ممارسات عدائية ضد التنظيم النقابي في العراق


مصطفى محمد غريب
2009 / 8 / 2 - 10:30     

لا أريد الدخول في تاريخ نشوء ونضال الطبقة العاملة العراقية وتنظيمها النقابي فالتاريخ واقع لا يمكن التلاعب به أو تشويهه مهما حاول البعض ممن يقفون موقفاً عدائياً من الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي الحر, وفي هذا المضمار قد كتبت الكثير كما كتب غيري أكثر مني عن هذا التاريخ النضالي الوطني والطبقي المشرف لكل القوى الوطنية العراقية ومن خلال الوقائع التاريخية فقد أثبتت الطبقة العاملة بشقيها اليدوي والفكري قدرتها على التصدي لأعتى سلطة إرهابية دموية إلا وهي سلطة البعثصدامي ولم تستطع إنهاء دورها كطبقة عندما حاولت إصدار قرار 150 الصادر من قبل ما يسمى مجلس قيادة الثورة وبتوقيع صدام حسين إلغاء التنظيم النقابي في قطاع الدولة وتسمية العمال بالموظفين ولم تكتف تلك السلطة بإصدار قوانين مجحفة وعدائية للتنظيم النقابي بل حاولت الهيمنة عليه من خلال تزوير الانتخابات وتسليط أزلامها على قيادته وقيادة الاتحاد العام مما أدى إلى قيام ممثلي الطبقة العاملة الحقيقيين بتشكيل حركتهم النقابية السرية وخوض النضال للدفاع عن حقوق العمال وتعرية الاتجاهات التي حاولت مسايرة سياسة النظام التسلطية على التنظيم النقابي وجعله طيعاً لتنفيذ قراراته بالضد من مصلحة العمال واعتبارها جزء من التنظيم العائد لحزب البعثصدامي، ذلك التدخل الفض والمستمر أدى إلى تهميش دور النقابات والاتحاد العام بدلاً من أن تلعب دوراً ايجابياً في توعية الوعي النقابي وأهميته في خلق ظروف أكثر حضارية ومسؤولية في حياة المجتمع العراقي، بعد تلك الحقبة التاريخية المظلمة بحق الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي، مثلما أشرت في المقدمة أريد اليوم التطرق إلى مواقف الحكومة العراقية منذ "عهد الجعفري" الغير طبيعية والمتزمتة مع التنظيم النقابي وبخاصة التنظيمات النقابية في قطاع الدولة وقطاع النفط والاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، فبعد سقوط النظام البعثصدامي بدأت مرحلة جديدة بمهمات جديدة وقعت على عاتق التنظيم النقابي ومن أبرزها إعادة الحياة الطبيعية للعمل النقابي الحر وتخليصها من آثار الماضي السلبي ثم التوجه للتخليص البلاد من الاحتلال والجيوش الأجنبية، ولقد قام العمال وبشكل حثيث لإعادة الحياة للحركة النقابية وتخليصها من تبعيتها السابقة فشكلوا نقاباتهم الخاصة بهم في قطاع الدولة وقطاع النفط الذي حرم بموجب القرار القرقوشي المذكور أعلاه وأعيد الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق إلى وضعه الطبيعي واخذ يمارس عمله النقابي منطلقاً من هدف مصلحة الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي وبدأ العمال يُحضرون لانتخاباتهم وقسماً من النقابات قامت بذلك وانتُخب فيها ممثلين عن العمال بدون التمييز بين الانتماءات القومية والدينية والفكرية والعرقية وبعدما بدأت الدورة الحياتية الطبيعية للعمل النقابي فوجئنا بقرارات ومواقف لا تفسر إلا بأنها بالضد من التنظيم النقابي ومحاولات لتحجيم دوره وقد شُهد أو ما شُهد أن الحكومة العراقية الثانية بقيادة الجعفري وبدلاً من تقف إلى جانب الاتحادات ومنظمات المجتمع المدني أصدرت الأمر الديواني المرقم (8750 ) بتاريخ 8/8/2005 هذا الأمر الذي وضع اليد على أرصدة الاتحادات النقابية والمهنية والذي يعد تطاولاً غير مشروع من جانب الحكومة العراقية على التنظيم النقابي والمهني ومحاولة لتحجيم دوره والضغط عليه ولا تعرف مسبباته لحد هذه اللحظة على الرغم من المطالبات والمذكرات والاحتجاجات التي رافقت إصدار القرار أو التصرفات والضغوط التي مورست في العديد من المناطق والمحافظات ضد التنظيم النقابي بما فيها تلك التحرشات التي قام بها وزير النفط ضد النقابة مدعياً بان العمل النقابي في مؤسسات الدولة غير شرعي معتمداً على قرار مجلس قيادة الثورة المقبور 150 الصادر في 1987 أما سعي الاتحاد العام لنقابات العمال ووفق نظامه الداخلي المرقم 52 والصادر في 1987 التحضير للانتخابات والإعلان عن موعدها فقد تدخلت الدولة وطالبت بتأجيلها وكان المزمع عقدها في 1/3/2009 هذا التدخل وغيره من الممارسات غير المشروعة نشم منها روح العداء للتنظيم النقابي وان قيل غير ذلك، وإلا لماذا هذه التدخلات والممارسات والضغوط بدون تقديم أي إيضاح أو تفسير مقنع ؟ ولماذا هذه المواقف التي تهدف إلى عرقلة مسيرة الحركة النقابية ومواصلتها الجهود للدفاع عن مصالح العمال؟ ولماذا لا تبادر الحكومة بإلغاء قرار 150 المجحف بحق الطبقة العاملة في قطاع الدولة وهو قرار مدان ليس من قبل الحركة النقابية العراقية فحسب بل من الحركة النقابية العربية وفي مقدمتها الاتحاد الدولي للعمال العرب والحركة النقابية العالمية بما فيها لجان الحريات النقابية والديمقراطية في منظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية؟
إن تأجيل انتخابات الاتحاد العام لا يخدم مطلقاً توجهات الحركة النقابية في أداء دورها الطبيعي في ترسيخ الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والمساهمة الفعالة في تثبيت مواقعها المشروعة بصورة شرعية ووفق إرادة العمال أنفسهم مع العلم أن الانتخابات النقابية ترسخ وحدة مبادئ الديمقراطية النقابية وتحقيق أهدافها من اجل البناء والتقدم والمساهمة الجادة في بناء الدولة المدنية والمجتمع المدني، وتدخل الدولة في شؤون الحركة النقابية وممارسة الضغوط عليها بحجج واهية وغير منطقية لا يخدم التوجه العام لبناء البلاد وتطورها اللاحق وتحقيق الاستقلال الوطني التام، ويعني أنها ممارسة تتناقض وتصريحات البعض من المسؤولين بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للحركة النقابية وضرورة الاستقلالية واحترام إرادة العمال في انتخاب ممثليهم الحقيقيين وما صدر عن مجلس الوزراء توجيهات واضحة في شأن العمل النقابي والانتخابات النقابية، إننا ننتظر من الحكومة الاستماع لصوت العقل واحترام إرادة العمال وضمان حقوقهم النقابية والديمقراطية والاهتمام بهم ووضع الخطط والمشاريع من اجل التخفيف عن كاهلهم المضغوط بارتفاع الأسعار الجنوني وتوفير فرص عمل لهم ورفع اجورهم المتدنية بالقياس مع العاملين في المؤسسات والدوائر الحكومية ورفع رواتب المتقاعدين منهم التي هي ضئيلة جداً بالقياس لرواتب المتقاعدين الآخرين في قطاع الدولة، ننتظر من الحكومة أن تقوم بدراسة حالة الطبقة العاملة العراقية وما عانته من ظروف قاسية وبطالة وتشريد وسن قوانين جديدة للضمان الاجتماعي وقانون عمل حضاري يتمشى مع التطورات في العالم ويخدم مصالح الطبقة العاملة العراقية.