يوميات مغارة الموت: جمع الفتوى


عذري مازغ
2011 / 1 / 7 - 15:07     

كان الشيء الجديد الذي تعلمه العمال في هذه الفترة، هو الحضور المكثف في الإجتماعات النقابية في المقرات وهو شكل لم يكن سائدا قبل ذلك، بل كان السائد هو عقد مثل هذه الإجتماعات في أوقات متقطعة امام المناجم، وكان الحضور إلى المقر النقابي يحصل فقط في حالة ما إذا اراد العمال تغيير المكتب، أما هذه المرة، ولحساسية الوضع امام إقناع العمال بسياسية المكتب كان دائما في حاجة لكسب الكثير من الوقت،لا اعتماد الوقت المتقطع في فترات العمل، بل سنحتاج إلى اجتماعات ماراطونية تعقد أيام الآحاد خصوصا اننا مقبلون على تخوفات بدأت نواقيسها تدق يوما بعد يوم، فمؤشرات الأرقام الإقتصادية لا تبشر بخير خصوصا فيما يتعلق بالإنتاج، أما الشوق الدولية فكانت مفشراتها تعبر عن ارتفاع ملحوظ في أسعار المعادن، إضافة إلى أنها طلاسم معقدة على فهم العمال وتحتاج شروحات مستفيضة إضافة إلى مشكل تأولها حسب نوع التدجين المراد صناعته، وبالطبع سيتمخض جدل يعيد التيارات المتصارعة في الساحة العمالية إلى الواجهة ولو بشكل ترقبي خصوصا بعد صدور فتوى العمل المجاني وكذلك وورود خبراء أجانب من دول غربية كان يثير أكثر من شكوك، خصوصا أحد الخبراء من الولايات المتحدة،وكان مثيرا للجدل داخل الأوساط العمالية،فقد كان متواضعا على نقيض أطر الشركة المغاربة أضف إلى انه كان محترفا للعمل المنجمي، بمعنى أنه هيأته الجسدية تظهر أنه صلب، فسواعده كسواعد العمال وبالقوة التي تظهر أنه كادح إضافة إلى أنه كان في بعض الأحيان يأخذ أدوات العمل ويشرف بنفسه في حفر ثقوب التفجير، وكان إلى حد ما محرجا لأطر الشركة نفسهم، وأذكر أنه أمر أحدهم باستعمال الحفار ولم يستطع، إذ بدا متذبذبا بشكل سقط الحفار(أستعمل كلمة الحفار لجهاز الثقوبPerforateur باللغة الفرنسية) من بين يديه وكاد أن يتسبب في حادثة شغل، حيث أحرجه أمام العمال بالسؤال: كيف أنت مهندس منجمي ولا تعرف حتى كيف تستعمل أدوات الإنتاج في المنجم؟. وكانت كل الأوراش التي يزورها تعرف حركة غير عادية من العمل أسفرت إحداها كما أشرت سابقا إلى حادثة المختار، دام تواجد هذا الخبير فترة تجاوزت ثلاثة أشهر، وكان تقريره قد أثار زوبعة وسط أطر الشركة، بينما لم يصلنا نحن العمال إلا ما أشاعه بعض الأطر من وجود وظائف بالشركة غير ضرورية إضافة إلى الرسالة المشفرة التي جاء بها الكاتب العام وألقاها أمام العمال ليتبلور الجدل حوله في اجتماع عام عقد بقاعة السينما المحلية لتعذر استعاب الحجم الكبير للعمال، كان هذا في أواخر سنة 92 ، كانت كلمة الكاتب تحمل إلى العمال رسالة من الشركة تتضمن نتائج تقرير ذلك الخبير وتتلخص في مقترح الشركة لتفادي الأزمة وهو يتلخص في حلين أحلاهما مر كما يقال: خفض عدد العمال إلى النصف أو تخفيض الأجور إلى النصف وهو ما أثار احتجاج العمال وصب لعنهم على صائد الضفادع الذي كان يبدو خلال مهمته متواضعا ومتفتحا مع العمال، أقصد الخبير الأمريكي، في هذا اللقاء بدا الكاتب ميالا إلى تحفيز العمال على التفكير لحل متوافق عليه وهو تمهيد أولي لاقتراحه العمل مجانا أيام العطلة وكذا التنازل عن بعض المكاسب الإجتماعية التي راكمها العمال مع التزام الشركة بإعادتها متى حلت أزمتها وهو مااعتبرناه نحن التيار الماركسي حينها تنازلا مجانيا استند على إغفال الكثير من المعطيات، منها أزمة التدبير نتيجة التناقضات في ما بين المساهمين في الشركة مع التركيز على تناقضات أخرى تهم عملية الإنتاج إضافة إلى المعدات التكنولوجية التي اقتنتها الشركة مما أغرقها في ديون ليست في حاجة إليها مع التركيز أيضا على أزمة انخفاض المنتوج بسبب عمليات الحفر غير المنتجة وهي عمليا كانت نتاج صراع بين المدير العام للشركة التابع لمؤسسة تويسنت والمدير العام المحلي والتابع لمكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية التي تملك نسبة... من أسهم الشركة، سيكون لي في هذا اللقاء أول احتكاك بالكاتب العام، وهو شخص تجمعني به علاقة عمومة من الجد الثاني، لكن كانت تفرقنا الإيديولوجية بشساعة كبيرة، وسأسجل اطول تدخل في اللقاء جمدت فيه القاعة بكل حجمها العمالي، سأنتقد فتواه بكل ما أوتيت من جرأة وساتطرق لتقرير الخبير الذي أهملت بعض نقطه التي ربما ستكون في صالحنا، منها مثلا وجود موظفين أشباح بالشركة، واكثر من ثلاثين عساسا وبوابا في الشركة بعضهم يعمل في منازل الأطر كما سأتطرق إلى الأوراش غير المنتجة بالمناجم،وسأفتح بهذا النقد مجالا لسلسة من الإنتقادات في حق الكاتب الورع انشق فيها العمال بين مؤيد للفتوى وهم أقلية ومعارض ومتنكر وصامت . سنخرج من اللقاء بصيغة توفيقية بتأكيد الكاتب العمل الطوعي لمن أراد من العمال دون فرضه عليهم، لكن سيلعب على خيوط أخرى معقدة من حيث التركيز على التكتلات القبلية باللجوء إلى تطعيم المكتب بعناصر لها وزنها العشائري ، سيفجر في وجهي ، أمام عشيرتي تهمة الإلحاذ مما سيعرض علاقاتي مع أفرادها إلى نوع من المقاطعة خصوصا من طرف الكبار..بينما سنركز نحن على فئة الشباب وهم الأكثرية بين فئات العمال وسنستثمر عملنا الذي كان يسمح لنا بالدخول إلى جميع الأوراش في المنجم من خلال متابعة صياناة أدوات الإنتاج( الجرافات الميكروسكوبية أو السكوب كما يسميها العمال) فهي متواجد في أغلب الأوراش وكانت تسمح لنا باللقاءات مع أغلب العمال، ستكون علاقتي بالعمال أثناءها أكثر تماسكا، وسأستمع لوجهات نظر ونصائح من العمال كانت أغلبها حول اللغة النقابية، أي استعمال لغة سلسة في الإجتماعات مفهومة من طرف عامة الناس ولما لا استعمال الأمازيغية كون أغلبهم من الأمازيغ..وأذكر أن أحد أطر الشركة كان متضايقا من نشاطنا حيث سيستغل لقاء جمعنا بالمصعد ليخبرنا بتذمره هذا كما أشار ببقائنا داخل المنجم لأننا نشجع العمال على الصعود قبل وقت انتهاء العمل حاول صديقي وزميلي في العمل شرح طبيعة عملنا كوننا نضطر لاستعمال قطع الغيار التي نأتي بها من ورشة الميكانيك غير المتوفرة داخل المنجم بالإضافة إلى اننا نقوم بأعمال أخرى هناك، لم يقتنع هذا المسؤول بكلام زميلي فوجه لي سؤالا يلمح فيه إلى تأييد قوله لأرد عليه بسؤال آخر عما يمنعه هو كمسؤول من تتبع التسلسل الإداري وطرح المشكل هناك في مجلس الإدارة عوض أن يوجع رأسينا نحن كعمال، أشرت أننا لسنا تحت إشرافه ليأمرنا بالبقاء داخل المنجم أو خارجه، ويتعين عليه احترام تسلسل الوظائف داخل الشركة، مما رفع من نبرة رده بالقول: انتما أولاد لقرايا فيكم بزاف ديال الفهمات ( أنتم يأبناء الدراسة يكثر فيكم دائما التنابز بالفهم) قالها بنوع من النرفزة اضطر معها زميلي أن يوقف المصعد عند النفق ثلاثة، وهو نفق انتهت الأشغال فيه منذ أكثر من عشر سنوات،تساءل المسؤول عن هذا التوقف الذي لا معنى له ليجيبه صديقي بأنه يريد أن يعلمه بعض الأخلاق التي يتحتم على مسؤول مثله أن يأخذ بها في تعامله مع العمال، هدده بأنه سيرميه في البئر وسينتهي أمره الذي سيكون حتما عبرة للآخرين وحادث شغل في المنجم، أخبره أن أسرته ستتمتع بتعويض شركة التأمين لذلك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لم أكن أعرف عن صديقي هذا هذه الجرأة في التهديد، مع أني أعرف أن جو وبيئة المناجم بجبل عوام مليئة بمثل هذه التهديدات وهي لعبت دور الإنسجام فيما بين العمال مهما كانت الظروف، ولينت كثيرا سطوة المسؤولين، وأذكر الكثير منها حصلت أمامي مع ان القاعدة فيها أن ينكر أي عامل شهادته تجاه عامل آخر، وهي قاعدة غير متواجدة في مناجم أخرى عملت فيها فيما بعد طردي النهائي من مناجم جبل عوام. وربما يرجع الأمر في ذلك لحداثتها،كان المهندس يبكي ويشحب كطفل صغير يستسمح زميلي ويؤكد أنه لن يكتب تقريرا في الحادثة، وكان زميلي في الحقيقة يريد إذلاله أكثر مما كان يريد الإيقاع به في البئر بدا ذلك من إشاراته بغمز عينه لي كي أهون من اضطرابي، بينما انا التزمت الحياد والمهندس الصغير يؤكد أنه سيعكر شفتيه (إشارة إلى تجميل المرأة) إذا عاود التدخل في شؤوننا.بعد هنيهة سأضطر لإخراج زميلي من ورطته لنستأنف صعودنا.
يتبع