أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم الحلي - الحصار قصة كتبها رحيم الحلي















المزيد.....

الحصار قصة كتبها رحيم الحلي


رحيم الحلي

الحوار المتمدن-العدد: 6018 - 2018 / 10 / 9 - 14:58
المحور: الادب والفن
    


الحصار قصة كتبها رحيم الحلي
ابتدأت الشمس بلم خيوطها المنكسرة وبدأ الظلام يخيم على المكان ، منذ عشرين عاماً مازال يعيش في هذا الكوخ الصغير في غوطة دمشق التي تكاثرت على اطرافها ونواحيها اشجار الزيتون والجوز والمشمش والرمان في بساتين كثيفة تنتشر في تلك الاماكن التي لم يمتد اليها العمران الذي توسع كثيراً بعد ان بدأت بلدية العاصمة في ابتزاز الناس عند محاولتهم بناء غرفة او أكثر في بيوتهم بعد توسع العائلة والمجتمع ، كانت هناك مظاهرات كثيرة في بعض المدن والبلدات تطالب بالديمقراطية والحرية ومحاربة المفسدين الذين يلقون الدعم من كبار المسؤولين في الدولة ثم بدأت المسيرات ترفع شعارات دينية لا توحي بالأمل بل قضت على الآمال المنتظرة في تغيير ديمقراطي في البلد ، قرر راضي ان يقدم استقالته في الشركة التي يعمل بها محاسباً فقد اوقفته مجموعة ملثمة من الشبان وسحبته من قميصه لتطرحه ارضاً بعد ان سحبته من الباب الامامية للسيارة التي تنقل العاملين في شركة العلب المعدنية التي يعمل فيها محاسباً منذ بضعة سنوات ، اصابه الخوف حين نظر الى الدماء التي مازالت طرية والتي كانت مثل ساقية جارية من جثة ممددة لشاب عسكري صغير ، ادرك راضي انه سيواجه نفس المصير وهو يسمع الشتائم والاتهامات والنيران التي تخرج من عيون احد الملثمين الذي حاول طرحه في الارض وتوجيه بندقيته صوب رأسه لكن امرأة عجوز تعمل في المعمل حيث تقوم ببعض اعمال التنظيف ، والتي تعرفه من سنوات عديدة صرخت بوجه المسلحين :
- لماذا تريدون قتله ؟ انه المحاسب الكبير لشركتنا وهو رجل يعيش في هذه البلاد قبل ان تلدكم امهاتكم ؟ ثم ارخى ذلك المسلح العصبي يده ليعود راضي الى مكانه في مقدمة المركبة التي تتسع لأكثر من عشرة من العمال والعاملات في قرية حوش الظواهرة حيث كان صاحب الشركة يرغب بتشغيل ابناء القرى لرخص اجورهم قياساً الى ابناء البلدة التي يتواجد فيها معمل اغلفة التنك واغلفة البلاستك والمطبعة التي بنيت حديثاً على اطراف البساتين الكثيفة عند قرية بيت سوى ومسرابا تلك القرى القديمة التي تحمل اسماءاً سريانية ، المهم لقد استعاد فرصته في الحياة وكان يسمع دقات قلبه المتسارعة والمضطربة مثل ضربات غير منتظمة لطبل لا يجيد صاحبه الضرب عليه ، ثم امر المسلحون سائق المركبة بالذهاب الى وجهته فدلفت المركبة بسرعة صوب بساتين الاشعري الكثيفة ولما ابتعدت السيارة عن تلك السيطرة بدأ راضي يستعيد انفاسه التي اوشكت ان تتوقف ، ثم التفت الى تلك السيدة العجوز الفقيرة ليشكرها فقد انقذت حياته حين تدخلت وبجرأة في اللحظة المناسبة فربما اعتقد الملثمون ان السيدة قد عرفت بعضهم والا كيف امتلكت تلك الجرأة في الرد عليهم فلقد ترددوا في قتل ذلك الغريب وقد تعهدوا على قتل اي شخص غريب يمر في سيطرتهم ، ادرك راضي ان العودة الى العمل اصبح امراً صعباً ، لكنه لابد من تدقيق دفاتر الحسابات وتسليمها الى مدير الحسابات في تلك الشركة التي يعمل بها ذلك الانسان الطيب الامين الذي كان يقوم بعمله بكل حب واخلاص ولم يكن يفرق بين الناس فهو يحب الجميع لذلك اخذ راضي يفكر ملياً بالأمر ، كيف يمكنه ترك زميله يحمل بمفرده تلك الاعباء من الاعمال الحسابية الصعبة ، كيف يمكنه ان ينسى الصداقة والاخوة والمحبة التي جمعتهما ، حين وصلت المركبة الى القرية بدا السائق يوصل كل شخص قرب بيته ، فقد بدأ الخوف يسيطر على الجميع واصبح الجميع لا يصدق انه وصل الى بيته خصوصاً في ذلك اليوم الذي جرت فيه بعض اعمال القتل بحق بعض الشبان بدعوى وقوفهم مع الدولة ، استطاع راضي ان يرفض كل وسائل الضغط والاغراء من سلطات الامن في التعاون معها وتقديم تقارير عن تحركات الناس ، حيث اجاب ذات مرة بعصبية بوجه احد عناصر الامن الذي حاول اغراءه بالأموال المرصوفة في الدرج الذي فتحه امامه ثم قام بعد ذلك بتهديده ومضايقته ثم قال بانفعال وعصبية :-
- كيف يمكنني ان اشي على جيراني الذين اقول لهم صباح الخير كل يوم ؟!
حين وصل الى بيته الريفي والذي هو بمثابه غرفتين صغيرتين بينهما حمام وتواليت صغيرين ، قالت له زوجته ان المسلحين يختفون بين الاشجار البعيدة وربما يهاجمون بيوتنا نحن الغرباء القاطنون في هذه القرية ، لقد ابتدأوا يتكلمون بلغة لئيمة يشتمون فيها الغرباء والمخالفين ، ستكون هذه الليلة حبلى بالأحداث الدامية هكذا قالت زوجته ولكنه اراد تهدئتها فقال لها لا تخافي ! ، لم يرغب ان يتحدث لها عن تلك السيطرة الملعونة التي اعترضت طريقه ، كانت زوجته قلقة بعدما حاولت احدى السيطرات التابعة للجيش الحكومي ايقافه قبل يومين وارساله الى التحقيق لكن ابوها الذي شاهده وهو يمر صدفةً واركن سيارته الصغيرة فذهب الى ضابط الحاجز الامني مستغرباً اعتقال صهره الرجل المسالم الذي يعيش في القرية منذ ثلاثين عاماً لقد كان تدخله رعاية ربانية جاءته في الوقت المناسب قبل نقله الى فروع التحقيق القاسية واللاإنسانية والتي لا يمكن ان يتحمل المعاناة داخلها دع عنك اساليب التعذيب للمحققين والجلادين الذين كانوا يتعاملون بوحشية بالغة مع المعتقلين ، بدأ الجميع في المنطقة يتعاملون مع الغرباء بارتياب وكراهية وعلى انهم يعملون للطرف الاخر . بعد ان غسل راضي يديه واقدامه واستبدل ثيابه جلس على السجادة الممدودة في ارض الغرفة متكئاً على المخدة الصوفية السميكة وهو يشعر بالخوف وينتظر بقلق لما سيجري في تلك الليلة ، فقد كان هناك عشرات المسلحين يختبئون في بعض المزارع والبيوت الريفية التي استعدت لاستقبالهم واطعامهم ، كان المسلحون يفكرون بتصفية اولئك الغرباء ونهب اموالهم وسبي نساءهم وبدأوا في اصدار فتاوي القتل وتجهيز النصوص الدينية المساندة لتنفيذ تلك الاعتداءات والهجمات المخططة ، لم يكن راضي يملك سلاحاً يمكنه استخدامه للدفاع عن بيته وعن بيت اهل زوجته المجاور ، فقوات الجيش تعتقل كل شخص مدني يمتلك سلاحاً في بيته فكيف سيكون مصيره اذا حمل سلاحاً وهو الغريب ، كانت المداهمات الامنية والعسكرية مفاجئة وكان الشخص المعتقل يذهب الى معتقلات مرعبة حيث تتعامل اجهزة الامن بقسوة ولؤم شديدين مع المعتقلين ، قالت له زوجته بعد ان قدمت له صينية الطعام :-
-- لقد قرر اهلي مغادرة البستان والسكن في احد البلدات الامنة عند ضواحي العاصمة .
لم تكن لديه شهية على الاكل ، لكن زوجته طلبت منه تناول الطعام قبل حلول الظلام ، ثم وضعت بضعة اعمدة خشبية غليظة خلف الباب كي لا يستطع المسلحون اقتحام البيت ، لم تمضِ الا بضعة دقائق حتى سمع زخة من الرصاص من عند المزرعة الغربية التي لاحظ يوم امس الاول وجود بعض الشبان الغرباء يتحركون بسرية وهم يحملون اكياساً من الخيش يضعون بعضها هنا وهناك ، ثم سمع زخة جوابية من سطح البيت المجاور ، ادرك راضي ان بعض اشقاء زوجته قد اختبأوا خلف الجدران المنخفضة في سطح البيت لكي يمنعوا الشبان المهاجمين من اقتحام بيتهم وبيت شقيقتهم ، ثم ازدادت رشقات الرصاص تشبه زخات المطر الغاضبة التي لن تتوقف ، عند حلول الظلام شعر ان ضياءاً من لهب النيران قد امتد من بعض الشجيرات التي احترقت بفعل زخات الرصاص ، فجأةً سمع صوت جيرانهم عثمان يطلب منهم مغادرة المنزل فالمسلحون يحيطون بالبيت من البساتين المجاورة ، وان الوقت ليس بصالحهم فأعداد المسلحين كبيرة ، حضر احد اشقاء زوجته وهو يطلب منهم مغادرة البيت صوب بيت الجار الطيب الذي يضحي بحياته لإنقاذ جيرانه الذي طلب منهم الدخول الى مزرعته المجاورة حيث فتح ثغرة في الجدار الفاصل بينهما تكفي للدخول ، زحف الجميع صوب المزرعة ، بدت المسافة التي لم تتجاوز الخمسين متراً طويلة للغاية في تلك اللحظات العصيبة وسط زخات الرصاص وبعد ساعة كان الجميع قد وصل زحفاً الى داخل مزرعة ذلك الجار الطيب الذي نقل الجميع بسيارته حيث قام بنقلهم على عدة دفعات حيث يتمدد الراكبين في ارض السيارة الصغيرة التي كانت تمر من قرب احدى سيطرات المسلحين .
عند الصباح شاهد المسلحين الثغرة في بستان مزرعة عثمان ولم يقتنعوا بإجابة ذلك الجار الطيب الذي ادعى انه لا علم له بأي شيء لكن احد المسلحين قال له :-
- انك انت الخائن الذي ساعد الغرباء على الهرب لقد مررت بسيارتك ليلة امس عدة مرات وفي فترات متقاربة ، ليس هناك غيرك من ساعد اولئك الغرباء على الهرب ، ثم ركله على بطنه بقوة ووجه بندقيته صوب رأسه وقال له سأقتلك ايها الخائن ثم اطلق النيران من بندقيته الاتوماتيكية ..




#رحيم_الحلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صياد الجوائز / قصة قصيرة كتابة رحيم الحلي
- الحصان
- قصة العربة
- ناظم الغزالي السفير الاول للاغنية العراقية / رحيم الحلي
- الفنان جعفر حسن .. ستون عام من العطاء
- رحيل السيد عزيز محمد السكرتير الاسبق للحزب الشيوعي العراقي
- الصبح آتٍ
- قصة قصيرة بعنوان الوتد
- اعتذار الى الشاعر الراحل غالب ليلو
- زيارة غير خائبة
- عربة الاغاني
- حطب الايام
- جبار الغزي الشاعر المتشرد
- قصة قصيرة بعنوان فارس من الكوفة
- هل ستعود البلابل الى بساتينها ؟
- المطرب ستار جبار بلبلُ في بستانٍ محترق
- الشاعرالغائب ذياب كزار ابو سرحان‏
- في الذكرى السادسة لرحيل الأديب والمناضل عبد الغني الخليلي
- كمال السيد .. ذكرى وتأريخ حياة
- يحيى قاف يقول الكلمة وما يخاف


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم الحلي - الحصار قصة كتبها رحيم الحلي