عشية الذكرى السادسة للاحتلال هل الإضراب العمالي الواسع عالميا ممكن وواقعي ؟


فلاح علوان
2009 / 2 / 12 - 09:27     

واجهت البشرية المتمدنة في العالم مشروع الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق قبل إعلان الحرب وبدء العمليات العسكرية. لقد سار 60 مليون إنسان في مسيرة هي الأكبر في التاريخ، للتعبير عن رفض الحرب والاحتلال. لم تتوقف التجمعات والمسيرات طوال أكثر من خمس سنوات على الحرب والاحتلال، وبخاصة تلك التي تنطلق مع الذكرى السنوية لإعلان الحرب.
والحال إن رفض الإنسانية للحرب والاحتلال قائم ومستمر، وهو يعبر عن نفسه في أكثر من مناسبة.
نحن لا نعتبر الاتفاقية الأمنية التي جرى توقيعها، والإعلان عن الانسحاب المزعوم للقوات الأمريكية، هو نهاية للاحتلال. فالاتفاقية الأمنية والانسحاب من المدن، هي في أكثر من جانب إعفاء للقوات الأمريكية من العديد من المهام وتكليف الجيش المحلي بها، وكذلك قيام الأخير بحماية السلطات التي تنفذ المشروع الأمريكي. إن البعد الاقتصادي والسياسي والإستراتيجي للاحتلال، لم ينته أبدا بالاتفاقية الأمنية، إنها توفير الأجواء الملائمة للمضي به إلى أهدافه المرسومة.
أواسط عام 2005 طرحنا، مع عدد من الناشطين العماليين المناهضين للاحتلال، وخاصة الأمريكان والفرنسيين ، فكرة أن يصار إلى التعبئة باتجاه إضراب عمالي في أمريكا وبريطانيا واليابان ، وسائر المراكز الرأسمالية الكبرى ذات الثقل في السوق العالمي، باختصار في قلب العالم الرأسمالي، وفي وقت واحد، وتحديدا بالتزامن من يوم إعلان الحرب والغزو، أي أن يتم إنذار الرأسمال بان العمال قادرون على شله إذا اتحدوا، وقد عرضنا المسالة على أساس إنها ستقود إلى:
• تقوية المقاومة العمالية والمدنية في العراق باعتبار أنها جزء من حركة عالمية رافضة للاحتلال، وتقوية فرصة تحولها إلى قطب أساسي في الصراع الراهن في العراق
• تعطيل أقسام حيوية من أسواق العالم الرأسمالي بواسطة ضغط العمال
• تقوية التضامن العمالي على الصعيد العالمي وجبهة التحرر، وبأبعاد أممية غير مسبوقة
• إحياء تقاليد الأممية العمالية على الصعيد العالمي، من خلال مواجهة قضية عملية مطروحة على الصعيد العالمي، وبالتالي إحياء الطروحات الاشتراكية كبديل للعالم المعاصر ، عبر مواجهة الرأسمالية في جبهة واقعية
• فرض التراجع على القوى والتيارات الرجعية في العراق من قومية وإسلامية وطائفية، والتي تقوت في ظل الاحتلال الأمريكي وفرضت نفسها على العديد من المناطق، تحت ذريعة المقاومة، وفرضت التراجع على الحريات العامة والحريات السياسية للمجتمع
• أن يكون لقطب اليسار والاشتراكية عالميا، مشروعه في مواجهة مشروع العولمة الرأسمالية والغزو والفتوحات، في قضية تمثل مركز ثقل الصراع السياسي والعسكري الرأسمالي، هي قضية غزو واحتلال العراق
أعلن بعض الرفاق من مناهضي الحرب والاحتلال في الغرب، إن الموضوع طموح جدا وابعد من توقعات العديد من الناشطين والسياسيين؛ نعم انه طموح وصعب التحقيق أيضا، ولكن هل هو طوباوي؟ هل إن عناصر انجازه غير واقعية أو غير موجودة؟
لقد برزت المسالة على النحو التالي؛ هل إن غياب مرجع أممي للعمال يقف وراء عدم القدرة على التعبئة على الصعيد العالمي في مواجهة القضايا الأممية؟ أم إن عدم ارتباط اليسار والحركة الاشتراكية بالعمال والحركة العمالية على الصعيد العالمي، أي عزلتها وهامشيتها، هي التي تقف وراء ضعف التنظيم وعدم القدرة على طرح المسالة بشكلها العملي الواقعي كسبيل حل بيد الجماهير؟
لقد كان للطبقة العاملة على الصعيد العالمي إستراتيجيتها إزاء الحرب العالمية الأولى؛ ومعلوم إن الأوضاع اليوم ليست أوضاع بداية القرن الماضي ؛ ولكن حتى في اشد مراحل الركود السياسي وسيادة الرجعية فان لدى الاشتراكية العمالية طروحاتها، رغم التوازن القائم للقوى السياسية والذي هو ليس في صالح الاشتراكية وقوى اليسار حاليا. والحال هل إن تكتيكا عماليا في مواجهة الحرب والاحتلال أمر مطروح من قبل الحركة العمالية اليوم؟ ولم لم تتشكل هيأة عمالية عالمية موحدة لحد الآن لتنظيم جهود الحركات الاعتراضية بوجه الحرب والاحتلال وعسكرة العالم؟، ووسط الاختلافات الأيديولوجية والعقائدية، هل ستنتظر الحركة العمالية اليوم الذي يبرز فيه تيار أو طرح "نقي" نظريا "ناضج" سياسيا "نموذجي" "قوي" واسع، يتم خلقه خارج حركة التاريخ وفي المكاتب ومقرات الأحزاب لكي تلتف حوله كقوى مشتتة!! إن هذا اليوم لن يأتي. إن جوهر الأمر يكمن في تطوير سياسة عمالية في خضم متطلبات الحياة الراهنة والإجابة على المسائل الملحة. سيكون على الحركة العمالية التي تمتلك ميراثا امميا وتاريخا نضاليا عريضا وعميقا، أن تختبر حنكتها وقدرتها السياسية في التصدي للمسائل الملحة عالميا وطرح تاكتيك يضعها في مصاف قطب صاحب بديل للبشرية في مواجهة الرأسمالية، في مشاريعها السياسية.
لقد وفرت الأزمة العالمية وفشل النيوليبرالية كفلسفة للرأسمالية المعاصرة، وعسكرة الاقتصاد العالمي من خلال الحروب والحملات العسكرية، وفرت إمكانية واقعية لخوض نضال سياسي يومي ضد الرأسمالية.
إن مشروع تنظيم إضراب عمالي عالمي في مواجهة الاحتلال، قد دشنه عمال الموانئ في الساحل الغربي للولايات المتحدة العام الماضي، وان إمكانية توسيعه بأبعاد عالمية هي مسالة مرهونة بالإعداد والتحضير والتعبئة على الصعيد العالمي.