قضية للمناقشة في عيد العمال


فريدة النقاش
2004 / 5 / 7 - 06:41     

احتفلت الطبقة العاملة والكادحون عامة في كل أنحاء العالم بيوم أول مايو عيد العمال تحية لذكري هؤلاء العمال والعاملات الذين تظاهروا في مدينة «شيكاغو» الأمريكية عام 1890 مطالبين بزيادة أجورهم وتخفيض ساعات العمل، إذ كانوا يعملون في ظل شروط أقرب للعبودية. وحينها أطلقت الشرطة الأمريكية النار علي العمال فسقط منهم ستة شهداء، وجري اعتقال المئات الذين قدموا للمحاكمة التي قضت بإعدام ثمانية متظاهرين. وفي العام نفسه قرر المؤتمر التأسيسي للأحزاب العمالية والشيوعية اعتبار الأول من مايو عيداً للعمال يحتفل به العالم أجمع، فتخرج المظاهرات وترتفع الرايات في غالبية عواصم العالم وبلدانه.

وينضم للعمال في هذه الاحتفالات الحاشدة ملايين العاملين بأجر الذين جري العدوان علي حقوقهم في ظل سياسات الليبرالية الجديدة التي قامت علي تحويل الملكية العامة للملكية الخاصة وانسحاب الدولة من ميدان الخدمات، وتخفيض عملة البلدان وتوسيع قاعدة الفقر وعبادة السوق، لتتسع بما لا يقاس قاعدة المضاربين من الرأسمالية وأصحاب المصلحة الأكيدة في تجاوزها إلي نظام جديد يعلي من شأن الإنسان ويؤمن له الكرامة والعدالة والحرية وعنوانه العريض هو «الاشتراكية».. التي هي الديمقراطية الحقة في العمق، خاصة أن الثروة التي تنتجها البشرية الآن تكفي حياة سعيدة وآمنة للجميع.

وفي مصر احتفل مواطنون بينهم عمال بهذا العيد العالمي صباح السبت الماضي «تحت هراوات الأمن المركزي.. وإرهاب لواءات الشرطة المصرية، وقيادات أمن الدولة.. وترسانة جيش السلطة المسلح والمستعد دائماً لقمع الشعب»، كما يقول البيان الذي أصدره المشاركون في التجمع الاحتفالي بأعياد أول مايو في ميدان التحرير بالقاهرة.

ويضيف البيان: «رغم أننا كنا نحلم باحتفال سلمي لعيدنا ككل عمال العالم نحمل فيه الرايات ونوزع الحلوي والورود ومعنا أسرنا وأطفالنا لكنهم لا يعرفون إلا المصادرة والدماء».

إن ما أصاب القيادات العمالية وقيادات العمل الوطني والقوي السياسية الثورية في ميدان التحرير من بطش الأمن هو الاحتفال الحقيقي لعمال مصر الشرفاء بعيدهم، وكشف المستور عن سلطة ترتجف من أية مطالب اجتماعية للقوي الشعبية، في نفس الوقت الذي تحمي هذه السلطة فيه رجال أعمال ينهبون ثروات الوطن ويهربون بها للخارج، ونقابات عمالية رسمية متواطئة.. واتحاد عام لا شرعية لوجودهم، وقد صدرت ضدهم أحكام قضائية نهائية تؤكد عدم مشروعية تمثيلهم للعمال.

وإنني أدعو المثقفين عامة والذين شاركوا علي نحو خاص في «مؤتمر قضايا الإصلاح العربي الرؤية والتنفيذ»، وأصدروا وثيقة الإسكندرية، ورفض بعضهم مقترحات مثقفين آخرين من المشاركين للتأكيد علي مسئولية الاستبداد المحلي عما آل إليه حالنا ـ أدعوهم أن يقرأوا هذا البيان بتمعن خاصة أن بينهم من هم مرتبطون وثيقاً بالسياسات الحكومية، وأنهم في نفس الوقت يدافعون عن الديمقراطية الحقيقية ودعم حقوق الإنسان وفق المواثيق الدولية.. وضمان المعاملة الإنسانية في تعامل سلطات الدولة مع مواطنيها، ويطالبون بضرورة إلغاء القوانين الاستثنائية وقوانين الطوارئ والمحاكم الاستثنائية، واحترام حقوق وحريات الفكر والتنظيم والتعبير عن الرأي للجميع.

إن إدانة قاطعة من قبل المثقفين والساسة الموقعين علي وثيقة الإسكندرية لما حدث للمتظاهرين احتفالاً بعيد العمال سوف تكون دليلاً علي مصداقية دعاواهم حول الإصلاح السياسي المطلوب الذي تضمنته الوثيقة.

ذلك أن المتظاهرين في أول مايو قد وضعوا شعاراتهم موضع التطبيق وهم يمثلون ستا وعشرين منظمة وشخصية عامة من نواب وكتاب كما أنهم ضمنياً يمثلون ملايين العمال والكادحين الذين جري العدوان علي حقوقهم.

ويؤكدون حرصهم وإصرارهم علي مواصلة مسيرة الكفاح مع كل القوي الشعبية والوطنية والديمقراطية من أجل إلغاء حالة الطوارئ، ومن أجل انتزاع حق التظاهر والاجتماع والإضراب، وأشكال الاحتجاج الديمقراطية كافة، وحق التنظيم المستقل للطبقة العاملة لتحقيق مصالحها وتحرير وطنها من الاستغلال والاستبداد والتبعية.

كما أنه قد آن الأوان أن يبادر العمال أنفسهم لانتزاع حقوقهم في التنظيم والتعبير باعتبارهم قلب القلب للحركة الشعبية الديمقراطية التي تجاوزت الآن حالة المطالبة بالحقوق وأخذت تدريجياً تعمل علي انتزاعها من براثن سلطات أدمنت التسلط والاستبداد، الذي هو مؤسس الهزائم والنكسات وتدهور الأحوال، والذي بلغ ذري غير مسبوقة فقد انهارت الطبقة الوسطي أو كادت.. ومن الطبيعي وسط هذا البؤس والحسرة أن نجد عمال مصر شاحبي الوجوه، عليلي الأبدان شاردي الأذهان، فإذا كان هذا مصيرهم فأي إنتاج يقدمون، وبأي عيد يحتفلون، وبأي وجه تلتقي الحكومة مع العمال؟ كما يقول الزميل «سيد عبدالعاطي» في تقديمه للملف الموجع الذي قدمته جريدة «الوفد» عن أوضاع العمال في مصر بمناسبة عيدهم، وسجلت فيه الحصاد المأساوي لكل من الخصخصة والمعاش المبكر وقانون العمل الموحد الجديد الذي هو «سكين بارد لذبح العمال»، وانتصار لرأس المال ضد العمل وإطلاق ليد أصحاب الأعمال للتحكم في مصير العمال.

إنها إذن شروط عبودية جديدة تواجهها الطبقة العاملة بوعي جديد سوف يفعل فعله حتماً فقد شهد عام 2003 خمسة وأربعين احتجاجاً عمالياً في القطاع الخاص وخمسة عشر احتجاجاً بين عمال القطاع العام.. والبقية تأتي.