الحركة العمالية في اوروبا اهم حدث تاريخي لسنة 2010


سامان كريم
2011 / 1 / 10 - 19:47     

إن نظرة، سريعة كانت او دقيقة، الى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة حول أهم احداث سنة 2010، ستكشف خلوها من أشكال الصراع الطبقي، خلوها من النضال العمالي الذي ميز هذه السنة وبرز صارخا في الشارع الأوربي بالذات، حتى سطرته جرائد البرجوازية في اوروبا، وكاد ان يسود صفحاتها. لكن هذا الاعلام كمصنع تصنع وتنشر وتصدر فيه الأكاذيب، والخرافات، والاوهام بكميات هائلة، يسلط الأضواء على تفاهات مثل: ولي العهد البريطاني يؤدي رقصات مع قرويين في الهند، او أحد أفراد شرطة نيويورك يؤدي صلاة الجماعة في المركز الثقافي الإسلامي، او أنجيلينا جولي تزور مخيم جالوزي لضحايا فيضانات باكستان، او تدون اهم احداثها بنشر موقع ويكيليكس للوثائق السرية، او فضيحة التجسس بين روسيا وامريكا، ... انها حماقة وفي الوقت نفسه سخرية من المجتمع البشري، ولكن هذه هي وظيفة الاعلام كركن من اركان بقاء النظام الرأسمالي الحالي. .. لن أطيل الحديث عن هذه الحماقات بالرغم من انها أصبحت الشغل الشاغل لوسائل الإعلام، ربما في احسن احوالها تسجل النزاع بين الكوريتين ...وهو فعلا حدث، او قد يكون خبر ينذر بخطر كبير يجب علينا ان نوليه اهتماما، خبر يمثل عمق الصراع الضاري بين القوى الكبرى وبالتحديد بين الصين والولايات المتحدة واليابان من جانب اخر في اقصى شرق أسيا.

ان الحدث الاهم هو الإحتجاجات والاضرابات والتظاهرات العمالية التي عمت العالم اجمع وبالتحديد البلدان الأوروبية من اقصى شرقها في اليونان الى اقصى غربها في البرتغال وبريطانيا مرورا بفرنسا وايطاليا والمانيا وبلجيكا والتشكيك...الاحتجاجات والنضال المستمر الذي لم يخمد لحد اللحظة ضد سياسة التقشف الاقتصادي التي تبنتها كافة البلدان الاوروبية بنسب متفاوتة وحسب سياسة متفاوتة منها علنية ومنها سرية يجري تطبيقها على قدم وساق لتحميل الازمة الاقتصادية العالمية على العمال والطبقة العاملة.
هكذا انتقلت المعركة الى سنة 2011.
ان الأعتراضات والاحتجاجات العمالية في اوروبا التي سادت سنة 2010، على رغم ضعفها وعدم وضوح رؤيتها السياسية وضعف الإتحاد الطبقي بين صفوفها وبالتحديد ضعف التحزب الشيوعي، إلا إنها أعادت الى أذهان الرأي العام والحكومات البرجوازية المتسلطة بعنف على رقاب العمال، مفاهيم الثورة والتحولات الثورية، ماركس، مفاهيم ثورة الجياع، تعفن وإحتضار الرأسمالية وسلطتها. انها فعلا البداية ونقطة تحول كبيرة في نهاية العقد الاول من القرن الحالي. أن الخوف من الثورة والاتحاد الطبقي للعمال ومن ماركس مرة اخرى تلقى ظلالها على اجتماعات وأذهان الممثلين المأجورين للبرجوازية. علينا ان نستخلص دروسا كبيرة من السنة الماضية من الاحتجاجات والاضرابات والتظاهرات التي جابت اكثرية المدن الكبرى في اوروبا...

الدرس الاول: الدول والحكومات والبرلمانات، مؤسسات لأدارة سيادة البرجوازية على المجتمع

ألف: ان الدول الموجودة وكافة مؤسساتها التنفيذية "الحكومة" والتشريعية "البرلمان" والقضائية "النظام القضائي". دول راسمالية تدار من قبل الطبقة البرجوازية سواء في فرنسا، البرتغال، اليونان، السويد أو ألمانيا... ان هذه الدول طبقية بأمتياز بل وتمتلكها البرجوازية كطبقة، ان الدول الاوربية تدار من قبل الطبقة الدكتاتورية في الطبقة البرجوازية.

باء : ان الحكومات والاحزاب البرجوازية على رغم اختلافاتها، والتي تشكل الحكومات في اوروبا والمعارضون ايضا مثل" حزب العمال وحزب المحافظين في بريطانيا" الديمقراطيين المسيحيين والاشتراكية الديمقراطية في المانيا، وحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الفرنسي بقيادة ساركوزي والحزب الاشتراكي في فرنسا، الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في أمريكا.. . أداة تنفيذية لتجسيد الدولة الطبقية البرجوازية ومصالحها، الحفاظ على الملكية الخاصة البرجوازية وديمومتها، ضمن حدود هذه الدول او على الصعيد الاوربي والعالمي. هي اداة قمع بيد البرجوازية لتطبيق ما تشاء لصالحها... سياسة الهبات المالية الى البنوك والشركات الكبرى ومايسمى بــ "خطة إنقاذ القطاع المالي" وبالطرف المقابل سياسة التقشف ضد الطبقة العاملة وتحميلها الازمة الراسمالية العالمية. كسر الاضرابات بالقوة بواسطة القوة الماجورة، التي تحافظ على الملكية الخاصة البرجوازية، الشرطة وقوى الامن والجيش.

جيم: المؤسسة التشريعية " البرلمان": ان البرلمانات الاوروبية وهي الأكثر ديمقراطية في العالم. مؤسسة للتشريع، وهذه وظيفتها حسب مصالح الرسمالية والطبقة البرجوازية الحاكمة، وبالتحديد حسب مصالح كبريات الشركات العالمية والأوروبية. هي ليست "مؤسسة نواب الشعب" بل فعلا ممثلون للطبقة البرجوازية باطيافها المختلفة الحاكمة والمعارضة.. ولكن متفقون ومشتركون حول مصلحة الرأسمال. إنظروا الى تشريع قوانينهم وخطط إنقاذهم لصالح البنوك الكبرى في امريكا وفرنسا والمانيا وبريطانيا وروسيا واليابان والصين في سنة 2009... من دافعي الضرائب ومن خزينة دولتهم الطبقية، اي من جيب العمال، وانظروا سنة 2010 الى قوانينهم وتأييدهم لأفقار العمال من خلال سياسة التقشف في اوروبا ورفع السن التقاعدي ورفع اسعار المواد الاساسية للمعيشة، والتقليل من النفقات العامة " ترشيق الدولة" من خلال فصل العمال بالجملة وطردهم من عملهم وتجميد الاجور...

الدرس الثاني: توضيح الرؤية السياسية

على رغم الاضرابات والاحتجاجات والتظاهرات الكبيرة والمليونية في اوروبا، وعلى رغم مقدرة العمال وقوتهم الكامنة في التواصل وعدم تسليم انفسهم للبربرية البرجوازية وسياساتها وممارساتها. الا ان هذه الحركات فاقدة للرؤية السياسية الواضحة "بديل طبقي عمالي،" بناء الدولة الاشتراكية على انقاض الراسمالية، وضعيفة من ناحية اتحادها وتنظيمها وخصوصا العلاقة بين قادة الحركات الاحتجاجية، تلك التي قادت الاضرابات والحركات خلال السنة الماضية... ان ضعف التحزب الشيوعي، ضعف ماركس في صفوف الجزء الطليعي من هذه الحركة هي ضعف اكبر لهذه الحركات الاحتجاجية جميعاً...أن الوعي الطبقي بصورة عامة ضعيف جداً ...

الدرس الثالث: فصل طريق النضال عن البرجوازية

ان المعركة الطبقية بين البرجوازية بدولتها وحكوماتها واحزابها واعلامها ومؤسساتها التشريعية والقضائية ومفكريها ومثقفيها والطبقة العاملة مستمرة ومتواصلة... انها معركة ليست فقط في سبيل الظفر بالسلطة السياسية، بل هي معركة دفاعية في سبيل الدفاع عن مستوى المعيشة للطبقة العاملة في اوروبا الغربية، معركة لدرء خطر الافقار والتجويع، معركة في سبيل تحسين الامور المعاشية والنضالية... يستوجب على القادة العماليين أن يفكروا في اطار فكري وسياسي اخر اطار فكري وسياسي لماركس و شيوعيته، يفصلوا طريقهم النضالي بوعي طبقي تام من خلال فصل نضالهم وحركاتهم عن كافة الحركات البرجوازية واحزابها الحاكمة والمعارضة.. يشكلون حركتهم السياسية الطبقية الخاصة بهم، ويصوبوا سهامهم ورماحهم الى رحم الدولة الراسمالية وحكوماتها وبرلماناتها، كوحدة طبقية متكاملة ، كمؤسسة منظمة للطبقة البرجوازية المسيطرة على الطبقة العاملة و في سبيل إعادة توليد هذه السيطرة ...

الدرس الرابع...الديمقراطية، التيار المعاكس للحرية.

ان طريق الحرية لا يمر عبر الديمقراطية، اذا كانت الديمقراطية في القرن العشرين لها مدلولات ومعاني خاصة وتلوح ببعض الحقوق المدنية والسياسية. ومن جانب اخر تمكنت البرجوازية من احلال الديمقراطية محل الحرية اوجعلتها مقترنة بها، لكن الديمقراطية ومنذ سقوط جدار بريلن منذ سقوط الامبراطورية البرجوازية الروسية، اصبحت فارغة من اي حقوق لصالح اكثرية الجماهير وبالتحديد لصالح الطبقة العاملة... اصبحت الديمقرطية في مهدها، امريكا واوروبا، تعني بالنسبة للأكثرية القصوى من مواطنيها الفقر والمجاعة وتشريد العمال من بيوتهم، تعني تدخل قوات الشرطة والضرب بالعصى الغليظة لقمع الحركات العمالية واضراباتها في اليونان وفرنسا وبريطانيا...، تعني تجميد الاجور ورفع السن التقاعدي، وفي بلدن اخرى مثل العراق وافغانستان ولبنان والسودان ... تعني تقسيم الانسان على اساس الطائفة والقوم والقتل على الهوية... ان نقد الديمقراطية كحركة وسياسة ونموذج للحكم وفكر ونهج لممارسة السلطة، وكأرقى بديل للبرجوازية على الصعيد العالمي من وجه النظر هذه، اي وجه نظر شيوعية ماركس، من وجه نظر الحرية والمساواة الكاملة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحقوقيا.. يشكل مهمة فورية للقادة العماليين ومفكري الطبقة العاملة في اوروبا والعالم اجمع... حول هذا الفقرة ارجو قراءة "إعادة قراءة لـ"الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع" لمنصور حكمت" ... سامان كريم 2008)الموجود على هذا العنوان http://www.wpiraq.net .