ليس لدى العاطلين ما يخسرونه سوى جوعهم


فلاح علوان
2011 / 1 / 15 - 01:28     

هذا المقال تعرض للتعديل اكثر من مرة، فالاحداث في تونس كانت اسرع من اي تحليل. لقد اجبرت الانتفاضة رئيس تونس على التنحي عن السلطة مساء اليوم ومغادرة البلاد، في حين ان المقال هو عن مستلزمات توسيع الانتفاضة واقتدار العمال.
اذن اطيح بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وتولى رئيس الوزراء السلطة بدلا عنه، ومعنى هذا ان النظام السياسي لم يتغير، وما تغير هو الرئيس فقط. فهل ستستمر الانتفاضة لحين تغيير النظام السياسي؟ وهل سيبقى الطابع العمالي للانتفاضة؟
ان بعض النقاط الواردة في المقال لاتتعلق بمسار الاحداث مباشرة، وانما النظر الى الاوضاع من منظار عمالي، ان الاحداث ابتدات الان ومسار التغيير سيبدا الان، وهذا يتطلب تحليلا اخر لانه مسار اخر تدخل فيه قوى سياسية متنوعة وصراع سياسي لحسم مستقبل السلطة في تونس.

المقال:

انتفاضة العاطلين عن العمل في تونس امتدت لتصل حد المواجهة الدامية واطلاق النار على المتظاهرين العزل وقتل العشرات. ثم الانتفاضة والمطالبة بتغيير النظام. فمنذ 17 ديسمبر، يوم اضرم الشاب محمد بوعزيزي النار في جسمه ليموت اثرها منتحرا، من شدة الياس والاحباط. التظاهرات لا تكاد تتوقف في في مدينة حتى تنطلق في اخرى، حيث امتدت واتسعت لتاخذ شكل انتفاضة عنيفة، التحقت بها نقابات عمالية وحركات سياسية.
القمع الدموي للتظاهرات دفع الى الواجهة مطلب الحريات السياسية، وهكذا اخذت الاحتجاجات في تونس الشكل النموذجي للمطالب العمالية في الدول الاستبدادية، وهو تحولها الى حركة سياسية مباشرة، بل مضت اكثر للمطالبة بتغيير النظام السياسي، بسبب كون السلطة تواجه اي مطلب اقتصادي او اصلاحي بنفس الطريقة التي تواجه بها الانقلاب العسكري، او الثورة.
الانتفاضة الحالية، وبحدودها الراهنة، امام تحقيق مطلبين اساسيين، العمل والحريات السياسية، الحريات السياسية كشرط لاستمرار واتساع الحركة، ومع استمرار القمع سيكون استمرار الانتفاضة مسار دام يكلف التضحيات الجسام.
ان اتجاه الراسمالية الخاضعة ⃰ الى اقتصاد السوق، حتم الواقع التالي:
• عدم التزام السلطات التي كانت تنتهج الاقتصاد المخطط عموما، بالتشغيل، بسبب اتجاهها الى اقتصاد السوق واندماجها بالسوق العالمية واسواق المال والبورصات العالمية. وبالتالي تقليص العمالة وتقليص الانفاق الحكومي.
• نتج عن هذا قطاع خاص محدود وغير واسع، ولا يمكنه ادارة صناعات واسعة، وبالتالي عدم القدرة على تشغيل عمالة واسعة.
اذن البطالة الواسعة والمليونية لم تعد "ازمة" او وضع طارئ، لم يعد العاطلون عن العمل مجرد مصدر لتجهيز كاسري الاضرابات، او وسيلة بيد الراسمالي للجم الحركة العمالية، الامور في عالم اليوم تختلف، اصبحت جموع العاطلين عن العمل تواجه السلطات بحثا عن فرص العمل. وبالرغم من ان العاطلين عن العمل غير منظمين في اتحادات ونقابات لها اسسها وهيكلها مثل المنظمات العمالية التقليدية، الا ان ميكانزمات الحركة العفوية نفسها ابرزت قادة ومحرضين وفعالين ميدانيين. ان التنظيم المجالسي الذي يعتمد على الاجتماع العام هو انسب شكل تنظيمي يمكنه التعبير عن حركة العاطلين، كونهم غير مرتبطين بمهنة معينة او فرع صناعي او قطاع، ان التعبير عن انفسهم ومطالبهم يظهر عبرالاجتماع العام.
وبالنسبة لتونس التي يعتمد اقتصادها كثيرا على صناعة السياحة، فان السياحة بحد ذاتها لاتزيد الطلب الفعال صناعات تكمياية او مدخلات من صناعات اخرى، وبالتالي فهي تعتمد تامين المرافق السياحية التي يمتلكها راسماليون يعتمدون عمالة محدودة، ان السياحة تنشط عادة الصناعات التقليدية الحرفية، التي لاتعتمد على تشغيل واسع.
هذه ازمة هيكلية يؤطرها نظام سياسي مركزي مستبد، معروف بتاريخ من القمع الواسع للحريات السياسية العامة. ان التجمع الاحتجاجي قاد مباشرة الى انتفاضة ومواجهة مفتوحة دامية. اصبح امام العمال مواجهة وضعية سياسية جديدة فجروها ووضعوا القوى السياسية في مواجهتها، سواء تلك التي في السلطة او في المعارضة. لقد طبع العمال الانتفاضة بطابع عمالي اصيل. وهو واقع نادر في تاريخ المنطقة.
عدا عن المطالبة بفرص العمل، يمكن ويجب على العاطلين رفع مطلب تعويض البطالة او ضمان البطالة، وان فرضه وتحقيقه سيكون نقلة لنضال الحركة العمالية برمتها وليس العاطلين فقط، كون العامل في حالة احتجاجه والذي يواجه خطر التسريح سيكون ضمان البطالة اداة بيده في مواجهة خطر فقدان الوظيفة، كما ان ضمان البطالة سيرفع بلا شك من الحد الادنى للاجور. ان كل هذي المكاسب ستكون امكانيات مادية واقعية بيد الطبقة العاملة في نضالها.
ان تحقيق اي مكسب اصلاحي في خضم نضال العمال ضد الراسمال، سيكون خطوة في نضالهم السياسي ضد الراسمال كنظام سياسي.
امام العمال، تحقيق مطالب التشغيل والحريات السياسية، او ما عبروا عنه " الخبز والحرية" وتوسيع الانتفاضة، وامام النظام السياسي، اما الحفاظ على وجوده بالرضوخ لمطالب المتظاهرين واجراء اصلاحات شاملة وعميقة، او مواجهة الثورة. ان الانتفاضة ربما تهدا حينا ولكن لن يكون لها خيار سوى تغيير النظام السياسي. وهنا على الطبقة العاملة ان تكون جاهزة لاستلام السلطة، واعلان حكومتها، والا ستكون الحصيلة سيطرة تيار اصلاحي او حتى اشد رجعية واستبدادا، ربما يمكن تحقيق اصلاحات اكثر منه بمواصلة الضغط على النظام الحالي.
ان التيارات الاصلاحية للاحزاب والقوى البرجوازية لابد وان تعلن عن نفسها في بديل او مشروع سياسي، او من الممكن ان يجبر النظام الحالي على القيام باصلاحات واسعة للحفاظ على سلطته ما لم تقود الاحداث الراهنة الى الاطاحة به.
مهما يكن من امر، ان الحركة الاحتجاجية الواسعة في تونس، والجراة التي امتازت بها وما رافقها من حركة احتجاجات واسعة للفقراء والكادحين في الجزائر ضد الغلاء، هزت الركود السياسي للاوضاع في البلدين، وبخاصة للحركة العمالية، ووجهت ضربة للتصورات والتقليد الذي يعتبر مهمة العمال هي في المطالب اليومية في حين ان السياسة والتحولات السياسية هي مهمة طبقة اخرى او مهمة البرجوازية. ان الاطر القائمة للتنظيم العمالي لم تستطع للان لعب الدور الرئيسي كقائد وممثل للحركة.

ان الاوضاع تتغير بالساعات في تونس، وحصيلة الاحجاجات هي:
ان تظاهرات عمالية من اجل مطالب حياتية اقتصادية، قادت الى انتفاضة شعبية واسعة.
رفع شعار تغيير نظام الحكم خلال الانتفاضة العمالية، وبالتالي طبع العمال العاطلون الانتفاضة بطابع عمالي لغاية الساعة.
ان المطلب اليوم مضى ابعد كثيرا من المطالب اليومية، وابعد حتى من الاصلاحات او توسيع الحريات السياسية.
ان مستلزمات انجاح الانتفاضة اليوم هي اوسع واعمق وابعد من اسلوب الاسابيع المنصرمة في التعبئة والتحريض باتجاه الاحتجاجات.

فلاح علوان
12-1-2011