العمالة المهاجرة: ودور التنسيق النقابي


عذري مازغ
2010 / 7 / 2 - 21:32     

في منطقة بيرخا، إحدى المقاطعات التابعة لدائرة إلخيدوا السيئة الذكر ( إقليم ألميريا بالأندلس) تقع مزرعة فلاحية تسمى AUGRO. FRESH AGRICOLA.S.L تدخل ضمن ما يسمى هنا بالمنطقة، بالزراعات المكثفة، تقع على مساحة خمسين هكتار، وتشغل أكثر من مئتين عامل أغلبهم من المهاجرين المغاربة متفرقين إلى مجموعات، مجموعة تتوفر على الإقامة الدائمة بالديار الإسبانية ويبلغ عددهم تقريبا 50 عامل والمجموعة الثانية تتكومن من حوالي 150 عامل جاؤوا من المغرب وفق التعاقد الموسمي الذي مدته تسعة أشهر، هذه المجموعة هي بدورها منقسمة في مجموعات بحسب تاريخ التحاقها بالمزرعة فهناك مجموعة العشرين التي انتهت عقدة عملهم الشهر الماضي، ماي المنصرم، وجموعة الثمانين التي انتهت عقدتهم في هذا الشهر، أما المجموعة الاولى التي تتكون من العمال الذين يقيمون بشكل رسمي فعقدتهم تبقى متفتحة ويشتغلون طول السنة تقريبا، تعمل هذه المزرعة على انتاج الخضر وبعض الأعشاب الصالحة للصناعة الطبية لكنها متخصصة بشكل كبيرة في نوع خاص من زراعة نبات القرعة المخصص للأسواق البريطانية كما أن العمل بخصوص هذا النوع من الخضر يتطلب تقنية خاصة تختلف عنها في المزارع المشابهة والتي تصدر إلى الأسواق الأوربية، نوعية وخصوصية تقنية انتاجها تلعب دورا إيجابيا في ضمان عودة نفس العمال للعمل في كل موسم، لكن ظروف العيش والسكن المقترح لهؤلائي العمال قرب المزرعة، يستحيي المرء أن ينسبه إلى القرن الواحد والعشرين أو أن يتخيل بأن أوربا عصر العولمة تتوفر على مثل هذا السكن، تصوروا 150 عامل يتكدسون في ستتة غرف تحتوي على أسرة من ثلاثة طبقات بعضها على بعض ونافذة واحدة لكل غرفة ( واحدة منها بدون نافذة)، حمامات عارية، مراحيض عارية لا تتوفر فيها شروط الخصوصية الفردية، ومطبخ جماعي كهربائي من أربعة صفائح للطبخ، وثلاجة واحدة وآلة تصبين واحدة، وأغرب ما في هذا الأمر أن هذا السكن ليس مجانا بل يقتطع لكل عامل نسبة مئوية أقل مايقال عنها أنها "سرقة بالعلالي" كما نقول في لغتنا المغربية.

ولكي تنمكن من إلقاء نظرة على أجور العمال في هذه المزرعة ومعرفة هذه السرقات إليكم بعض المعلومات:

حسب قانون الأجور الفلاحية المعمول به بمنطقة الميريا (الحد الأدنى للأجور) يوم عمل من 8 ساعات تتضمن فترات الإستراحة هو 43€ وتتضمن أجر العمل ومكافأة العطلة، وحسب جدول الرواتب عند العمال فخالص الأجور المستحقة هو 37 يوروا مقتطعا منها نسبة تذهب إلى الضمان الإجتماعي إضافة إلى 69 يورو أداء أجرة الكراء، فإذا أخذنا معدل 18 عامل في الغرفة الواحدة سنحصل عاى مبلغ 1242 يورو للبيت وهو ما يكفي محليا لاكتراء أربع منازل كاملة التجهيز من سعة ثلاث أو أربع غرف .

تعود أغلب عقد الشغل لهؤلاء العمال إلى تاريخ 5 من اكتوبر 2009 ودون الدخول في تفاصيل شروط الشغل التي علموا بشأنها في المغرب وهي: سكن لائق وأجور مقبولة وتنقل وما إلى ذلك مما بحوزة المكتب الوطني لإنعاش الشغل بالمغرب، فإن أغلب العمال ينصدمون حين يجدوا أن ماتم التعاقد بشأنه لا يمثل من حقيقة الأمر الواقع شيئا، وهذا يعني أن ثمة دورا هاما على عاتق الوكلاء في هذه العمليات من التعاقد خصوصا وكالة المكتب الوطني لإنعاش الشغل المعني بإرسال عمال دون ضمانات حقيقية ودون متابعة أوضاعهم خارج المغرب، خصوصا مع تفاعل الأزمة الإقتصادية المستفحلة، هؤلائي العمال لم يتلقوا مستحقاتهم من الأجور في الشهور الأخيرة من هذا الموسم، كما أن تواجدهم في منطقة نائية عن الحواضر جعلهم يدخلون في إضرابات متقطعة دون أية تغطية نقابة مع الجهل العام للغة وغياب مفاوض حقيقي ملم بقوانين الشغل المحلية والتي هي أس التعامل بالمنطقة وليس ما يتفق عليه في المغرب، اتصال هؤلاء العمال بنا هنا في نقابة عمال المزارع جاء صدفة وفي آخر الموسم وهو مايتعذر القيام بأي عمل تجاههم، فالباطرون يتهرب من أداء أجورهم من منطلق تعذر ذلك من خلال أنه هو الآخر لم يتلقى أجوره مقابل الشحنات التسويقية لمنتوجه، والعمال في آخر الموسم حيث يقتضي الأمر نهاية أجال الإقامات التي منحت لهم يججدون أنفسهم في وضع لا يحسد عليه لاهم عادوا إلى المغرب ولا هم يتقاضون حتى ما يضمن عيشهم مما يجعل اللجوء إلى القضاء متعذرا بسبب تباطؤ المسطرة القضائية التي تتطلب حدا أدنى من الإنتظار قد يصل أربعة أشهر إضافة إلى أن اتخاذ أشكال نضالية كالإضرابات مثلا غير مجدي في هذه الحالات لنهاية الموسم .

هذا الإشكال بالإضافة إلى أشكال أخرى بمناطق متفرقة بإسبانيا يفترض تحركا نقابيا سواء من داخل المغرب حيث على النقابات أن تتحلى بدورها في تأطير العمال المقبلون على الهجرة بالتنسيق مع المرافق الحكومية المعنية بتصديرهم أو على مستوى التنسيق مع النقابات الإسبانية المستقبلة لهذه العمالة، نحن في إطار نقابة عمال المزارع ( النقابة الأندلسية للعمال) مستعدون للعب هذا الدور الهام الذي يفرضه منطق الواقع، وقد قمنا في عدة مناطق (ويلبا مثلا) بتأطير العاملات المهاجرات، إلا أن هذا العمل يبقى ناقصا من خلال انعدام المتابعة المشروطة بتبادل المعلومات حول هؤلاء العمال أو العاملات قبل مجيئهم، لا أظن مثلا أن النقابات المعنية في المغرب لا تستطيع أن تحصل على أرقام العمال المقبلين على الهجرة في إطار التعاقدات الموسمية، ولا أنها لا تستطيع أن تحصل على أسماء الجهات الإقلمية التي ستتوجه إليها هذه العمالة أو أسماء الشركات التي ستستقبلهم وهو التنسيق المثمر في تجربتنا هذه مع بعض النقابات في بلدان أخرى مثل بولونيا ورومانيا. قلت لا أظن مثلا أن وزارة التشغيل بالمغرب لا تستطيع منح النقابات المغربية أرقاما وتواريخ الهجرة والمواسم المعنية كما لا نجزم أن مثل هذا التعاون بين النقابات من الشمال أو من الجنوب غير ممكن سواء تعلق الأمر بهذه الظاهرة من توريد اليد العاملة أو التنسيق على مستويات أخرى في ما يخص الأجور اأو قوانين الشغل مثلا لأن تداخل المصالح مع أوربا معقد بالشكل الذي يمكن ممارسة ضغوط في الإتجاهين لاحترام قوانين الشغل خصوصا أن الكثير من الشركات الأوروبية تستثمر أيضا في المغرب بالشكل الذي يطرح تناقضات عامة يتضرر منها الجانبين.إضافة إلى هذا فإن وجود عمالة رخيصة بالجنوب يضر في الصميم العمالة الشمالية من حيث تحويل الإستثمارات إلى الجنوب (هجرة الرساميل) من جهة وانعكاس تجليات ذلك على المنتوجات المحلية ودور ذلك في قتل المنافسة بسبب اللاتكافؤ بين المنتجين، كما تتضرر بدورها عمالة الجنوب، فأسعار المواد الضرورية للعيش متقاربة في البلدان كلها بتفاوتات ثانوية بسب تحرير الأسواق لكن أجور العمال متفاوتة بين الشمال والجنوب بشكل صارخ وهذا يتطلب تعاونا بين مختلف الفعاليات النقابية سواء كانت في الجنوب أم في الشمال.