خواطر عن التاريخ المجيد للحركة الطلابية


رضي السماك
2008 / 5 / 23 - 10:28     

إذا كانت الولايات المتحدة قد عرفت في تاريخ المجتمع الدولي الديمقراطي المعاصر بأنها الدولة الديمقراطية التي تمكنت فيها السلطة الرابعة (الصحافة) من انزال رئيس اقوى دولة في العالم من علياء صولجان عرشه (الرئيس نيكسون في فضيحة ووترجيت)، فلعل فرنسا هي الدولة الديمقراطية الغربية التي تمكنت فيها الحركة الطلابية من ازاحة واحد من أكثر رؤساء دول العالم الديمقراطي قوة وكارزمية ألا هو الرئيس شارل ديجول الذي اضطر للاستقالة في سياق التداعيات والملابسات السياسية لتلك الانتفاضة.
ففي هذا الشهر تمر ذكرى مرور 40 عاما على اندلاع واحدة من اعظم الانتفاضات الطلابية ألا هي الانتفاضة الطلابية الفرنسية خلال عام 1968، والتي تزامنت تقريبا مع اندلاع الانتفاضة الطلابية المصرية احتجاجا على الاحكام المخففة التي صدرت ضد ضباط سلاح الطيران لأدائهم المخزي في حرب .1967 ومع أن المظاهرات والاعتصامات الطلابية المصرية هذه اشتهرت باحتجاجها الصارخ على احكام الطيران، إلا انها رفعت جملة من الشعارات والمطالب الاخرى المتعلقة بادخال اصلاحات سياسية وديمقراطية لدرء الفساد وغياب الشفافية والديمقراطية والتي كانت جميعها من المسببات الرئيسة التي أفضت إلى نكسة يونيو 1967.
والحال ان الحركة الطلابية المصرية هي واحدة من اعرق واقوى الحركات الطلابية العربية ان لم تكن اقواها في الحياة السياسية من أجل التغيير والاصلاح السياسي وذلك منذ تأسيس جامعة القاهرة في عشرينيات القرن الماضي. وكان لها دور مهم في مكافحة الاستعمار البريطاني والنضال ضد فساد وتواطؤ النظام السابق معه كما برز دورها النضالي في السبعينيات، وعلى وجه الخصوص خلال السنوات الأولى من تولي انور السادات رئاسة مصر، من أجل الاصلاح والديمقراطية جنبا الى جنب للمطالبة بعدم مماطلة نظام السادات في شن حرب على الاحتلال الاسرائيلي لتحرير واسترداد شبه جزيرة سيناء.
وفي تقديري الشخصي لم يكن يضاهي الحركة الطلابية المصرية خلال هذه الفترة التاريخية في التأثير والقوة على مسرح الحياة السياسية من الحركات الطلابية العربية سوى الحركة الطلابية البحرينية، وعلى الأخص بعد تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج بدمشق فبراير عام 1972 وحتى أواخر الثمانينيات. وخلال الاسابيع والايام القليلة الماضية جال بخاطري هذا الدور الوطني الكبير الذي لعبته الحركة الطلابية البحرينية في الحركة السياسية البحرينية في عدة مناسبات: المناسبة الأولى: لدى تهيئي للإدلاء بوجهة نظري في برنامج لتلفزيون البحرين خلال ابريل الماضي عن الحركة الطلابية ابان الاتحاد الطلابي السابق.
وكنت قد أدليت بشهادتي مبينا الأخطاء التي وقع فيها الاتحاد كمنظمة طلابية يفترض بأنها مهتمة بالدرجة الأولى بالدفاع عن حقوق ومصالح أعضائها، وليس مجرد الانغماس في السياسة فقط، كما بينت في نفس الوقت الايجابيات والمكتسبات العظيمة التي حققها هذا الاتحاد. ولكن للأسف فوجئت بعدئذ باجتزاء شهادتي هذه لتقتصر اعادة بث تسجيلها على الجزء المتعلق بالاخطاء التي وقع فيها الاتحاد.
علما بأنني ممتنع شخصيا عن المشاركة في البرامج السياسية التلفزيونية وإلقاء المحاضرات السياسية منذ نحو 4 سنوات، لولا شعوري بالحرج الشديد هذه المرة مع الصديق المخرج راشد الجودر بالنظر لتكرر اعتذاري له عن المشاركة مرات عديدة سابقة وتكرار وعدي له بالمشاركة في المرات القادمة، فضلا عن تأكيد الأخت المتصلة بي أن البرنامج سيسجل في المكان الذي ارغب فيه ولن يستغرق أكثر من خمس دقائق ولن يبتر منه شيء!
المناسبة الثانية: كانت على اثر ما نشر في صحافتنا المحلية عن اخلاء سكن الطالبات البحرينيات في القاهرة لخطورة المبنى وتعرضه للتشققات والتصدع، حيث جالت بخاطري ومخيلتي وانا أتابع الأخبار الأخيرة المتعلقة بهذا السكن في الصحافة المعارك التي خاضها اتحاد الطلبة "فرع القاهرة" في أوائل سبعينيات القرن الماضي لمطالبة الحكومة بتخصيص مبنى خاص بطالبات البحرين وهو المطلب الذي تم تحقيقه عام 1974 (المبنى الحالي نفسه)، الى جانب انتزاع مكسب توفير التأمين الصحي المجاني في مصر المدعوم من الحكومة البحرينية ومكسب توفير المواصلات الخاصة بالطالبات الى جامعاتهن وهما ما تحققا ايضا في نفس العام تقريبا. ولطالما ذكّرت معارفي من الطالبات الجدد بعد أفول الاتحاد بهذه المكاسب التي يحظين بها ولم يعشن معارك المطالبة بها. ولعل فرع القاهرة، وعلى الرغم من انغماسه المفرط في العمل السياسي، هو من أكثر فروع الاتحاد في الالتفات إلى مشاكل وحقوق اعضائه الطلبة.
المناسبة الثالثة: وقد راودتني خلال الايام الماضية على اثر ما افرزته انتخابات مجلس طلبة الجامعة الأخيرة من نتائج قائمة على التحشيد الطائفي للأسف الشديد، فلأول مرة في تاريخ الحركة الطلابية البحرينية يحدث ذلك على النقيض تماما من تاريخها المجيد على امتداد نصف قرن حيث كانت الحركة الطلابية من أرقى التجمعات البحرينية في تجسيد وحدتنا الوطنية ونسيجنا الوطني، ولم تكن تعرف البتة أي شكل من أشكال التحشيدات الطائفية البغيضة. فكم في تاريخ هذه الحركة الطلابية المجيد من عبر ودروس لجيلنا الطلابي الحالي في عصر ضياع بوصلته الوطنية.