الطريق لتحرير النقابات المهنية


إلهامي الميرغني
2009 / 3 / 31 - 09:45     

تتصاعد الحركات الاحتجاجية في أوساط العمال والفلاحين والموظفين في ظل غياب كامل للنقابات العمالية والمهنية بحيث جاءت غالبية التحركات والاحتجاجات التي تمت علي مدي السنوات الخمس الماضية من خارج الأطر النقابية. وبقيت المشكلة التي تواجه الطبقة العاملة المصرية هي حركة عمالية تنمو وتنضج بدون تنظيم ، ونقابات مكبلة بالقوانين الحكومية ومحاصرة ومعطلة.
لذلك وقبل الدخول في التفاصيل أفضل عرض خلاصة الفكرة التي أتبناها واطرحها من خلال هذا المقال وهي إنني مع حرية تشكيل النقابات بدون أي تدخل من السلطات الحكومية بالتالي مع التعددية النقابية ومع وجود نقابات حقيقية تعبر عن مصالح اعضائها وسلطتها العليا لجمعيتها العمومية.ولا فرق بين نقابة عمالية ونقابة مهنية الكل نقابة والتفرقة من صنع أنظمة الاستبداد وليس بفعل تطور الوعي العمالي.
النقابات المهنية وسياسة خلط الأوراق
بذلت الحركة العمالية جهود طويلة علي طريق انتزاع الشرعية النقابية حيث تأسست نقابة المحاميين كأقدم النقابات المهنية في مصر عام 1912 ثم نقابة الصحفيين عام 1941 واستمر إنشاء النقابات المهنية بقوانين حتى تأسيس نقابة محفظي القرآن الكريم عام 1983 ونقابة مستخلصي الجمارك عام 1994 .
شهدت الحركات الاحتجاجية خلال الشهور الأخيرة جهود لإضافة نقابات مهنية جديدة أولها نقابة المأذونين الشرعيين وثانيها نقابة الإعلاميين عقب إضراب مخرجي ومذيعي التليفزيون الحكومي.وإذا كانت الدولة لم تنزعج كثيراً لأمر المأذونين فقد بادر أنس الفقي وزير الإعلام بتشكيل لجنة لوضع أسس بناء النقابة الجديدة لتضاف إلي صفوف النقابات الحكومية التي تبنيها أجهزة الأمن وتحكم قبضتها عليها.
وهنا أود توضيح عدد من الحقائق منها:
1 ـ النقابة المهنية بدعة استبدادية لاعلاقة لها بالمصالح وهي نتاج أنظمة استبدادية متعاقبة والأساس هو النقابة بغض النظر عن عمل أعضائها.نقابة تدافع عن أجور أعلي وشروط عمل أفضل.
2 ـ يوجد خلط متعمد بين تنظيم ممارسة بعض المهن وبين النقابة بما يغرق الجميع ويحول النقابة وكأنها جهة حكومية تمنح التصاريح وتمنعها.بينما المتعارف عليه في العالم كله أن تنظيم المهنة يتم من خلال الجمعيات المهنية التي تضع أسس ومعايير ممارسة المهنة بينما النقابة هي تجمع طوعي للدفاع عن المصالح المشتركة للأعضاء.
3 ـ يخلط البنيان النقابي المهني القائم بين كل العاملين في المهنة حمدي السيد وحاتم الجبلي مثلهم مثل عمر عبد اللطيف طبيب الوحدة الصحة في ادفو أو مريم إبراهيم طبيبة الوحدة الصحية في الفيوم ، أستاذ الجامعة وصاحب المستشفي الخاص وصاحب العيادة مع الطبيب الذي يعمل بأجر في الحكومة أو في مستوصف أهلي . هل توجد مصالح مشتركة بين هؤلاء الأشخاص؟!!
4 ـ غياب البنيان النقابي ووحدة المصالح المشتركة فالكل عضو في النقابة وعندما دخلت شعبة إدارة الأعمال في نقابة التجاريين وجدت أنني مطالب بمعرفة 400 ألف عضو أو أكثر في الشعبة لأن انتخابي يتم منهم جميعاً.هل هذا تصور منطقي أن يعرفني أعضاء الشعبة في أسوان والوادي الجديد ومطروح؟
5 ـ رغم إنني اعمل في جهة حكومية بها أكثر من 1500 عضو نقابة لا يوجد شئ اسمه لجنة نقابية لأننا نقابة مهنية فأنا عضو في نقابة القاهرة التي تضم أكثر من 750 ألف عضو وعضو في شعبة تضم 400 ألف عضو وإذا أردت الترشيح علي معرفة كل أعضاء الجمعية العمومية . هل يوجد غير أجهزة الأمن تمتلك تلك القدرات الخرافية؟ونفس الوضع ينطبق علي كل النقابات المهنية خاصة المهندسين لأنها أيضا منظمة علي أساس الشعب.
ألا يكون من الاجدي أن يكون الطبيب عضو في نقابة المستشفي والمهندس عضو في نقابة المصنع . أليس من الاجدي أن تطبق نفس قواعد تنظيم النقابات العمالية وهي كل موقع يضم 50 ينتمون لنفس المهنة من حقهم تشكيل لجنة نقابية ؟! ألن يكون ذلك دافعا لحركة مشتركة حول مطالب متفق عليها وموقع محدد ؟ أم نتحدث عن حركة كونية لا يقدر عليها سوي الله عز وجل!!!!
رغم كل ذلك لم تقتنع الحكومة بمحدودية نشاط النقابات المهنية وأصابها الفزع بعد سيطرة الأخوان المسلمين علي العديد من النقابات المهنية فأصدرت القانون رقم 100 لسنة 1993 والذي جمد العمل في غالبية النقابات المهنية باستثناءات قليلة حيث اشترط حضور 50% من أعضاء الجمعية العمومية لإجراء الانتخابات . ولا نعرف أين يوجد مكان يمكن أن يستوعب نصف مليون شخص ولن أقول 2 مليون شخص كما هو الحال في بعض النقابات . أين المكان الذي يتسع لهذا العدد وهل يمكن إجراء انتخابات . ألن يكون ذلك هو يوم الحشر العظيم الذي يفر فيه المرء من أخيه وأمه وبنيه !!!
واستمرت النقابات معطلة ومجمدة منذ عام 1993 وحني الآن بعض النقابات تحاول بين فترة وأخري أن ترفع أصوات عدة مئات في نقابات تجاوز أعضائها مئات الآلاف.ولم تطرح أي قوي معارضة شرعية أو غير شرعية مخرج من هذه الأزمة وجلسنا مثل فلاحين فيلم شئ من الخوف ننتظر فؤادة تفتح لنا القنطرة لتنساب المياه للأرض التي جفت. أو للتعطف علينا حكومة الفساد والاستبداد وتغير القانون 100 بقانون ديمقراطي؟!!!!!!!!!
أليست هذه نكته ؟!الم نسمع المثل الشعبي الذي يقول " الحداية ماتحدفش كتاكيت " لأنها تأكلهم . هل ننتظر تعديل القانون من سلطة متفقين جميعا علي تبعيتها وفسادها واستبدادها!!!. هل توجد قوي سياسية لديها طرح لهذه المعضلة ؟!! لقد أصبحت قضية الأجور والأسعار تضغط علي كل فئات الشعب التي تخرج للاحتجاج بلا نقابة أو حزب . ماذا نطرح كبديل؟!
كيف نبدأ تحرير النقابات
اعتقد انه توجد عدة خطوات علينا أن نشرع فوراً في القيام بها لتحرير النقابات المهنية منها:
ـ فصل تنظيم ممارسة المهنة عن الدفاع عن مصالح ممارسي المهنة.تنظيم المهنة في الحكومة والجمعيات العلمية ام النقابة فهي للدفاع عن المصالح المباشرة مع التفرقة بين العاملين بأجر وأصحاب العمل فليست لنا مصالح مشتركة بل مصالح متعارضة.
ـ إحياء الفكرة النقابية لدي الجموع العريضة وأهمية التجمع والعمل المشترك من اجل إصلاح الأجور وتحسين شروط العمل والرقابة علي أداء الحكومة.
ـ العمل المحلي القاعدي خطوة أولي ورئيسية علي طريق البناء من خلال تجمع أطباء مستشفي شبين الكوم يوم في الأسبوع في النقابة أو نادي لمناقشة أوضاع المستشفي وماذا علينا أن نفعل لتحسين أوضاعنا، نفس الوضع في معلمين ومعلمات مدرسة الباجور الاعدادية ونكلا الثانوية ، ومهندسي مصنع الحديد والصلب ، والمحاسبين في شركة الدخان وهكذا يمكن ان نبدأ.
سيخرج علينا البعض بأن هذا تفتيت للعمل وهذه اقتصادية وتدني لوعي الحركة ولكننا مع هذه الأشكال البدائية لأنها أشكال طبقية ستنمو وتتطور وتكتسب خبراتها وتتبادل خبراتها لتصير حركة كبيرة ولكن بتطوير وعي الجموع وليس بحركات النخب ووقفات السلالم القاهرية.سيبحث أصحاب المصالح عن بعضهم فيتصل أطباء شبين مع أطباء بركة السبع وطنطا وسيتم التنسيق حول مطالب مشتركة وبذلك تتحول الحركة إلي واقع فعلي .أنه عمل بطئ ولكن قانون التراكم يفعل فعله.
بعد ذلك يمكن لأصحاب المصلحة أن يكونوا نقاباتهم بالشكل الذي يتفقوا عليه وفقاً لمبادئ الحرية النقابية المتعارف عليها وهي :( )
1 ـ الحق دون أي تفرقة أو تمييز في تكوين تنظيماتهم النقابية.
2 ـ الحق في الانضمام إلى التنظيمات النقابية التي يختارونها.
3 ـ حق المنظمات النقابية في ممارسة أنشطتها، دون إذن مسبق.
• حقها في وضع نظمها الأساسية ولوائحها الداخلية دون تدخل.
• أن يكون لها الشخصية الاعتبارية منذ تكوينها ودون الحاجة إلى إجراء.
• اختيار قياداتها وممثليها دون تدخل خارجي.
• تكوين الاتحادات فيما بينها، والانضمام إلى منظمات نقابية دولية بحرية.
• الحماية من الحل أو وقف النشاط عن الطريق الإداري. وعدم جوازها تحت أي شرط.
4 ـ حرية النقابة المطلقة في وضع خطة نشاطها وتحديد برامجها، وتسيير شئونها المالية والإدارية.
5 ـ الحق في المفاوضة الجماعية، وعقد الاتفاقات والتقاضي والتملك باسمهم وتمثيلهم أمام كل الجهات.
6 ـ حق المنظمات النقابية في استخدام كافة الوسائل لتعزيز وحماية مصالح أعضائها الاقتصادية والاجتماعية (مثل عقد الاجتماعات الاحتجاجية، تقديم العرائض، التباطؤ في العمل، اللجوء إلى الإضراب).
7- حق المنظمات النقابية وممثليها في حرية الحركة، والاجتماع، تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والمظاهرات، تنظيم وحضور الاجتماعات النقابية الدولية، حرية الرأي والتعبير وإصدار المطبوعات، حماية المقار والممتلكات النقابية.
هذه هي مبادي الحريات النقابية التي تدعمها عشرات المعاهدات والمواثيق الدولية والتي تدعم موقفنا . هل نبدأ الحركة الآن أم ننتظر عطف سامي وتغيير القانون 100 ؟! أم ننتظر حركة كبري تطالب بتغيير رئيس الدولة وهي غير قادرة علي تغيير رئيس النقابة ؟!
الآن الآن وليس غداً.