اليسار وهشاشة التحالفات السياسية


فاتن نور
2025 / 11 / 11 - 02:54     

أن تكون الطبقات الكادحة التي يدافع عنها اليسار بإصرار ومبدئية خاضعة لفاشيات دينية تمثلها تيارات وأحزاب الإسلام السياسي، خصوصاً تلك التي تتبنى سياسات قمعية وتحاول فرض رؤيتها على المجتمع، فإن ذلك يجعل صورة اليسار مؤلمة للغاية. ويزداد الألم حين يتحالف معها سياسياً، إذ لا يمكن تبرير مثل هذا التحالف تحت أي ذريعة أو جدوى حقيقية.
كيف يصافح اليسار يد من يحارب العقل باسم السماء؟ وكيف يبرر تحالفه مع من شيطن الحرية والمساواة وجرّم الفكر النقدي ولجأ إلى التصفيات الجسدية؟
السؤال الجوهري: هل صار الدين ملاذاً تكتيكياً للماركسي أم أن الماركسي تحول بين ليلة وضحاها إلى مؤمن بالأقدار؟ كيف يعلّق اليسار عقله النقدي ويمضي في ظل عمامة تخنق أنفاس العقل؟
التيارات الدينية غالباً ما ترى المدنية كفراً والاختلاف ضلالاً، فهل يريد اليسار بناء دولة مدنية على أكتاف التعاون معها؟ الفاشيات الدينية تملك قواعد جماهيرية واسعة بفضل أساليب التخدير والتلقين والسيطرة، فهل يطمع اليسار بمثل هذا التخدير لمبادئه ولو مؤقتاً؟
قال لي أحدهم حين تشكّل تحالف سائرون في العراق إبّان انتخابات 2018: "ولماذا لا يقودني رجل الدين؟ حتى الشيوعيون بات يقودهم رجال الدين.” فهل قيادات “سائرون” من اليسار أناس انتهازيون رجعيون مثل قياداته الدينية من وجهة نظركم؟ هذه جملة تختصر مأزق اليسار الذي سلّم رايته لمن ناهضوه فكرياً وتاريخياً تحت شعارات فضفاضة عديمة الجدوى.
سيدفع اليسار أثماناً باهظة نتيجة مغازلته لثقافة القطيع ومهادنته لعجلة التجهيل وسقوطه في مستنقع لا يمكن أن يتنفّس فيه هواءً نقيّاً.
ولدينا من خضم الواقع تجارب صارخة عمّا آلت إليه تحالفات اليسار مع أحزاب الإسلام السياسي، السابقة زمنياً على تحالف “سائرون”، ومع ذلك تشكّل التحالف وقتها تحت ذرائع مستهلكة القيمة غافلاً قراءة الواقع كما هو.
تجربة إيران نهاية السبعينيات أظهرت تحالفاً ظرفياً مع الإسلاميين لإسقاط الشاه، لكن بعد الثورة قُمع اليسار. وفي السودان، تقاطعات مؤقتة بين الحزب الشيوعي وبعض القوى الإسلامية انتهت بوصول الإسلاميين إلى السلطة وقمع اليسار. وفي فلسطين ومصر وتونس، انتهت التحالفات التكتيكية بسرعة بسبب التناقض البنيوي بين الرؤية العلمانية التحررية والدينية الدوغمائية.
ومن تحالف سائرون المنحل إلى تحالف “البديل” حديث التشكيل عام 2025، يطرح السؤال نفسه:
هل هو بديل حقيقي أم صفقة تكتيكية عابرة؟ “البديل” جمع قوى وشخصيات متفرقة تملك حضوراً برلمانياً، لكنه يواجه انقسامات داخلية ومصالح شخصية تطغى على الالتزام الأيديولوجي، وفشلت كتله في تحويل شعاراتها الكبرى مثل “محاربة الفساد” و”تغيير النظام الطائفي” إلى خطوات عملية ملموسة.
كتله تتوافق في كثير من الأحيان مع تيارات الإسلام السياسي، مستفيدة من زخم الاحتجاجات الشعبية، لكنها تتخلى عن المطالب بعد الوصول إلى البرلمان.
التحالف يبدو أقرب إلى اتفاق مرحلي لجمع الشتات أكثر منه مشروعاً حقيقياً للتغيير برؤية راسخة، وما دامت هذه الحالة قائمة، يظل اليسار معرضاً للتهميش أو غائباً في خضم تحالفات هجينة غير متماسة بنيوياً، وينتهي دوره كبديل حقيقي، وذلك لهشاشة هذه التحالفات التي لا تحمل ثقلاً استراتيجياً ولا بعداً أيديولوجياً يكسر هيمنة الأحزاب التقليدية ويقوض سياساتها الفاشلة، ليصبح بهذا الحال جزءاً من المشكلة التي يدّعي أنه جاء لحلها.

November 11, 2025