نقابة الأطباء الأردنيين الى أين؟


غالب زوايدة
2010 / 5 / 19 - 02:05     


د. غالب زوايدة، عمان 19 أيار 2010
كان العرب في الجاهلية يصنعون الأصنام. وعندما لا تستجيب لتطلعاتهم ولرغباتهم كانوا يحطمونها أو يأكلونها إذا كانت مصنوعة من التمر، عندما يجوعون. ونحن في نقابة الأطباء ننتخب مجلسنا بطريقة ديمقراطية، ولكن هذا المجلس يصبح تسلطيا نفعيا، يتبادل فيه بعض المتنفذين المصالح بدون ضوابط، وتصبح النقابة عرضة لنزوات غالبية آنية متسلطة على مقدراتها، لا تخضع لنظام أو عرف نقابي أو حتى قانوني، أو أقله، لمنع تضارب المصالح.

وعلى سبيل المثال، فلا يجوز لعضو مجلس أن يوظف أحد أقاربه في النقابة، ولا يجوز لمجلس إدارة صندوق التقاعد مثلا، أن يشتري أرضا من أحد أعضائه أو أقربائه درءا للشبهات...

لقد أصبحت النقابة سلطه إقطاعية للأغلبية الحالية، أو حتى لبعض أعضائها، وهم لا يدركون ماهية الماكينة التي تدور بهم. فهم مجرد أداة صغيرة فيها، وقد يصبحون ضحية لها في المستقبل. إنها ماكينة النظام الصحي المليء بالعيوب، الذي يعرف الكثيرون من المنخرطين أو المبتعدين عن العمل النقابي، انه لا يمكن إصلاحه بدون إرادة سياسية واضحة، تضع صحة المواطن كأولوية ملحة، وتضع النظام الصحي المقلوب، على قاعدته الأساسية القوية، ألا وهي الرعاية الصحية الأولية، وعمادها الطبيب العام، وإصلاح نظام التحويل في القطاع الخاص.

الأغلبية الحالية أصبحت قادرة على" اختراق" كل الجهات سواء كانت حكوميه أو دوليه أو أحزاب معارضة أو منظمات دوليه إنسانيه أو مشبوهة. الأغلبية الحالية أصبحت تصدر المراسيم، وتحل اللجان الفرعيه المنتخبة التي لا تروق لها، كما حصل في إربد، أملا في فوز مريديها، إلا إن النتيجة جاءت لصالح القائمة الخضراء التي فازت بالكامل في انتخابات الإعادة.

وتقوم الأغلبية الراهنة بمصادرة حق الكادحين من الأطباء، الذين يغرقون في آلام ومعاناة شعبنا، وتمنعهم من تطوير عملهم، ووضعهم المادي والمعنوي، عن طريق منعهم من ممارسة إجراءات هم خبراء فيها، في الوقت الذي يتغاضون عن ممارسه ذات الإجراء لأطباء، أو حتى ممرضين أو ممارسين تقليديين آخرين.

السياسة الصحية لا تنعزل عن النظام السياسي للبلد. والفساد في السياسة الصحية هو جزء من الفساد العام. ومسؤولية نقابة الأطباء تتحدد في المساهمة في تقرير ورسم السياسة الصحية. ولا يمكن تعزيز المصداقيه في العمل النقابي، طالما الفساد قائم ضمن أجهزة النقابة، (تبادل وتضارب المصالح). اذ يوجد لغط وحديث عن شبهات حول شراء الجزء الثاني من أرض الكمشة. وقد اقترحنا أن يقوم الصندوق بدعوة الأطباء لزيارة الأراضي التي اشتريت مؤخرا، وتخصيص يوم لهذه الغاية، وتوفير المواصلات لذلك، من أجل الوقوف على الحقائق.

إنني أتساءل، لماذا يقوم مجلس النقابه بحل اللجنة الفرعية في اربد؟ وهو يعلم توازن القوى هناك، ولماذا إهدار وقت المجلس والأطباء في أمور لا طائل من ورائها، سوى محاولة تنفيذ أجندة الأغلبية الحالية، بتعطيل العمل النقابي وحرفه عن مساره؟

لماذا يقوم مجلس النقابة بمنع الطبيب العام، العامل في القطاع الخاص، من القيام بنفس الإجراءات التي يقوم بها الممرض أو الفني في القطاع العام؟

لماذا يسمح للطبيب العام بأخذ حريته في القيام بالإجراءات داخل المستشفى، إذا كان مالكا له، ولا يسمح لزميله العامل في القطاع الخاص بالقيام بنفس الإجراء؟ هل هي سلطة رأس المال؟

أخيرا. فإن طبيب الأسرة، أو الطبيب العام، هما المرجع الأول والأخير للرعاية الصحية. وهما المرجع الأول لتقرير حاجه المريض إلى استشارة أخصائي أم لا. وهما الآن المرجع الأخير الفعلي، عندما يتوه المريض بين الأخصائيين ويزور جميع الاختصاصات، عدا الطبيب الشرعي. وعندما تنفذ أمواله، يعود للطبيب العام الذي يعطف عليه ويحاول تدبيره مجانا، أو بأقل التكاليف، ويواسيه نفسيا واجتماعيا.

لذلك، يتعين وقف الإحالة الذاتية للمرضى، ووقف حالة التوهان من أخصائي لآخر، فالتحويل للأخصائي يتعين أن يتم فقط عبر الطبيب العام! وينبغي تحديد سقف عدد المرضى اليومي للطبيب، وذلك لضمان الجودة، وضمان أن يقوم الطبيب العام بالتحويل للأخصائي في الوقت المناسب، دون احتكار للحالات. وإلا فسيتحول الطب من مهنة إنسانية، إلى الجانب المتوحش من الغابة الرأسمالية.

ينبغي تنظيم التحويلات في القطاع الخاص، من خلال اتفاقيات ذات طابع مهني – تقني بين جمعيه الطبيب العام، وجمعيات الاختصاص، بالاستفادة من الخبرة المتراكمة للنظام البريطاني، القريب جدا من النظام الاشتراكي الذي وضعه الخبراء السوفييت، وتبنته منظمة الصحة العالمية والعديد من الدول المتقدمة، خاصة إبان حكم الاشتراكيين، الذي يعتمد على أولوية القطاع العام. والجدير بالذكر أن التحولات الأخيرة في الولايات المتحدة، التي نجح في إقرارها أوباما، ولم يتمكن منها كلينتون رغم محاولاته الجادة ، قد عمقت من التحولات الاجتماعية لنظام الخدمات الصحية الأمريكي،ودفعت بها باتجاه تقوية الجانب الاجتماعي.

كان العرب الجاهليون يعبدون الأصنام وعندما لاتستجيب لتطلعاتهم كانوا يحطمونها، ولكن لا يزال الكثيرون من المسؤولين وغيرهم يعبدون الخصخصه ويحاولون اقناعنا بها، وخاصة في قطاع الصحة، على الرغم من التحولات الجاريه والازمات المتلاحقه في النظام الرأسمالي. ويحاولون اختراق النقابات واضعافها لتمريرسياسه خصخصة القطاع الصحي، وغيرها من السياسات التي لاتخدم سوى فئه صغيره من المجتمع.

نعم نقابة الاطباء مستهدفه ويجب النظر والتمحيص بدقه فيما يجري.