المعلمون بين الاقتصاد و التعليم


إلهامى الميرغنى
2009 / 3 / 1 - 09:55     

لقد تشرفت بدعوة الزملاء للمشاركة في أعمال مؤتمر “الحقوق المهنية للمعلمين” والتعقيب علي ورقة الزميل الأستاذ أشرف حفني " المعلمون بين سياسات الأجور وسياسات التعليم " ولعلها مناسبة لي لتحية كل القائمين علي تنظيم المؤتمر كفرصة للتفاعل بين المعلمين والقوي المجتمع المصري من خارج حقل التعليم.
ربما يكون الزميل أشرف قد ركز علي بعد هام في القضية الاقتصادية في مصر وهو قضية الأجور ولكنه وضعها في موقعها وسط توجهات الرأسمالية المصرية للخصخصة وتسليع التعليم وتخفيض المخصص للإنفاق الحكومي علي التعليم وإطلاق يد القطاع الخاص في التعليم وغياب المخصص للبحث العلمي وارتفاع البطالة بين المتعلمين. كل ذلك يدفعنا للبحث في القضية الكلية التي نناقش من خلالها سياسات التعليم وهي :
ـ دور مؤسسات التمويل الدولية في تمويل مشروعات خصخصة التعليم وتغيير المناهج.
ـ الخصخصة وزيادة دور القطاع الخاص في التعليم.
ـ تخفيض الإنفاق الحكومي علي الخدمات خاصة التعليم و الصحة.
ـ تخفيض المخصص للبحث العلمي والبحوث.
ـ الانفصال التام بين كليات التربية ومركز البحوث التربوية وبين تطوير التعليم والمدارس والمناهج الدراسية.
ـ غياب تام لتنمية قدرات ومهارات المعلمين.
ـ ارتفاع حدة البطالة بعد تخلي الدولة عن تعيين الخريجين وعجز القطاع الخاص عن توفير فرص عمل تكفي لاستيعاب الداخلين الجدد للسوق.
ـ انهيار الأجور الحقيقية لكل فئات المجتمع ومنهم المعلمين.
هذا هو المناخ العام الذي تتحرك خلاله السياسية التعليمية وما نشهده من تدهور كامل وغياب للعدالة أفرز مناخ عام سلبي يؤثر علي أي رؤية حقيقية للتنمية في مصر.وهنا لي بعض الملاحظات حول مناخ التعليم وتأثيره الثقافي منها:
• الازدواجية التاريخية بين التعليم العام والتعليم الأزهري.
• الازدواجية بين التعليم العام والتعليم الأهلي والتعليم الخاص.
• المدارس الأجنبية التي تقدم تعليم أمريكي وانجليزي وفرنسي وألماني وكندي وغيره من الأنظمة العاملة في مصر.
• تدهور المناهج الدراسية وعدم مواكبتها لروح العصر وغياب قيم العلم.
• انخفاض أعداد الملتحقين بالأقسام العلمية لصالح الأقسام الأدبية وتأثير ذلك علي مستقبل التنمية في مصر.
• الاعتماد علي الحفظ والتلقين وغياب روح الابتكار والإبداع.
• غياب الحوار داخل الفصل بين المعلم والتلميذ وبين المعلمين والطلاب وبين المدرسة والمجتمع وغياب أي مشاركة حقيقية للطلاب وأسرهم في صياغة العملية التعليمية.
• انتشار حالات تعسف المدرسين والمدارس مع بعض الطلاب نتيجة رأي في موضوع تعبير وانعكاس ذلك علي مستقبل الديمقراطية في مصر.
• زيادة العنف داخل المدارس وأثر ذلك علي المجتمع.
• زيادة الاعتماد علي الدروس الخصوصية والكتب الخارجية.
• انتشار الغش وتسريب الامتحانات واللجان الخاصة في الامتحانات العامة وانهيار قيم الجد والاجتهاد.
• انهيار نظرة المجتمع الأخلاقية للمعلم من أحمد شوقي وقم للمُعلم إلي صورة المعلم في الدراما والإعلام الآن.
• تخلف طرق تقييم المعلمين والطلاب واستمرار أساليب التقييم القديمة التي تخل بالعدالة ولا تشجع التطوير والإبداع.
• مشاكل التقييم ومعايير الالتحاق بالجامعات في ظل طوفان الجامعات الخاصة والاتجاه لإلغاء مكتب التنسيق وانهيار عدالة دخول الجامعات.
لكل هذا نعاني مشكلة حقيقية في العملية التعليمية لها أكثر من محور منها:
ـ المدرسة كمكان لتلقي العلم له احترام وقدسية ( الآن طلاب الثانوي العام لا يذهبون للمدارس للتفرغ للدروس الخصوصية) وتآكل الأنشطة والرياضة والثقافة والموسيقي والمكتبات مما حول المدرسة لمكان كئيب لن تجدي معه أي معايير للجودة والاعتماد.
ـ المناهج الدراسية متخلفة وأصبحت أداة لبث قيم التخلف والتعصب بين الأطفال والشباب.
ـ المعلم كضلع في المثلث التعليمي فقد هيبته مع تيار الدروس الخصوصية وانهار أجره مع توحش التضخم وأصبح مضطر للبحث عن عمل آخر لاستكمال ضرورة معيشته ومعيشة أسرته.وعدم الاهتمام بالإداريين والعمال وأجورهم ضمن الحديث عن إصلاح منظومة الأجور وحصرها في إطار المعلمين رغم تكامل الأدوار.
أن إصلاح أجور المعلمين والكادر لن تجدي وحدها في إصلاح حال المعلمين وإصلاح العملية التعليمية التي وصلت لمرحلة خطيرة من التدهور وتحتاج لإصلاح جذري شامل بعيداً عن مسكنات الكادر واختبارات الكادر.إصلاح يشمل كل جوانب العملية التعليمية وسياسات التعليم وفي القلب منها المعلمين حملة رسالة التعليم وأداة التوصيل بين سياسات التعليم والطلاب وبدون ذلك لا نفكر في حديث عن مخرجات عصرية من تعليم متخلف.
هل يسمح لي الزملاء بأن اختلف مع مفهوم شائع في أدبياتنا خلال الأعوام الأخيرة حين نتحدث عن الأجور ونطالب برفعها لنصل لحد الفقر وكأن حد الفقر هدف يكفينا!!! بل أعتقد إننا نسعي لحصول كل العاملين بأجر ومن بينهم المعلمين والإداريين والعمال في حقل التعليم علي أجور عادلة تكفي احتياجاتهم واحتياجات أسرهم ولا تضطرهم للبحث عن عمل آخر أو درس خصوصي لتغطية العجز بين الأجر والاحتياجات الفعلية.
لذلك فإن الحق في الصحة هو جزء من أجر المعلم ووجود مرافق وخدمات في متناول الجميع ( مساكن مناسبة ، ومياه شرب نقية ، وكهرباء واتصالات ، ووسائل نقل لائقة ) كلها مكملات ضرورية للحياة .لأن هدفنا هو الحياة اللائقة وليس حد الفقر.واعتقد أن هذه تفرقة ضرورية ينبغي أن نضعها في اعتبارنا ونحن ندافع عن حقوقنا.
أليس من حق المعلم والعامل في المدرسة أن يحصل علي خدمة صحية مناسبة داخل وحدة بالمدرسة ، أليس من حق المعلم أن يجد وسيلة مواصلات أدمية تنقله من منزله لمدرسته،أليس من حق المعلم أن يجد احتياجاته من السلع والخدمات بشكل متوفر أم يقضي نصف يومه في طوابير الخبز والطعام.لذلك فإن وقف مسيرة الخصخصة والتزام الدولة بدورها في توفير السلع والخدمات الضرورية جزء مكمل رئيسي لقضية الأجور.
تحرير النقابة أم بناء نقابة موازية؟
أثارت قضية الكادر الوضع الحالي لنقابة المعلمين الأمر الذي دفع للحديث عن بناء نقابات موازية أو نقابات مستقلة وتعددية نقابية.
المشكلة أن الحديث عن تطوير ممارسة مهنة التعليم يقتضي دور أكبر من النقابة باعتبارها صاحبة الحق الأصيل في إعطاء الترخيص وليس الأكاديمية أو غيرها من الأشكال المستحدثة التي تسلب النقابة حقها في ظل غياب الوعي النقابي.
أعتقد أننا نتحدث عن عدة قضايا في وقت واحد منها:
• أهمية استعادة روح العمل الجماعي للمعلمين للدفاع عن حقوقهم وإبراز واستعادة النماذج المشرقة من تاريخ المعلمين في مصر .لأن سيادة واستمرار قيم الفردية لن يخدم قضيتنا، كما أن إغفال الحديث عن أجور باقي المشاركين في تقديم الخدمة التعليمية يعزلنا عن محيطنا الداعم لنا.
• لقد مرت النقابة بعقود تحولت خلالها إلي إدارة من إدارات وزارة التعليم وليس قلعة للدفاع عن مهنة التعليم وتنظيم ممارستها، والدفاع عن حقوق المعلمين في أجور أعلي وشروط عمل أفضل كما هو حال النقابات في كل مكان.
• مهم استعادة الفكرة النقابية بين المعلمين قبل الحديث عن تحرير النقابة القائمة أو بناء نقابات بديلة.مهم التفاف المعلمين حول برنامج شامل لإصلاح التعليم وفي القلب منه قضية الأجور.
• مهم الدعاية لفكرة الحرية النقابية كحق تقره المواثيق الدولية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتقره منظمة العمل الدولية وهو أن النقابة هي سيدة قرارها. والجمعية العمومية التي تضم جموع المعلمين هي السلطة العليا فوق أي قانون أو تشريع للنقابة. ذلك هو جوهر الحرية النقابية الذي يجب أن ندعو له.
• يجب أن نضم صفوفنا ونتكاتف معاً حول نقاط واضحة بدلاً من التسرع في الحديث عن تعددية لم تنضج الظروف لقيامها بعد . أنا مع التعددية النقابية منذ مطلع الثمانينات ولي أكثر من كتابة في هذا الموضوع ولكن لذلك شروط مرتبطة بالوعي الخاص بالمعلمين.إنها ليست قضية لافته نرفعها أو مقر نؤجره ولكنها قضية أعمق واشمل من كل ذلك إنها قضية معايير الحرية النقابية المتعارف عليها.وكيف نحشد المعلمين ونطور الوعي بأهمية النقابة قبل أي حديث عن تحرير النقابة الحالية أو بناء نقابات جديدة.لأن هذا الحال أو ذاك يحتاج لجهود ألاف المعلمين وليس لبضع عشرات أو بضع مئات منعزلين هنا أو هناك. نوفر المقومات أولاً ثم نتفق علي ما نريده.
• كيف يمكن أن نضع برنامج للتنسيق بين كل الحركات والمنظمات التي تعمل في مجال التعليم والدفاع عن حقوق المعلمين طالما هدفنا بناء حركة اجتماعية فاعلة وليس مجرد رفع لافته أو اصطناع زعامة ، وطالما أن هدفنا جميعاً هو إصلاح حال المعلم والتعليم.
• إن الحرية النقابية وتطوير وتنمية الوعي الجماعي للمعلمين والبحث عن المشتركات في حركتنا هو الخطوة الأولي علي طريق بناء حركة اجتماعية قوية تستطيع تحقيق مكاسب حقيقية للمعلمين وتكون إضافة حقيقية للمجتمع المصري.
مرة أخري أشكر كل الجهود المخلصة لإنجاح هذا المؤتمر ، واشكر الصديق العزيز الأستاذ أشرف الحفني علي هذا الجهد الهام .ويسعدني أن أكون معكم دائماً لأن إصلاح أحوال المعلمين ونقابة المعلمين ليس همكم وحدكم بل هم المصريين جميعاً.
شكرا جزيلاً لكم.