أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - ثقافة النص ومآساة دوماستان














المزيد.....

ثقافة النص ومآساة دوماستان


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3610 - 2012 / 1 / 17 - 15:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ثقافة النص ومآساة دوماستان
حكاية دوماستان
دوماستان إسم بلد نائية أشتق إسمها من إسم النبات الوحيد الذى تنتجه أرضها الجدباء وهو شجرة الدوما. وهو نبات يشبه فى الشكل شجرة الدوم التى تنمو فى صعيد مصر. وعلى مدى قرون طويلة، حفلت بالمجاعات، حاول سكان دوماستان إستخلاص غذاء يتقوتون به هم وأولادهم من ثمار هذه الشجرة إلا أن جهودهم جميعها قد باءت بالفشل. وأخيرا نجح أحد أبناء البلد الأفذاذ، بعد سلسلة طويلة من التجربة والخطأ، فى إكتشاف طريقة لتحويل الثمار الصلبة لشجرة الدوما إلى غذاء لذيذ الطعم مغذى ويسهل تناوله. ويسعد أهل دوماستان بما حققه إبن بلدتهم فقد أشبعهم بعد جوع وأنقذهم من عناء التفكير فى الغد ونجاهم من الإنقراض. وعندما أحس صاحبنا العبقرى بدنو أجله طلب من بعض المقربين إليه تسجيل تفاصيل الطريقة التى إكتشفها فى "نص" مكتوب محفوظ فى كتاب حتى تستفيد منها الأجيال القادمة. وقد عمل بعض من المقربين من صاحب الطريقة، بعد موته، على إستخدام هذه الطريقة، بعد إدخال تحويرات طفيفة عليها، فى إنتاج مأكولات أخرى ذات مذاقات مختلفة. وقد سار هؤلاء على خطى صاحبهم فعملوا على تسجيل تحويراتهم فى نصوص مكتوبة أضيفت إلى النص الأصلى. وهكذا أمنت هذه النصوص لأهل دوماستان الغذاء وحمتهم من وطأة المجاعات. وقد إختصت فئة من أهل دوماستان بمهمة حفظ هذه النصوص من الضياع والتحريف، وحمايتها مما قد يدسه عليها الأعداء من أغلاط، وقد عرفت هذه الفئة بـ "حفاظ النصوص" أو "النصيون". ومع مرور الزمن تعاظمت سطوة "النصيون" على أهل دوماستان. فلم يعد دورهم قاصرا على حفظ نصوص طرق معالجة نبات الدوما بل تعداه ليشمل التدخل فى أدق شئون حياة أهل دوماستان. وهكذا سادت قيم "النصيون" المجتمع الدوماستانى وعلى رأسها قيم "الإعلاء من شأن الحفظ" و"كراهية الإبداع" و"التهوين شأن العقل" و"الإنبهار بالماضى والحنين إليه" و"تقديس أقوال وأفعال الأسلاف". وتمضى قرون وأحوال دوماستان فى إستقرار لاتعكر صفوها تغيرات جوهرية. وفجأة يتعرض كوكب الأرض لتغيرات مناخية تبدل من مكونات النباتات وعلى رأسها نبات الدوما. وهكذا وجد أهل دوماستان أنفسهم أمام موقف كارثى فنصوصهم، التى أصبحت مقدسة بمرور الزمن، لم تعد صالحة لإستخراج الغذاء من نبات الدوما، وعقولهم، التى عطلها عدم الإستخدام، قد أصبحت عاجزة عن إيجاد طريقة جديدة لتوفير الغذاء. وكان المصير المحتوم لأهل دوماستان هو الإنقراض لتصبح حكايتهم من المرويات.

تعقيب وتحليل
ليست بلاد دومستان، التى حكينا لكم قصتها، إلا بلاد خيالية ولكنها تقدم نموذجا يوجز ملامح الأمم التى إعتمدت على النصوص "الجامدة" فى إدارة أحوال واقعها "المتغيرة" ... ! أو بعبارة أخرى الأمم التى تسود فيها "ثقافة النص" على "ثقافة الواقع".

و"ثقافة النص" هذه هى الثقافة التى تعلى من شأن النصوص، التى أنتجتها أمة ما فى مرحلة ما من مراحل تاريخها، لتصل بما تحتويه من رؤى وأفكار إلى مرتبة القداسة لتصبح "معرفة مقدسة". وبلوغ النصوص، وما تحتويه من معرفة، لهذه المرتبة يعنى أنها فوق النقد والتعديل وأنها واجبة الإتباع دون مراجعة أو مناقشة أو تفكير. ويتناسى أصحاب هذه الثقافة أن صلاحية هذه المعرفة وقدرتها على تغيير الواقع محكومان بزمن وظروف إنتاجها. وترى أصحاب هذه الثقافة وهم يكرسون كل جهودهم للحفاظ على هذه النصوص ولمحاولة صياغة الواقع وإعادة تشكيله طبقا لما ورد بها من أفكار تجاوزها الزمان. وهكذ تصبح النصوص، بكلماتها محدودة العدد ذات المعانى الملتبسة، بديلا عن ثراء الواقع بتعدد وتنوع مكوناته وتشابكاتها المعقدة وإيقاعات تغيره المتسارعة. وهكذا تتميز ثقافة النص بجمودها ومحدودية قدرتها على التكيف مع متغيرات الواقع وتسودها قيم "النصيون" التى أشرنا لها فى معرض حديثنا عن دوماستان.

أما "ثقافة الواقع" فهى الثقافة التى لاتعترف بـ "قداسة المعرفة" فالمعرفة لديها هى كائن حى متجدد يتطور بتطور الواقع وبتطور الأدوات العقلية المستخدمة فى فهمه وتغييره. فـ "الواقع" الذى لايكف عن التغير، فى عرف هذه الثقافة، هو "النص" الذى ينبغى قراءته بإستمرار لإنتاج المعرفة وهو الذى ينبغى الإحتكام إليه للتحقق من صدق هذه المعرفة وصلاحيتها للتطبيق. وتؤمن هذه الثقافة أن العلم بمبادئه الثلاثة "الإمبريقية" و"العقلانية" و"الشك" الأداة الرئيسية لفهم الواقع ولتغيره لصالح الإنسان. ويعنى أولى هذه المبادئ، "الإمبريقية"، الإعتماد على الشواهد المحسوسة فلا مكان فى العلم للشواهد القائمة على السمع أو على العنعنات ولا تلك القائمة على شهادة أفراد ولا على تلك القائمة على الإلهام أو العاطفة. أو بعبارة أخرى "مرجعية الواقع". أما ثانى هذه المبادئ، "العقلانية"، فيعنى إستخدام العقل وملكاته وأدواته مثل أدوات التفكير المنطقى فى تحليل الشواهد الإمبريقية وإستخلاص النتائج منها. ويعنى آخر هذه المبادئ، "الشك"، ضرورة إخضاع المعرفة التى ينتجها العلم للنقد الدائم بهدف التأكد من صحتها ولتعديلها عند الضرورة. ويكمن فى هذا المبدأ سر قدرة منظومة العلم الدائمة على التطور والتنامى والتكيف مع أحوال الواقع دائمة التغير والتبدل، وعلى التغلغل فى شتى أمور حياة الإنسان. إنها الثقافة التى تسودها قيم على رأسها قيم "الإعلاء من شأن الفهم" و"تشجيع الإبداع" و"إحترام العقل" و"الحاضر أفضل من الماضى والمستقبل أفضل من الحاضر".

واجب منزلى
يزودنا التاريخ بأمثلة عديدة لأمم لعب تبنيها لـ "ثقافة نص ما" دورا هاما فى زوالها ... أذكر مثالان الأول من الشرق والثانى من الغرب.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا أنا عَلمانى؟


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - ثقافة النص ومآساة دوماستان