجراء الانتخابات العمالية بأقرب فرصة ليستطيع عمالنا من اختيار ممثليهم الحقيقيين بديمقراطية واستقلالية وإرادة حرة ومن دون تدخل أي جهة كانت ، مؤكداً ضرورة اجراءها وفق قانون التنظيم النقابي والنظام الداخلي الموحد والضوابط التي أقرها مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية ( 13 ) في 14 / 4 / 2009)
ان " الانتخابات" التي تثار الضجة حولها هي ممارسة دورية كانت تقوم بها وزارة العمل مع الاتحاد الحكومي كل ثلاث او اربع سنوات، يقوم خلالها العمال في معامل القطاع الخاص والعام "باختيار" لجنة تابعة للاتحاد الحكومي. وسواء كان العامل عضواَ في الاتحاد الحكومي ام لا، مؤيدا له ام رافضا لسياساته، فانه يتم اشراكه والاحرى اجباره على "الانتخاب" باعتباره عضوا في الاتحاد ويجري خصم بدل العضوية من راتبه دون ان يكون له اي خيار في الانتماء.
هذا الشكل من الانتخابات هو الشكل المعمول به في الانظمة الاستبدادية وخصوصا التي ترفع لافتات وعناوين اشتراكية تدعي تمثيل العمال. الانظمة التي تجعل من كل المؤسسات تابعة لها.
ان تجميع العمال كل اربع او ثلاث سنوات لاختيار ممثلي اتحاد الحكومة، هو ليس التنظيم العمالي، انه منع الخيار وبالتالي منع التنظيم.
كما ان الترويج لكون اللجنة النقابية هي وسيط بين العامل ورب العمل في المنازعات، او مجرد مكان او هيأة للشكوى ضد تعسف ارباب العمل، هو اختزال النقابات الى عمل يومي روتيني يمكن ان يؤديه اي قسم قانوني في الشركة او المعمل، والغاء دورها كوسيلة نضالية بيد العمال.
الامَ ترمي الوزارة والاتحاد الحكومي؟
تقوم اللجنة الوزارية المشرفة على الانتخابات وبالشراكة مع الاتحاد الحكومي، اي الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق بالاعداد للـ "انتخابات" وقد انجزت بالفعل قبل بضعة اشهر " انتخابات" نقابتين. ومن طرفها تمارس الوزارة عملا يقع في صلب اختصاصها وهو اعادة انتاج الاتحاد الحكومي واعادة تقسيم النفوذ والمراكز بين القوى المتنفذة فيه، وحسب توازن القوى السياسي وتحولاته. ان اتحاد مجلس الحكم لا يشبه الاتحاد الحالي من حيث القيادة في المكتب التنفيذي وفي النقابات العامة، ولا من حيث الهيئات او الاحزاب النافذة فيه، وهذا راجع لكونه انعكاس لنفس القوى التي تتعاقب السيطرة على السلطة، انهما يتشابهان في امر جوهري واحد هو الاستمرار على نفس التقاليد وابقاء نفس المسافة من العمال، ويعني ان كل الاحزاب التي تعاقبت على تداول النفوذ والنشاط في الاتحاد الرسمي الحالي، هي فصائل لنفس الكتيبة الطبقية، ونفس المحتوى الطبقي رغم اختلاف او حتى تناحر العناصر الموجودة فيه. هذا فضلا عن شكل القيادة الفوقية البيروقراطية والانعزال عن العمال. اي بكلمة ممثلي التيارات البرجوازية داخل النقابات.
ان الانتخابات بالنتيجة هي انتخابات الوزارة لاعادة تنظيم هيكل الاتحاد الرسمي الحكومي. ان العمال يجري زجهم وتضليلهم في انتخاب اسياد على النقابات. لقد جرى اطلاق وعود لالاف بل عشرات الالاف من العاطلين عن العمل، والاحرى خداعهم وتضليلهم، لاستحصال هويات الاتحاد الرسمي والحصول على وظائف بعد قيامهم بالانتخاب. والحال، ان هذه الانتخابات ليست سوى الشكل البرجوازي المفروض على العمال لاختيار "سلطة نقابات" وليس نقابات، انه يجري خارج اي انتماء للمنظمة العمالية وبالتالي انتاج الاتحاد الواحد الحكومي المسيطر على النقابات.
كيف يمكن اعادة انتاج الاتحاد الرسمي الحكومي؟ وهل يتقبل العمال اتحادا رسميا؟
في الانظمة الاستبدادية، حيث تقمع حرية التنظيم، ويمنع حق الاضراب، فان العامل يواجه التعسف والعقوبات والطرد من العمل، وبالتالي فان الشكل " القانوني" للاعتراض غائب ومحظور. ان هذا بلا شك يفرض التراجع على الحركة النقابية، وبالتالي سيكون من الصعب على العامل ممارسة حقه في الاضراب والتجمع والانتماء الى النقابة. فسيكون البحث عن شكل قانوني ورسمي للتنظيم امر شائع في اوساط واسعة من العمال. في حين لا يتوقف الناشطون والقادة العماليون عن الفعالية حتى في احلك الاوضاع واشدها صعوبة، ودون وجود اي اطار قانوني يسمح لهم بالعمل. هذا الواقع هو ما يديم عمل الاتحادات الحكومية الرسمية، ولكن نشاطهم، اذا سمحت السلطات بذلك، لن يكون باي حال سوى الانشطة التي تقبل بها الحكومة والتي لا تعتبرها مخالفة للقانون اي انه سيكون نوعا من النضال الدستوري المحدود.
الامَ يرمي اصحاب البيان؟
يصدر البيان بأسم الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق الذي يعترض على عدم قيام الوزارة بالتنسيق معه في الانتخابات. ولكن شريك الوزارة الحالي هو الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، الذي اقره مجلس الحكم بالقرار 16 وبنفس اسم رئيسه الوارد في القرار، نفس القرار الذي يؤكد عليه اصحاب البيان ويعتبرونه مصدر الشرعية. فمن هم اصحاب البيان؟ ولماذا يتحدثون بنفس اسم الاتحاد الحكومي ويعتبرون انفسهم هم الاتحاد الحكومي الرسمي؟
ان الصراعات داخل قيادات الاتحاد الرسمي قادت الى اقصاء مجموعة من قيادة الاتحاد ، في انتخابات داخلية بين الهيئات القيادية وهذه المجموعة المقصاة مازالت تعتبر نفسها هي قيادة الاتحاد. ان الحكومة قررت اتحادا عام 2004 وبالتالي يمكنها استبداله او استبدال قيادته متى ما شاءت، وسيكون الاعتراض عليها بقراراتها ونصوصها واللجوء الى اللوائح هو نوع من عمل عديم المعنى بل لا يفعل سوى خلق التشوش والبلبلة بين صفوف العمال والمتابعين للشأن النقابي. انه نوع من صراع داخلي لا يخص مصالح العمال قطعاً، ان ما يخص العمال بالاحرى هو فصل صفوفهم عن هذه التيارات.
ان الانتخابات التي تعتزم وزارة العمل اجراءها، تعني ايلولة اللجنة المنتخبة، على افتراض ان الانتخابات ستكون مستقيمة ونزيهة، الى اتحاد واحد حكومي رسمي، ترسم السلطات والقوى السياسية السائدة سياساته ونشاطاته وصلاحياته، انه بكلمة سد الطريق على الاستقلالية وعلى الحركة النقابية.
ان التخلص من ميراث الفاشية السابق والحي فيما يخص حريات وحقوق العمال يقتضي التخلص من قوانينه وقرارته وتقاليده، اي الغاء مفهوم الاتحاد الرسمي او القانوني، ومنح العمال حق تنظيم انفسهم واقرار هذا الحق وهذا التنظيم قانونيا.
ان الازمة النقابية العالمية، والازمة في النقابات في العراق، تنجم بصورة رئيسية عن عدم وجود سياسة طبقية واضحة، كما ان الاوضاع الراهنة للحركة العمالية والصعود المتنامي، تجعل من السياسية الراديكالية للمنظمة العمالية اساسا لديمومتها وتطورها. ان الشكل المجالسي للتنظيم هو وسيلة فعالة بيد العمال، ويمكنه الاجابة على ازمة النقابية بشكليها، النقابية الرسمية والنقابية في البلدان التي ذات السياسات الليبرالية. انه الشكل الذي يبتدعه العمال ويعبرون عن انفسهم من خلاله. ان الازمة الراسمالية الحالية والحركة العمالية المتصاعدة، تجعل من تطوير التنظيم المجالسي على الصعيد العالمي مسألة ملحة بامكانها الاجابة على متطلبات الحركة العمالية.
للحديث بقية
فلاح علوان