واجب التواصل العالمي مع المنظمات والاتحادات الشعبية العراقية


جميل محسن
2009 / 8 / 21 - 10:09     

واجب التواصل العالمي مع المنظمات والاتحادات الشعبية العراقية
منذ نصف قرن مضى من الزمان واكثر , كانت المنظمات المهنية , والاتحادات العمالية والشعبية العراقية , لها دور فاعل , وكيانات مستقلة مع حرية الحركة والتصرف خدمة لاعضائها من شرائح المجتمع , بعيدا عن الانقياد والتوجيه المطلق للجهات الرسمية والحكومية .
ولكن ما الذي حل بعدها وسبب هذا الشلل التام للمجتمع المدني واتحاداته ومنظماته , لمصلحة قوى سلطوية تتمترس خلف راية الوظيفة والمنصب والمسؤولية الحكومية , لتجمع بيدها كل الاوراق , وتزيد من نفوذها على حساب الشعب وتطلعاته ومصالح فئاته العاملة يدا وفكرا , وتتحول بعدها الى الحاكم بامره
و(المدافع) الوحيد عن مصالح ورؤى ورغبات اهل الوطن في القطاعات الاهلية والخاصة , في تعاطيهم وتحاورهم , مع الجهات الخارجية من بلدان العالم , شعوبا كانوا او حكومات .
استمرت وترسخت تلك النظرة (الابوية ) الحكومية , لفئات الشعب واتحاداته ومنظماته ولعشرات السنين الماضية , لتتحول هذه القوى والتنظيمات الى مجرد هياكل شبه حكومية غالبا , يتركز همها في المطالبة والرجاء من سلطة القرار الرسمي , لتوفير الدعم , و وصيانة مصالح الفئات التي تعبر عنها , بينما تحولت حتى الاتصالات العادية مع الخارج , دون المرور بادارات الحكومة ورجالاتها , الى محرمات قد تصل تبعاتها احيانا الى مرتبة الخيانة ! , لذا قل الاهتمام الشعبي للانتماء الى هذه الاتحادات والمنظمات التي لاقدرة لها ولا رغبة على تجاوز الادارات الحكومية او محاسبتها , وضعف عدد الراغبين بالانتساب , ماعدا التشكيلات المهنية شبه الرسمية منها , امثال نقابات المعلمين او المهندسين او الاطباء , كونها المعبر للاعتراف بالشهادة وممارسة المهنة , واضمحل تأثير بل وحتى وجود الاتحادات العمالية والطلابية والفلاحية وحتى منظمات النساء , ذات الثقل الكبير سابقا , لاسباب عديدة , اهمها تحويل صفة عمال القطاعات الحكومية الى موظفين لا تمثيل نقابي لهم , وربط من تبقى من هذه الاتحادات بقيود الرقابة والتوجيه والابتزاز المادي من خلال فرض شروط على المساعدات المقدمة لها , وسن التشريعات المهيمنة والمحددة لطبيعة عملها , وهكذا امتصت الحكومات المتعاقبة ثقل لتمثيل الشعبي , وانهت بالتدريج ركائز المجتمع المدني , والتي تعني في المقام الاول تركيزا مرضيا وغير صحي لسلطات القرار , حتى على مستوى الامور البسيطة , بيد حفنة من الموظفين , تتحول مسؤولياتهم المناطة بهم والمؤقتة , الى تحكم دائم ومطلق بكل صغيرة وكبيرة , من شؤون البلد والشعب , وتسلب من المواطنين اراداتهم وقدرتهم الجمعية من خلال تنظيماتهم المدنية على تصحيح مسارات القرارات الحكومية , وتنفي المحاسبة والرقابة وهكذا يمهد الجو وتخلق الظروف الملائمة لولادة الدكتاتوريات .
- هل تغير شيئ ما بعد احداث 2003 وما تلاها , من انتخابات , وتغييرات في النخب والسلطات الحاكمة , ناهيك عما يقال عن التغير في طرائق ممارسة السلطة وسن القوانين بما يحقق الارادة الشعبية , واعادة بناء مجتمع مدني حر ديمقراطي له قدرة المحاسبة والرقابة على الاداء الحكومي , مع تواجد اتحادات ومنظمات شعبية قادرة على الحشد , واضهار القدرة على معارضة الممارسات الحكومية الخاطئة , ومحاوله تقويمها .
ربما تكون هذه امنيات اضهر الواقع الفعلي انها ابعد ماتكون علامات دالة على الطريق الصحيح لبناء حكم الشعب , الذي ينتخب بواسطة صناديق الاقتراع , سلطاته الدستورية المختلفة , حكومية كانت او نيابية او قضائية , والتي تصبح من اهم وفي مقدمة معانيها , احترام المسؤول لرغبات الشعب وقدرته على التغيير , وتبديل الحاكم , وذلك من خلال تحرك المنظمات والاتحادات والهيئات المدنية المعبرة عن ارادته .
لم نر وخلال السنوات الست الماضية , اي توجه حقيقي لاسناد وتقوية ودعم هذه الاتحادات والمنظمات , وخاصة تلك المعبرة عن الشأن الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي , وتأثير ماحدث وما يطبق من سياسات غير مدروسة ولا مبرمجة تؤثر سلبا على القطاعات الانتاجية العاملة ويحولها نحو البطالة والتشتت , وهكذا نشاهد ان كيانات لها تاريخها الطويل والمشرف , مثل الاتحادات النقابية العمالية , وممثلي القطاع الصناعي الخاص والمختلط , كاتحاد الصناعات العراقي , واتحادات ارباب العمل المنتجين , وكذا اتحادات وجمعيات الحرفيين واصحاب المهن الحرة , وجمعيات الفلاحين والمزارعين , تصبح عاجزة عن تقديم الخدمات لاعضائها , او حتى تمويل نشاطاتها , بسبب العجز المادي وضعف المساعدات والتمويل , والبطالة الدائمة والمؤقتة لاغلب اعضائها , وعدم الاهتمام الحكومي الواضح بهذه القطاعات التي تتطلب الدعم والاسناد لتعطي سلعا ومنتوجات وقوة للاقتصاد المحلي , فالسلطات المتواجدة حاليا , وبفضل تلقيها واردات هائلة من تصدير النفط الخام , بما يفيض عن حاجتها الفعلية , لم تعد في وارد الاهتمام , او دعم , او حتى عدم تخريب , القطاعات المدنية العاملة والمنتجة والقادرة على تنويع مصادر الدخل وتقوية ركائز الاقتصاد , وامتصاص البطالة الفعلية والمقنعة وتحويلها من الخدمات الزائفة الى الانتاج السلعي , وتقليل الاستيراد لعشوائي وتبذير الدخل الوطني .
انتبهت العديد من الدول والمنظمات والهيئات العالمية , الى خطأ وعقم وتدهور السياسات الاقتصادية الحالية في العراق , لذا تحاول منظمات وهيئات الامم المتحدة المختلفة , اضافة لما قيل عن مساهمات البنك الدولي وصندوق النقد , وكذلك دول تحاول اعادة ارتباطها بالسوق والاقتصاد العراقي , مثل المانيا الاتحادية واليابان وفرنسا وغيرها من البلدان المتقدمة , والمقدرة لقيمة فعل القطاعات الاقتصادية الانتاجية الخاصة في العراق , نقول ان هذه الدول والمنظمات , ارتأت وساهمت في تقديم المعونات والدعم وما زالت تحاول الاتصال , لايصال هذا الدعم الفني والتقني والتدريبي , لاحياء وانهاض القطاع الوطني الخاص والمنتج في العراق , واعادة الروح والقوة لاتحاداته ومنظماته , التي تجمع الافراد حسب المهن والاختصاصات لتكون الفائدة مشتركة للجميع وتنتفي المنافسة العشوائية , لمصلحة تقدير جدوى الاستمرار في العمل الناجح , ولكن مسعى تلك الهيئات والمنظمات والبلدان الاجنبية يصطدم وللاسف , بالادارات الحكومية ذات الذهنية القديمة في التحكم , وعقلية الانتفاع من مساهمات ومساعدات النهوض بواقع القطاع الخاص , وتحويل الامر الى مجرد اوامر وتشريعات بيروقراطية ولجان وسفرات وامتيازات على حساب المستفيد الاصلي , اصحاب مشاريع الانتاج في العراق والعاملين ضمن قطاعاتهم , ولنحاول وبجردة حساب بسيطة , التساؤل عما وصل فعلا للمواطن المنتج , وخلال السنوات الست الماضية , التي توالت فيها المؤتمرات المساندة , والمليارات المقدمة كمعونات سواء صدقت الاقاويل والبرامج الداعمة , رغم ان حصيلتها كما يبدو النزر اليسير الذي لايقاس , بما تم صرفه على موظفي الادارات الحكومية التي تتولى المباحثات وتقدير حاجة مشاريع الاعمار والبناء والانتاج .
المشكلة كما تتوضح هي في عدم قدرة الجهاز الوظيفي الاداري العراقي , في انكار ذاته والتحول الى وسيط نزيه , بين المؤسسات الاجنبية حكومية كانت او اهلية , والقطاعات المحلية المنتجة والعطشى والمحتاجة لمثل هذا الدعم , وخاصة في مجالات التدريب المهني والفني , وتحديث المكائن والمعدات , وما دعاني لكتابة هذا المقال , هو رؤية مفصلة لاحداث مؤتمر عقد في عمان للفترة من 4- 8 تموز 2009 , اقامتة مؤسسة (GTZ) , الوكالة الالمانية للتعاون الفني , وهي مؤسسة حكومية المانية , مهتمة بعودة التعاون والمشاركة الاقتصادية العراقية الالمانية , ليس فقط من خلال تصدير السلع المصنعة , ولكن من خلال التعاون التدريبي والتقني وتقديم الدعم للمشاريع الانتاجية والصناعية العراقية المتوسطة والصغيرة , لان نهوضها اي هذه المشاريع سيتبعه حاجة ملحة للتكنولوجيا والمعدات والخبرة الالمانية , وقد انعقد المؤتمر بحضور ممثلين عن الوزارات المعنية العراقية , غاب العديد منهم دون اضهار الاسباب , او لارتباطاتهم الاهم كما قيل , كما حضر ممثلين عن قطاعات انتاجية عراقية خاصة ومختلطة, مثل اتحاد رجال الاعمال العراقيين , وجمعية رجال الاعمال العراقيين, واتحاد الصناعات العراقي , بينما غاب اي حضور لاتحادات العمال , او جمعيات الحرفيين العراقيين , تبع ذلك كون تعاون الجانب الالماني الرسمي هو مع , المؤسسات الحكومية العراقية , التي اضهر اغلب ممثلي وزاراتها , حذرا زائدا في التحول الى وسيط يستطيع نقل الخبرة والدعم الالماني صوب المؤسسات الانتاجية الخاصة العراقية , بحجج مختلفة تتمحور اغلبها بعدم الرغبة في التورط في التقيد ببرنامج ملزم وواضح في توصيل ذلك الدعم , ثم نقل صورة شفافة عنه الى الجانب الالماني , وما طرحته بعض الادارات هو صورة غير واقعية عن حال القطاع الخاص العراقي المنتج وعدم استطاعته حاليا استيعاب اي دعم او خبرة او الايفاء بالتزاماته ! ولكن ما البديل مقابل هذه السلبية الادارية الحكومية , غير الاتصال المباشر والتواصل مع الاتحادات والمنظمات الشعبية العراقية وكما اسلفنا سابقا ’ فهي صاحبة المصلحة الحقيقية والاقرب الى تحقيق الهدف المرجو من مثل هذا التعاون , بعيدا عن التعقيدات الحكومية , وقلق موظف من تورطة او اتهامه بالفساد ان اخطأ , او رغبة البعض في تحويل تلك الدعوات الى سفرات وامتيازات ولجان تشكل ثم تذهب مقرراتها ادراج الرياح , لتبدأ من جديد مباحثات اخرى وهكذا ! .
هي دعوة مكررة للتواصل مع الشعب من خلال منظماته واتحاداته , مادامت الادارات الحكومية عاجزة من ان تكون البديل والوسيط الناجح حاليا , ربما لاسباب سيتم تجاوزها بمرور الايام ومزيد من الاستقرار الذي ستولده وتكون احدى ركائزه قطاعات خاصة انتاجية ترفد الاقتصاد بمزيد من السلع المحلية ذات التقنية العالية المستمدة من الخبرة والمعدات المتوفرة لدول مثل المانيا الاتحادية او اليابان او فرنسا , ودعونا نتذكر جيدا مقولة , (ان الشعب مصدر السلطات ) وليس العكس , مع التقدير لاي جهد حكومي في محله .