أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - ناجح شاهين - الطب والمشافي بين الإهمال ونقص المعرفة














المزيد.....

الطب والمشافي بين الإهمال ونقص المعرفة


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 5153 - 2016 / 5 / 5 - 13:28
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


الطب والمشافي بين الإهمال ونقص المعرفة
ناجح شاهين
صغيري سومر مصاب بالسكري من النوع الأول. الليلة الماضية استفرغ ما في جوفه مرات متعددة في أقل من ثلاث ساعات. بالطبع أاحسست بالخوف من أنه يعاني من ارتفاع الحموضة الخطير في الدم والناجم عن حرق الدهون بشكل كبير للتعويض عن نقص السكر الذي قد يكون سببه نقص الأنسولين أو اضطراب ما ناتج عن تعرضه لمرض ما. فكرت في حدود الثالثة صباحاً في المشفى الذي يجب أن أذهب إليه. وبعد تردد قليل اخترت مشفى رام الله الحكومي. إذ ماذا يمكن أن تجد في المشافي الصغيرة من قبيل الرعاية أو الهلال في هذا الوقت المتأخر من الليل؟
في مشفى رام الله اقترح موظف الطوارئ أن نذهب إلى جناح الأطفال، فحمدت له قراره. وهناك في مركز الأطفال وجدنا ممرضاً شاباً، صارم الملامح، سألنا في اقتضاب عن المشكلة فوصفتها له بكل ما أمكن من دقة. فبدأ بأخذ عينة دم ثم وضع للصغير كيس الماء والملح المعروف. قلت له إنني إنما جئت لأني أخشى أن الطفل يعاني DKA بمعنى أن جسمه قد أفرز كيتونات كثيرة تؤثر على حموضة الدم. وقلت له إنني أتمنى عليه أن يقوم بفحص للدم أو البول للكشف عن الكيتونات، فقال لي إن الطبيب سياتي بعد قليل وهو يقرر ما هو المناسب.
بعد نصف ساعة تقريباً حضر طبيب شاب، متجهم الملامح، وعندما أعدت على مسامعه وصف الحالة، قال إن هناك فيروس في الجو وإن كثيراً من الأطفال قد جاءوا بالأعراض ذاتها، فذكرته بأنه على الرغم من احتمال صحة توقعه إلا أننا نواجه طفلاً مصاباً بالسكر. وسألته عن فحص الكيتونات، فبدا عليه أنه لم يدرك عم أتحدث بالضبط. وعندما سألته عن إخصائي سكر أو أطفال، قال لي بأنه لا يوجد، وأنه لن يكون موجوداً غداً بسبب عيد "الإسراء والمعراج" كما أن الجمعة عطلة والسبت عطلة.
أسقط في يدي، إذا كان سومر يعاني من دي.كي. ايه فإنه يمكن أن يتدهور صحياً بسرعة لا تنتظر نهاية العطلة السعيدة، فأعدت الرجاء بأن يوصي بفحص الكيتونات، ولكنه تجاهلني، فأدركت أن الطبيب لا يعي الموقف جيداً.
الساعة السادسة صباحاً جاءت ممرضة الوردية النهارية فاشتكى زميلها ممرض الليل من أنه لم يتمكن من النوم بسبب هذا المريض. أحسست بالرعب، فالممرض الشاب يعتقد أنه يجب أن يكون في الوردة الليلية نائماً، وأن لا يزعج خلوته أحد من العالمين. والطبيب الصغير المناوب لا بد أنه أحس الشيء ذاته، ومن هنا كان التعامل جافاً حتى مع الصغير. لقد أفسدنا عليهم متعة الاسترخاء الليلي. وبدلاً من أن يقوم الطبيب بالاتصال بصديق ما -على طريقة من سيربح المليون- يساله النصح في موقف لم يعرف فيه كيفية التصرف السليم، جلس هناك يندب حظه العاثر الذي ارسلنا له. ربما كان في إمكانه أن يزور "جوجل" وينقب ساعة أو بعض ساعة في الأعراض عله يجد شيئاً يسد النقص في معرفته. ربما كان سيتصل بإخصائي ما ويعتذر له عن إقلاق نومه لأن طفلاً يواجه مشكلة صحية وهو لا يعرف كيف يحلها.
عندما قررت أخيراً قرب الثامنة صباحاً أنه لم يعد من معنى لوجودي في المشفى، قالت لي الممرضة أن علي أن أوقع على ورقة تخلي مسؤولية المشفى. فابتسمت وقلت لها: ولكن لو لم أوقع على الورقة، كيف "ستتحملون المسؤولية"؟ أقصد هل يشبه الأمر طريقتنا في تحميل "إسرائيل" المسؤولية فضحكت الصبية وقالت: "كان الله في عونكم وعوننا. ولكن ماذا نفعل؟ لا يوجد إخصائي لدينا، لكننا نستطيع أن نبقيه تحت المراقبة." قلت في سري لأني خفت أن لا تصلها الفكرة: "تقصدين نبقيه في انتظار جودو."
خرجنا من المشفى، وقررت أن أقرأ نتائج الفحوصات التي قاموا بها وأرتب العلاقات ما بين الأعراض بعد أن أعيتني الحيلة في إيجاد مكان في رام الله يمكن أن ألجأ إليه. قدرت أن حموضة الدم في الفحص -بأمل أن يكون دقيقاً- هي 7.40 وهذا يعني استحالة وجود كيتونات بكميات كبيرة في الدم وإلا لهبطت الحموضة إلى 7.3 أو 7.2 ، وهذا يعني أن الاحتمال الأخطر يمكن استبعاده، ولا بد أن بإمكاننا التعايش مع الاحتمالات الأقل خطورة.
في العموم وفي سياق هذه الكوميديا السوداء تذكرت أن المواطنين جميعاً يحبون أن يقدموا الفتاوى في الأمور التي أشتغل بها من قبيل الفلسفة والسياسة فقلت لنفسي: لا ضير من أن أحشر نفسي في الطب والكيمياء ما دام قدر المواطن العربي مثلما يبدو أن يضطر أن يخلع شوكه كله بيديه باعتبار أن المدرس لا يؤدي عمله، والسياسي يتفنن في "الخبص" السياسي، وأستاذ الجامعة لا يدري عن التعليم والبحث إلا بقدر ما تعرف الممرضة الشابة عن أسباب حموضة الدم، مع أنها اكثر طبية وتواضعاً منه.
قدرت أننا جميعاً نخبط على غير هدى، ولكن قطاع الطب يتلقى النصيب الأكبر من اللوم مع أنه في حقيقة الأمر نتاج "طبيعي" لاقتصاد غير منتج، وتعليم هابط، وسياسة تخدم المصالح كلها ما عدا مصالح الوطن والأمة.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية= حكم الأغنياء عن طريق الهيمنة الناعمة
- تدمير العراق وتفجير محل العجولي
- حزب الله ليس إرهابياً
- أسئلة الامتحانات في المدارس الفلسطينية
- الديمقراطية الأمريكية والدكتاتورية السورية
- الخبز وفوضى السوق ودلال رأس المال
- الاقتصاد السياسي للطقس وكرة القدم
- كوريا الشمالية والسعودية: مقارنة
- فن الحب وعلم الثورة
- أوقفوا تعليم اللغة الإنجليزية
- بحلم يسكن في هافانا ، بفكر انو فرنسا معانا: ما الذي يجري في ...
- قراءة في خلفيات جنون الإرهاب
- -التهجيص- في السياسة والإعلام
- عريقات/نتانياهو وأزمة القيادة
- الخطاب الفلسطيني وتغطية المواجهات
- روسيا تقلب الطاولة على أمريكا ومن يدور في فلكها
- فانتازيا عيد النحر الأمريكي السعودي
- دائرة العنف الفلسطينية
- حضانة الطيرة المرعبة، وقرار الوزير العيسى
- الغزو الضفاوي ليافا/تل أبيب


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - ناجح شاهين - الطب والمشافي بين الإهمال ونقص المعرفة