رحلتي الي جبل الدهب في شيبون


ايليا أرومي كوكو
2010 / 6 / 13 - 19:43     


شمارات الحكي عن الدهب في السودان في الاونة الاخيرة و روايات اساطير المغامرين الحقيقية منها و الخيالية حتماً ستسيل لعابك و تقلق مضجعك و قد تسرق النوم من عيونك .. و انت تستمع الي احدهم يحكي لك عن ملايين الجنيهات التي قبضها احد المحظوظين لا شك ستصاب بحمي بريق الدهب الاصفر .. و لعدوي و حمي داء الدهب حالات و اعراض تميز الشخص المصاب به ... و اليك بعض اعراض فيروس او جرثومة الدهب : ينتاب مريض حمي الدهب من وقت لاخر شرود وتوهان و احياناً خروج من دوائر الشبكة . تجده كثيرالحديث عن الدهب و عن اناس وهميين موجودين معشعشين في بنات خياله .. فهؤلاء كانوا شماسة و مشردين و مغلوبين علي أمرمهم لكن بقدر قادر و بفضل سفرهم الي مكان الدهب تبدلت احوالهم وصاروا اغنياء و اصحاب ملايين يشار اليهم بالبنان .. صاحبنا هذا لا يكاد يري حجراً يلمع علي قارعة الطريق حتي يسارع برفعه محدثاً نفسه عن المال و الغني و المجد ..
في وقت ما حدثني احد اصحابي بانه ينوي الذهاب الي مكان الدهب بولاية نهر النيل و فيما بعد سمعت خبراً بان نفراً من ناس الدهب توفوا بعد ان انقطعت بهم بئر الدهب لتدفنهم احياء ... خفق قلبي و خشيت ان مكروهاً اصاب صاحبي ضمن الذين ماتوا في بئر الدهب ..
في محلية ما في شمال كردفان قيل ان صبياً من رعاة الابل اوقد نارا ًلطهي طعامه .. و بعد ان تناول الصبي عشاءه الساخن من عصيدة الدخن المملح بلبن الضأن استمر الصبي في تدفئة نفسه بالنار فلاحظ ذوبان احدي حجارة اللاضية .. وفي الغد عند الصباح الباكر اخذ الصبي حجر لادايته المذاب مستفراً عنه عند احد الاقارب من الموثوقين .. اتنهي امر الصبي وقريبه في سوق الدهب بأم درمان حيث حلت عليه ليلة القدر فأسرع عائدأ الي ذويه علي ظهر سيارتة الكبيرة و هي محملة بالبضائع التي اشتراها من مال الدهب .. بعيد هذا بزمان قليل تقاطر جموع الحالمين بالدهب من كل حدب و صوب باتجاه تلك البقعة الصحراوية النائة بحثاً عن الدهب المجمر و عن المال المدفون بين الصخور .. في اتصال هاتفي تحدث معتمد تلك المحلية مع معتد محلية اخري قائلاً : خلينا ليكم كل الاموال التي تسير علي سطح من عوائد القطعان و مطاردة العربات و الجبايات .. فقد فتح الله علينا بكنوز باطن الارض من الدهب و المعادن و النفائس و من الان سيصبح كلامنا وزنه من دهب ..
عندما كنت في مأمورية عمل بادارية أرمل محلية وبنده اشارة لي المواطنين باتجاه الشرق الي جبل قريب مؤكدين وجود الدهب في الجبل .. و اثناء وجودي في مدينة النهود رأيت حراكاً غير عادي وسط سكان المدينة و عند الاستفسار علمت بظهور الدهب في الجبال الشمالية و هذا وحده كان كافي لانسياب و سريان النشاط الاقتصادي في شرايين و اوردة المدينة القديمه ..
و انا موجود في جبال النوبة اسمع كل يوم جديد عن ظهور و اكتشاف الدهب في غير مكان .. فالدهب موجود في الجبال الشرقية حول ابوجبيهه و رشاد و العباسيه و في الليري و كلوقي .. سأصدقهم يوماً ان قالوا لي بأن كل شبر من أرض السودان الطيب هو شبر من دهب ، لكن و يا للأسف السودانيين يجهلون قدر وطنهم .. و كلما وشي الوشاة عن ظهور الدهب في أي مكان هرع الناس راكضين الي هنالك بعضهم بأجهزة كشف الدهب الحديثة و الاغلبية يذهبون تسبقهم أحلامهم الكبيرة و الامانيهم السندسية ..
الدهب ... الدهب ... الدهب هو نغمة سائر الناس و حديث القعدات و موضع تفكير و تأمل الافراد .. فحمي الدهب و ان شئت انفلونزا الدهب قد اصاب و فتك بجميع بالسودانيين .. فمنذ فترة بث تلفزيون قناة الجزيرة مشاهد و صور حية من مسارح عمليات البحث و التنقيب و استخراج الدهب بولاية نهر النيل ... شاهدتهم و تبادر الي ذهني حجم التعب و العناء الشديدين الذي يواجهة رواد الدهب من العطش و الجوع و احياناً الحيات و العقارب السامة و مصاعب اخري تتمثل في غدر الرفاق .. فقصة الرجلين الذين خانا و غدار برفيقهم الثالث هنا ليست بالقصة الخالية .. فقد غدر رجلين بصاحبهما ليهربا بحصيلته المقدر باتنين الف جنيه يعني ( عشرين مليون جنيه سوداني) بحساب العامة .. ترك الرجلين صديقهم يهيم علي وجهه معلقاً بين ربيع الاحلام و خريق العمر الاتي ..
اما عن رحلتي الي جبل الدهب في شيبون فتلك قصة اخري و روايتها مغايرة و تختلف تماماً عن كل قصص الدهب التي تروي و تحكي عن في السودان هذه الايام .. و قصص الرجال الرواد او المغامرين المجهولين في دورب البحث عن المال و الغني و ربما المجد و الشهرة .. لهذه القصة بعد ثالث لذلك سأفرد لها صفحات مكتوبة و موشاة بماء دهب شيبون فور عودتي من الرحلة الي هنالك .. الي هنا اني استميحك عذراً ان تسمحوا لي يا صاحبي ببدء رحلتي الي جبل الدهب في شيبون ..انا الان في طريق رحلتي الي شيبون جبل الدهب .. الدهب .. الدهب .. ليت كل السودان يلمع دهباً و ليت نفوس كل السودانيين تفصو في نقاء الحليب لبن علي عسل بلون الدهب .. تصبحون علي دهب ..!!