مؤسسات ومؤسسين إنتهازيون!!!


رامي الغف
2012 / 2 / 24 - 08:16     

أعتقد أن جميع المؤسسات والهيئات والجمعيات الفلسطينية في هذا الوطن، تتفق على إن مصلحة المواطن الفلسطيني لابد أن تكون فوق كل مصلحة وهذا من بديهيات وأهداف الأنظمة الداخلية لكل مؤسسة، إن لم أكن مخطئا ولكن ما يثير إهتمامي هو إن الكثير من رؤساء ومدراء ومسؤولي وأعضاء وكوادر هذه المؤسسات وبالذات ممن أصبحوا مسؤولين في مؤسساتهم، لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية ولو على حساب المواطن بل وعلى حساب الوطن ..! فالملاحظ من خلال تصريحات المسؤولين الذين أصبحوا في المكاتب التنفيذية ومجالس الأمناء والدوائر الإدارية وبكافة مناصبهم من الأمناء العامون مرورا برءساء المؤسسات إلى اصغر موظف في السلم الإداري والتنظيمي للعمل الأهلي أو ما يسمى بمؤسسات العمل الأهلي ينادون بأن مصلحة المواطن هي ما يهمهم وكلٌ طبعا حسب نوعية التصريح والمجتمع الذي يدلي من خلاله بدلوه.
فالمسؤولون يدلون بتصريحاتهم عبر وسائل الإعلام الفلسطينية المختلفة ومن خلال مكاتبهم الفخمة المكيفة التي تبرزهم وكأنهم يتكلمون بإسم فلسطين كله، وخصوصا من الذين يضعون علم فلسطين ( الغالي ) خلفهم، ويجلسون خلف مكاتب فخمة ومستوردة من خارج فلسطين، وهؤلاء هم أكثر المصرحين كذبا، فما يتقاضوه من رواتب ومخصصات وإمتيازات جعلتهم يعيشون حياة يفتقر إليها الملايين من أبناء فلسطين الصامد، بل إن ما يتقاضوه من حجم تلك الإمتيازات يمكن لها أن تطعم الآلاف من الفقراء والمعدمين والمقهورين والمسحوقين من الناس البسطاء الذين لا هم لهم إلا قضاء يومهم بشره وخيره.
سبحان الله الولي الرزاق، الذي يهب إناسا مالا وجاها وغناء، ويهب إناسا فقرا وبؤسا وشقاء، أما الصغار من المسؤولين والموظفين الإنتهازيين والمتزلفين والمنافقين والأفاقين فهم إذا ما تكلموا عن النزاهة والشفافية والأخلاق فإنك تقف مذهولا عند حجم ما يطلقوه من حكم وثوابت وشعارات ولكن الحقيقة غير ذلك بتاتا.
لا ننكر أن مؤسساتنا الوطنية المهتمة بالعمل الأهلي المدني تعاملت بشكل جدي وفعال مع المطالب المناديه بالإصلاح والتقويم والتغيير والتي تتعلق بمكونات الحكومات الوطنية للسلطة الفلسطينية، ولكنها تجاهلت في الوقت نفسه الحاجة الملحة للإصلاح والتقويم والتغيير الإداري في هياكلها وإداراتها وأقسامها الإدارية والمالية والقانونية، وعلى الأخص تلك المؤسسات التي تتمتع بقوة مردها التمويل الذي تتلقاه من جهات خارجية، فلقد إعتبرت بعض هذه المؤسسات نفسها وصياً على مؤسسات السلطة الوطنية ووزراتها، بالرغم من الفساد المالي والإداري التي ينخر عظامها، وكأن هذه المؤسسات فوق مستوى المساءلة والمحاسبة والرقابة والتفتيش. إن مظاهر الفساد الإداري والمالي في مؤسسات العمل الاهلي يمكن تلخيصها بما يلي.
ضعف التوجه الديمقراطي لإدارات هذه المؤسسات وربطها بحكم الفرد.
يستند الكثير من مؤسسات العمل الأهلي الفلسطينية في مرجعيته الى هيئات محدودة العدد تسمى مجالس الأمناء، وغالباً ما يكون اعضاء مجالس الأمناء انفسهم أمناء في أكثر من مؤسسة، وتفتقر هذه المؤسسات إلى هيئات عامة ذات عضوية مفتوحة تجتمع بشكل دوري لتراقب عمل الإدارات أو تنتخبها بشكل ديمقراطي.
لقد وجدت بعض المؤسسات الأهلية في مثل هذه المرجعيات وسيلة مريحة لإدارة مواردها المالية والبشرية بشكل يضمن تحقيق مصالحها الشخصية بعيدة عن رقابة الهيئات العامة، ويساعدها على تحقيق ذلك عضوية بعض أعضاء مجالس الأمناء في أكثر من مجلس، ما يقلل قدرة بعضهم على متابعة ما يجري في داخل هذه المؤسسات من جهة، وإرتباط مصالحهم مع مؤسسات أخرى.
إن الكثير من أعضاء مجالس الأمناء هم مدراء لمؤسسات أخرى، وبكلمات أخرى مجموع غالبية مدراء المؤسسات يشكلون معظم أعضاء مجالس الأمناء، وعدد ليس قليلاً منهم يسيرون أمورهم وفقاً لمبدأ "مرر لي حتى أمرر لك". والمتابع لحركة مصالح أعضاء هذه الإدارات يستطيع أن يستشف العلاقة المصلحية بين فئة المدراء ومجالس الأمناء.
ومن مظاهر الفساد الإداري الأخرى، إن إدارات العديد من المؤسسات تفتقر لطابع العمل الجماعي، وترتبط باسمها وطريقة عملها بشخص المدير العام. فكثير من المؤسسات الأهلية الفلسطينية تعرف باسم مديرها "مؤسسة فلان" أكثر مما تعرف باسمائها المسجلة لدى وزارة الداخلية.
إن هذه العوامل تضعف من ديمقراطية هذه المؤسسات حتى لو حملت في شهادة تسجيلها هذا الإسم أو أحد مشتقاته، وتجعلها مربوطة بالأشخاص أكثر من إرتباطها بالبرنامج والأهداف الواردة في أنظمتها ودساتيرها وبرامجها.
فالفساد الإداري الذي تعانيه بعض مؤسساتنا الأهلية الفلسطينية مقرون بفساد مالي، في بعض حالاته ومكشوف ومخالف للقانون، لكنه في حالات كثيرة مغطى بشكل غير مخالف للقانون. فالقانون يحاكم إدارات المؤسسات الأهلية إذا ثبت تورطها بسرقات أو إختلاسات مالية، لكنه لا يحرك ساكناً إذا كان يتم الإستعاضة عن السرقة ببند الرواتب، فبعض مدراء هذه المؤسسات يتقاضون رواتب تفوق سلم الرواتب التي يحصل عليها القضاة والوزراء ومدراء البنوك، وأحياناً رؤساء بعض الدول الذين يتقاضون رواتبهم بموجب قانون، ويحصلون على إمتيازات بدل سفر، ومكافآت مالية لا يحصل على مثلها مدراء المؤسسات المالية.
إن إقرار بعض مجالس الأمناء لمثل هذه الرواتب، وبالمناسبة يحصل على أكثر من راتب من أكثر من مؤسسة أو مشروع، لا يمكن تصنيفه إلا تحت عنوان الفساد المالي، حتى لو غاب عن ذلك نص قانوني، فإلى جانب القانون يجب أن يسود مبدأ الأخلاق والعدالة كقانون طبيعي.
إن هذا الفساد فيه إخلال بمبدأ العدالة والمساواة، فأصحاب الرواتب العالية يحصلون على رواتبهم على حساب رواتب باقي الموظفين. فوفقاً لمعلومات مؤكدة، يحصل عدد من مدراء مؤسسات العمل الاهلي على رواتب تبلغ ضعف أو ضعفي الرواتب التي يحصل عليها باقي الموظفين في المؤسسة ذاتها من الصفين الثاني والثالث، علماً بأن القاعدة الإدارية السليمة تقول أن الفرق في الراتب بين الصف الأول والثاني يجب أن لا يزيد عن نسبة 02%. ومثال على ذلك يحصل أحد مدراء المؤسسات على راتب يقدر بحوالي أربعة آلاف دولار، وبالمناسبة يعمل في غير تخصصه، بينما يحصل الموظف الذي يليه بدرجة واحدة على ربع هذا الراتب، علماً بأن شهادة الأخير وتخصصه وقدراته تؤهله لادارة هذه المؤسسة.
ومن مظاهر الفساد الاداري في بعض مؤسسات العمل الاهلي غياب مبدأ الشفافية في العمل، وخير دليل على ذلك ان المواطن لا يستطيع الاطلاع على تقارير هذه المؤسسات في شقيها المالي والاداري، وعملية التوظيف لا تخضع لأسس مهنية، وغالباً ما تتم وفقاً لأسس عشائرية أو سياسية، بعيداً عن الخبرة والمؤهل العلمي. كما لا تخضع تقاريرها لرقابة الهيئات العامة، كما تفعل الجمعيات الخيرية والاندية، بل تخضع فقط لمشاهدة ومصادقة مجالس الأمناء والمحاسبين القانونيين، لان القانون يلزمها بذلك.
ولو توجه دارس او باحث ما الى احدى هذه المؤسسات للحصول على معلومات مالية وادارية حولها، لوجد ان باب المؤسسة موصد امامه، لان مبدأ الشفافية مغيب في هذه المؤسسات، وبالتالي لا مجال للمساءلة او المحاسبة الا بناء على طلب الممول. وبالمناسبة لا ينظر الممول من جانبه الى هذه المسائل بنفس الحساسية التي ينظر اليها المواطن، ومرد ذلك انه يعتقد ان نخبة الاداريين في مؤسساتنا الاهلية الفلسطينية تتمتع بثقة المواطن، وهي القوة التي تقف في وجه فساد السلطة. كما ان الممولين هم أولاً واخيراً موظفون يتلقون رواتبهم مقابل اعمال يقومون بها، ومؤشر نجاحهم في العمل هو مقدرتهم على صرف المبالغ المقررة من حكوماتهم لدعم المجتمع الفلسطيني، والقيم التي يسعون لتحقيقها، ولهم بالتالي مصلحة في التغاضي عن هذا الفساد المالي والاداري الناخر في بعض المؤسسات الاهلية كي يستمروا في وظائفهم، ويعملوا على تحويل فشل ادارات هذه المؤسسات الى نجاح في الادارة والعمل، وهذا بالتالي يصنف نجاحاً لهم في عملهم، واستمراراً لبقائهم في وظائفهم، والحال على ارض الواقع غير ذل
على جميع مؤسسي الهيئات والمنظمات والمؤسسات الفلسطينية أن تنتبه جيدا إلى ما يقوم به من ينتمي إليها من المسؤولين والنفعيين والمفسدين، ويقفوا بوجههم، لأن ما يقوم به هؤلاء الجشعين إنما يعكس صورة سلبية عن هذه المؤسسات التي تعتبر كما قلنا سلفا مصلحة المواطن والوطن الغالي فوق كل إعتبار مما يحتم عليها أن تثبت لشعبنا الفلسطيني إن من يجعل مصلحته الشخصية فوق مصلحة المواطن والوطن لا ينتمي إليهما .