قانون النفط والغاز الجديد وموقف العمال والنقابات منه


مصطفى محمد غريب
2007 / 9 / 22 - 10:37     

منذ أن اكتشف النفط وثم استخراجه في العراق والمطامع الاستعمارية تحول دون تمتع هذا البلد بموارده وثرواته الطبيعية بشكل مستقل وفعلت المستحيل في سبيل إبقاء العراق في دائرتها الضيقة وهيمنتها المباشرة وغير المباشرة بواسطة الشركات النفطية العملاقة أو تحت أغطية وقوانين شرعت من قبل الحكومات المتعاقبة لنهب هذه الخيرات وفي مقدمتها الثروة النفطية والغازية الهائلة التي تعتبر رافداً مهما لاقتصاد البلاد وبدلاً من الاهتمام بهذه الثروة واستخدامها للبناء والتقدم ورفاهية الشعب سلكت الحكومات طرقاً مختلفة لسلبها وبعثرتها وجعلتها مكسباً ذاتياً تتصرف به وفق مشيئة الحكام الذين اغتنوا وشللهم وأصبحوا يضاهون كبار الراسمالين في العالم وقد كان نصيب قادة النظام السابق من استغلال هذه الثروة وبعثرتها واستخدامها بشكل غير صحيح اكبر وأوسع من السابقين بكثير وما كان تامين النفط 1972 إلا طريقاً للنهب والسرقة بشكل قانوني وتضخيم أرصدة المهيمنين وفي مقدمتهم صدام حسين الذي استحوذ على 5% من حصة كولبنكيان لحسابه الخاص وعائلته وحاشيته فضلاً عن استخدام الأموال الطائلة التي جاءت من هذه الثروة في تضخيم الجيش وبخاصة الحرس الجمهوري والمؤسسات الأمنية بهدف قمع الشعب وأية معارضة ممكنة وكذلك شراء الأسلحة ومحاولات لإنتاج الأسلحة المحرمة دولياً وشن الحروب وشراء الذمم ودفع الكوبونات النفطية كرشاوى للذين باعوا ضمائرهم وهم يسرقون مال الشعب العراقي..
بعد سقوط النظام واحتلال البلاد وبخاصة الفترة التي انتهت برحيل الحاكم الأمريكي
يريمر وبدأت العملية السياسية كان الطموح الوطني يتطلع إلى هذه الثروة الوطنية الهائلة ودرها المستقبلي لإعادة بناء ما خربته الحروب والحصار الاقتصادي والنهب المنظم طوال عقود عديدة ولمجرد الإعلان عن النية في تشريع قانون جديد للنفط والغاز راحت الآمال الوطنية والشعبية تتوسع بقيام قانون منصف يحفظ هذه الثورة من الأطماع الأجنبية وفي مقدمتها الشركات متعددة الجنسيات العاملة في هذا المجال ومن سرقات فاقدي الضمائر الحرامية الجدد والقدامى وفي الوقت نفسه وبشكل حذر جرى التنويه وتذكير الحكومات بعد بريمر بان هذه الثروة لا يمكن أن تخضع مرة أخرى للفردية والسرقات ونهب القوى الأجنبية وان يكون القانون الجديد حذراً في هذا المضمار وحريصاً على الثروة النفطية لاستخدامها بشكل عقلاني بالدرجة الأولى لخدمة خطط التنمية وتطوير القطاعين الزراعي والصناعي ، كون البلد زراعياً يعتمد على الزراعة منذ القدم وبسبب الإهمال والحروب والصرف غير العقلاني أهمل هذا القطاع مما أدى إلى عدم استخدام أراضي زراعية واسعة لأسباب عديدة في مقدمتها ازدياد رقعة سبخة الأراضي التي كانت تزرع ويستفيد منها عشرات الآلاف وإهمال آلاف الهكتارات وزحف الصحراء على مناطق زراعية كثيرة، والقطاع الصناعي باعتباره يساعد على دعم القطاع الأول وفتح مجلات جديدة لتطوير مناحي الاقتصاد والمجال السكني الصحي والتعليمي وحماية البيئة والعمل على نقاوتها من الشوائب التي تركتها الحروب والإهمال المتعمد فضلاً عن إيجاد فرص عمل ووظائف مما يساعد على امتصاص البطالة، كل هذه الاختيارات الوطنية أصبحت في مهب الرياح وكأنها لم تقل وليس ضرورية وأهملت فور إقرار الحكومة قانون النفط والغاز الجديد والمحاولات المحمومة لعرضه على البرلمان والموافقة عليه بصيغته المعروفة وضغوط الولايات المتحدة الأمريكية والشركات الاحتكارية من اجل تمريره وبالتالي التوجه لسرقة قوت الشعب وتحطيم آمال الملايين الذين ينتظرون تحرير هذه الثروة وطنياً لتكون ملكاً للشعب العراقي وأمام هذه المخاطر التي تحيط باستقلال القرار الوطني فضلاً عن وجود الجيوش الأجنبية فقد هدد منذ البداية رئيس الوزراء العمال ونقاباتهم باستعمال الجيش لفض إضرابهم وعدم تلبية مطالبهم المشروعة وقام بعده وزير النفط الشهرستاني وبالضغط على العمال وتنظيماتهم النقابية وأعلن عن إغلاق المكاتب النقابية وصدرت أوامر من وزارة النفط بحل الفروع النقابية العمالية باعتبارها غير مرخصة قانونياً وتوعدت الوزارة بشخص الوزير بمعاقبة كل تحرك عمالي نقابي واعتباره تمردا وكأن الوزير الشهرستاني والوزارة ينفذون قانون ( 150** ) لسنة 1987 الصادر من مجلس قيادة الثورة والموقع من قبل صدام حسين يَمنع ويحل التنظيم النقابي في القطاع العام ومنه في مجال النفط ، في هذه الأجواء المشحونة وأمام شجب واستنكار قطاعات واسعة من القوى الوطنية والشعبية التي رفضت صيغة القانون الجديد وطالبت بتعديلاته لتضمن حقوقها وحقوق المواطنين فقد تحركت المظاهرات الواسعة في المدن العراقية ومنها بغداد والبصرة والانبار وذي قار وميسان وهدد اتحاد النقابات في العراق بإعلان العصيان المدني لإلغاء قانون النفط والغاز الجديد هذا الرفض الشعبي الوسع لن يمر بسهولة إذا ما أصرت الحكومة ووزارة النفط في سياستها تجاه ثروات البلد وفي مقدمتها الثروة النفطية وإذا ما أصر الشهرستاني وغيره في إتباع سياسة بالضد من العمال وحرياتهم وتنظيمهم النقابي الذي تنص عليه المواثيق العربية والدولية وتطالب بعدم التدخل في شؤونه واحترام إرادة العمال وعدم خرق الحريات والحقوق النقابية ونُذكر الوزير بان هذه الأساليب لن تجدي نفعاً لكسر إرادة العمال وعدم تحقيق مطالبهم المشروعة فقد قامت الحكومات السابقة وخلال( 35 ) عاماً من الحكم الدكتاتوري بمحاولات لا تعد لتحطيم إرادة العمال وتزوير انتخاباتهم والهيمنة على تنظيمهم النقابي وإصدار القوانين المجحفة لتقييدهم وتهميشهم وتحديد حركتهم وبالنتيجة فان الحياة أثبتت أن كل المعادين للطبقة العاملة وحقوقها أصبحوا في مزبلة التاريخ وسيكون ذلك المكان مقراً للذين يتبعون السياسة نفسها أو حتى يفكرون بها وستنتصر إرادة العمال والشعب العراقي في إلغاء القانون الجديد أو تعديله بما يخدم مصلحة الوطن وسيكون البرلمان بشكل فردي وجماعي مسؤولاً ومحاسباً أمام الشعب والتاريخ إن مرر أو وافق على القانون تحت أية صيغة كانت وإذا ما نجح ومرر القانون فستكون العواقب وخيمة على الذين يقبعون خلف تمريره واعتقد أن البلاد التي تنزف دماً ويجري تدميرها من قبل الإرهاب والمليشيات المسلحة والطائفيين والمعادين لإرادة الشعب وكل الذين يراهنون على بقاء الجيوش الأجنبية إلى الأبد لن تتحمل المزيد من الكوارث وعندها سيكون الانفجار مدوياً يحرق الأخضر واليابس على السواء وسيكون الخاسر والمتضرر الوحيد هو الشعب.