|
قصة قصيرة : سيميسدي *
حسين سليم
(Hussain Saleem)
الحوار المتمدن-العدد: 5353 - 2016 / 11 / 26 - 17:44
المحور:
الادب والفن
تداهمني في الليل ، لحظة إغفاءة ، أسرقها من الزمن . توخزني ، توقظ كل شعيرات وخلايا أعصابي ، أصرخ " اتركيني". تتناثر صرخاتي ، في سماء الغرفة ، على شكل آهات . ترتسم على الجدران ، لوحات متباعدة ، من اوجاع متناسلة ، في محطات مختلفة ، عبر سنين . كان جسدي قد تشظى مزقا وتوزع فيها ؛ عينان متسعتان أمام قرص شمس ، أياد تمتد الى السماء ، أرجل متباعدة ، تدفع عن قضبان ، صخرة كبيرة على جسد مسجى ، رأس معلق يقطر دما . وكان ما بين اللوحة والأخرى ، لحظة موت ، وما بين الموت والحياة ألف قصيدة حب ، حتى المليون ، ومابعده ، كانت أولها " دللول .. يلولد يبني ..دللّول .. عدوك نحيل.. وساجن الجول .." . كنتُ كما قيل لي أتوسّد أحضانها ، تهدهدني بتؤدة “نام حبة قلبي" “نام الصغير" “لا أحد يوقظه" كانت الألواح والصور الفنية كثيرة ، معلقة على الجدران . وكان ثمة ما يجمع بينها جميعا ؛ امرأة تظهر بأشكال مختلفة ،...وكان جسدي منهكا ، أعمل منذ طلوع الفجر ، حتى العاشرة ليلا ، في دكان صغير، عند (ساحة رغدان) . قدماي منتفختان ، حتى الساقين ، كأن الدم قد تجمع فيهما . وقيل لي : كانت تسحب الباب خلفها بهدوء ، وأغطّ أنا في نوم عميق ، تلفّني الناموسية ، كي لايزعجني الذباب . أطعمتني حليبا من ثديها ، ممزوجا بالمحبة ، لكل المسميات ، التي كبرت معي . أنام أنا ، وتذهب هي إلى المطبخ ، تعد من اللاشيء شيئا في ذاك القدر المثقوب على مدى الدهر. تعاود (سيميسدي ) تكرار محاولاتها ، تمتص قطرات ادخرتُها لليوم التالي ، حيث استنزف صاحب الدكان ، الذي أعمل عنده طوال النهار، نصفها . وأول الليل، تمدّ خرطومها ، ثم تطبق فكوكها العلوية والسفلية على ما تبقى منها ، حتى ترتوي ، فأصعق صارخا ، أحكّ جلدي ، باحثا عنها ، تختفي في لمح بصر . ألعّن يومي ، ودنياي وهذا الدم المهدور دائما ، وهي تجهز على ماتبقى منه ، مخلفة على جلدي بقعا حمراء ، بجانب الندوب التي حملها جسمي ، من مخلفات ( السيميسديات البشرية ). وكانت هناك إغفاءة من نوع آخر ، حين توسّد الحب الأكبر قلبي ، تحت وابل سياط لا ترحم ، على جسد مدلى وسط الغرفة ، فيما يأتي صوت بعيد لأمي هامسا باذني " دللول .. يلولد يبني ..عدوك غريب..و.." . كانت ( السيميسديات البشرية) يلتففن حولي ، يجاهرن " سنعمل له حفلة الليلة " . وأنهن كذلك هنا الليلة ، اجتمعن في غرفتي الصغيرة ، في ( حي الاشرفية ) ، التي كانت في ما مضى من الزمن مخزنا للبناية . لم أعد أعرف حينها ؛ هل كان رأسي يدور بالموجودات والأشياء التي حولي أم أنها هي التي تتحرك بداخله ؟ إذ بدات لي موجات الألوان تتصارع في كل لوحة . وكانت هناك قوى جذب تسحب الكتل بأتجاهات مختلفة ، كما تبدو الغيوم التي تحجب الشمس بألوان متصارعة هائجة كأمواج بحر . كانت سيميسدي تتحرك بسرعة ، تجتاز طيات الفراش ، تتسلق الجدران ، وعلى بلاط الغرفة . أحمل ما تبقى من قوة في جسمي ، لأنهض من الفراش الممدود على الأرض ، أسحب اشلائي لأقاتلها بأي وسيلة ممكنة ، لكنها تختفي سريعا . وبعد هنيهة تظهر مع مجموعة من أقرانها ، فرادى وجماعات ، يمّرن على الحصان الواقف في المستطيل المضلع ، كان رأسه إلى الأسفل ، حزينا . لقد استقرن هناك على ظهره ، أرجله ، ورأسه ، وبدأ مستسلما لقدره ، كُن يمتصّن الدم الذي صبغ اللوحة الرمادية . ثمة مجموعة منها هاجمت اليد المقطوعة في لوحة ثانية ، وهكذا الآخريات ، إلى الاجزاء الموزعة والغارقة باللون الأحمر. .. وكانت امرأة ترفع يدها قبالة وجه جنرال ، محتميا خلف قضبان برونزية حائلة . أمسكت بنياشينه ورمتها أرضا ، فأصابت بعض السيميسديات التي توزعت كأسراب جراد ، ولمحات الشدة والإصرار في وجهها الغاضب . وأخرى لجندي أجنبي يضرب صدرها قرب الكتف بأخمص بندقية امريكية ، وهي واثبة كنمرة شرسة . امرأة تجلس على دكة حجرية لدارها ، ساعة غروب الشمس ، تنتظر عودة غائب . امرأة بوجه فزع ، تحيطها كلاب تحاول نهش لحمها ، وهي ممزقة الثياب . وكنت أحاول مدّ يدي المقطوعة لنجدتها ، لكنها كانت مربوطة إلى عمود خشب . وامرأة أخرى تحدق من خلف باب ، يعتصرها خوف ، من رؤية رأس حبيبها المعلق في مواجهة الباب على الجدار المقابل للدار . لكنها وهي ترى الحصان الواجم ، تضع يدها على فمها ، مندهشة ، وكأنها تندب حظ الحصان وفقدان فارسه . تصرخ ، تركض ، تجتاز الموانع التي وضعتها السيميسديات ، تلتقط أجزاء جسدي المتناثرة ، هنا وهناك ، تحاول جمعها في لوحة واحدة . تسحب يدا ، لترى القدم وقد سحبتها كتلة سيميسدية هناك . فتضع اليد جانبا ، ثم تعاود لجذب القدم ، وهكذا حتى وصلت الرأس ، احتضنته ، بين يديها ، ودمعاتها تنساب على الخدين ، وضعته على الرقبة ، بعد جهد طويل ، حتى اكتملت الصورة . حينها صحوت أنا من غفوة كنت مجبرا عليها مرّات ، وعلى صوت امرأة تقول " دللّول .. يلولد يبني دللول..عدوك ذليل.. و *حشرة بق الفراش، تنتمي الى رتبة نصفية الاجنحة ، من فصيلة " السيميسديات " تحتل اعشاش الطيور والثديات، وفي الطوابق السفلية للمنازل و السجون ، وتكثر عادة ، بين الشقوق والأماكن التي لا يصلها الضوء والشمس.
#حسين_سليم (هاشتاغ)
Hussain_Saleem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام الصحي
-
صاحب المفتاح
-
همبلة 3 : موكبكم ما يشبع بطن !
-
همبلة 2 : ذني مو النا !
-
أفكار
-
همبلة 1 : لا تهمبلون علينا !
-
شّوق
-
الوطن والمنفى في كويستيان
-
الصحة العامة للمرأة العاملة
-
قليل الكلام : الأخلاق أم الدِّين أولاً !
-
قليل الكلام :أنا-المواطن والبرنامج الحكومي !
-
شيوخ
-
سبعة ألوان
-
حالات حبّ : عيون
-
قليل الكلام : جائزة الاديب الميت !
-
صورة
-
حالات حبّ
-
سّجين المنفى
-
قليل الكلام : العيديّة والمستمسكات الاربعة !
-
قليل الكلام : ألاّ نحترم مسجد الدولة !
المزيد.....
-
في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
-
-يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا
...
-
“أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن
...
-
“أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على
...
-
افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
-
بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح
...
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|