عطية الصيرفي عامل اشتراكي مصري


إلهامي الميرغني
2011 / 6 / 2 - 03:28     

عطية الصيرفي عامل اشتراكي مصري
ولد عمنا عطية الصيرفي في حي البرابرة بمدينة ميت غمر سنة 1926 حيث كان والده يعمل طباخاً لدي اثرياء ميت غمر ووالدته تعمل خياطة .تعاطي الابجدية وحفظ القرآن الكريم في كتاتيب ميت غمر. ثم الحقته اسرته بعدة مهن فعمل صبي حداد وصبي نحاس واشتغل عاملاً بالمعسكرات البريطانية ثم عاملا بوزارة الزراعة وعاملا بشركة مصر للغزل والنسيج.
لكن المقادير دفعت بعم عطية ليعمل كمساري بالنقل المشترك ثم في شركة أتوبيس وسط الدلتا . ومنذ التحق عم عطية بالحركة العمالية مارس النشاط النقابي والسياسي منذ عام 1945 وكان عمره في ذلك الوقت 19 سنة .
أختار عطية الصيرفي الفكر الاشتراكي العلمي طريقاً لتحرير الطبقة العاملة من الاستغلال والاستعباد فإنتمي في الآربعينات إلي صفوف تنظيم " الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني " والتي يرمز لها بأسم " حدتو ". وكما عرف عم عطية طريقه للاشتراكية دخل في مواجهة مع أنظمة الاستبداد وحكومات ما قبل وبعد يوليو 1952 فكان نزيلا علي معظم المعتقلات والسجون المصرية .
تعرض عم عطية للعزل السياسي عام 1953 حيث حل ضيفاً علي الكثير من المعتقلات لدفاعه عن قضايا الطبقة العاملة وظل معزولاً سياسياً حتي عام 1975 وكان يجمع في حركته بين النضال النقابي العمالي والنضال السياسي حيث نجح في عضوية مجلس محلي ميت غمر وانتخب رئيساً للجنة القوي العاملة بالمجلس . كما نجح في عضوية نقابة النقل ومجلس إدارة نقابة اتوبيس وسط الدلتا بالمنوفية . كما اعترضت الأجهزة الأمنية علي ترشيحه لعدة دورات نقابية وكذلك المدعي العام الاشتراكي ، وظل عم عطية قابضاً علي الجمر متمسكاً بقضية الحرية النقابية التي وهبها حياته فكتبت له الخلود.
عندما تأسس الحزب الشيوعي المصري عام 1975 كان عم عطية في طليعة أعضاء الحزب وعضواً بقيادته،وعندما تأسس حزب التجمع كان عم عطية الصيرفي من مؤسسيه وانتخب عضوا باللجنة المركزية والأمانة العامة لدورات متتالية حتي انسحب من التجمع منذ شهور.
عام 1983 أطلق عم عطية صرخته المدوية في كتيب نشر بعنوان " عسكرة الحياة العمالية والنقابية في مصر" والذي أصَل فيه للتعددية النقابية باعتبارها الحرية النقابية بمعناها الحقيقي . وأن الموجود في مصر ليست نقابات عمالية بل جزء من السلطة التنفيذية.وكان هذا الكتاب بمثابة ميثاق العمل حول التعددية النقابية الذي تبناه جيل من القادة النقابيين والعماليين والذي تجسد حقيقية واقعة في النقابة المستقلة للعاملين في الضراب العقارية وما تبعها من نقابات مستقلة بعد ثورة 25 يناير ، كان عم عطية وبحق المبشر الأول بها ودفع سنوات حياته للدفاع عن هذه الفكرة حيث رفضها حزب التجمع ولكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في التبشير بها.
شارك عم عطية في الثمانينات في اصدار مجلة عمالية غير دورية اسمها " صوت العامل " صدر منها 9 أعداد ، صدر العدد الأول في فبراير 1985 والعدد التاسع في سبتمبر 1988 . وكان عم عطية ضمن هيئة تحرير صوت العامل وأحد دعائم نجاحها. وظل يبشر بالنقابات المستقلة وكتب العديد من الدراسات والمقالات في هذا المجال. خاض عم عطية معركة مجلس الشعب عام 1990 وحشدت السلطة كل طاقتها واستخدمت كل اساليب التزوير لتمنع وصول نقابي حقيقي مثل عم عطية لعضوية مجلس الشعب.
عام 2001 عندما تكونت اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية كان عم عطية من مؤسسيها الأوائل وكان عضوا بسكرتارية اللجنة لعدة دورات ، وظل مواظباً علي حضور اجتماعها الشهري منذ عام 2001 وحتي عام 2010 عندما اقعده المرض واصيب بكسر اقعده عن الحركة والمشاركة في اجتماعات اللجنة التي ظل فاعلاً في نشاطها حتي رحيله.
لم يكن عطية الصيرفي نقابي عادي بل كاتب متميز له العديد من الكتب المنشورة نذكر منها:
- دور العمال في المجتمع الاشتراكي - عمال التراحيل
- عسكرة الحياة العمالية والنقابية - نقاباتنا في خدمة السلطان
- العمال والفلاحون يواجهون الرصاص والمشانق – نيابة عن الوطنية المصرية - اشتراكية افندينا – والنشاة العمالية الحديثة
- حكم العسكر في مصر المحروسة - ظهور الطبقة العاملة المصرية بين السخرة ورأس المال الأجنبي
- من ملامح حكم العسكر والعسكرة في مصر المعاصرة - أيها النمل أخلوا مساكنكم
- سيرة عامل مشاغب - قضايا وطنية واشتراكية واخلاقية

قضي عم عطية حياته في معارك لم تنتهي إلي نهاية حياته ، معارك مع الأنظمة من الملكية الي الناصرية والساداتية والمباركية . ولعل مقالاته الهامة عن رفض التوريث في ظل جبروت نظام مبارك لخير دليل علي ذلك. كما ان رفضه للبنيان النقابي وحديثه عن هزلية هذا البنيان وعدم تمثيله للعمال كان سبب لمحاربته من قبل النقابات الحكومية والاتحاد الأصفر .
ورغم عضويته في حزب التجمع بل وفي امانته العامة لم يمنعه ذلك من معارضة سياسات الحزب والخط العمالي وهجومه علي بعض قيادته العمالية نتيجة مواقفها اليمينية وتعرضه للاضطهاد والحصار داخل الحزب . كما كانت معركته الأخيرة مع الحزب الشيوعي المصري أكثر ضراوة حين وصفه في كتابه الأخير بقوله " الحزب المسمى بالشيوعي المصري ، خان الوطنية والاشتراكية والأخلاق وباعهم للشيطان الأمريكي والصهيوني مقابل التمويل بالدولار" .
وبعد ان هاجر صفوف الحزب الشيوعي المصري منذ سنوات ، غادر صفوف حزب التجمع منذ شهور ، وحضر اجتماع تأسيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وأعلن انضمامه للحزب .
يوم 30 مايو شهر عيد العمال قرر عم عطية ان يغادرنا بعد ان تحولت دعوته للنقابات المستقلة الي واقع يشهد اشهار عدة نقابات مستقلة كل يوم في جميع انحاء مصر. لقد رحل عم عطية بجسده لكن كتبه ومقالاته ومواقفه وصلابته ستظل تراث ملك للحركة العمالية الاشتراكية تتناقله جيلاً بعد جيل.
بجوار محمد يوسف المدرك ومحمود العسكري وطه سعد عثمان وسيد سليمان الرفاعي ومحمد شطا ومحمد علي عامر غادرنا عم عطية .لكننا مصممين علي استكمال مسيرته مسلحين بأفكاره وصلابته التي لم تلين . رحم الله عمنا عطية واللهم اسرته واصدقائه وتلاميذه الصبر ، واعاننا علي السير في نفس الطريق من أجل تحرير عمال مصر.
إلهامي الميرغني
1/6/2011