بين الحلم والهيمنة....نحن هنا
                        
                        
                            
                            
                                
                                
                        
                        
                            
                                
                                
                                
                                    أكرم شلغين
                                
                                
                                
                                
                                
                                
                                2025 / 9 / 27 - 20:17
                                    
                                    
                        
                        
                              
                            
                            
                              
                        
                        
                        
                            
                                بعد سقوط نظام الأسد قبل أقل من عام، امتلأت القلوب بالأمل بأن القادم سيكون مشرقا، وأننا على أعتاب بناء سوريا جديدة، سوريا لكل السوريين، سوريا التي تليق بأبنائها وتعوّض ما خسرته خلال أكثر من نصف قرن من الاستبداد والدكتاتورية. فالقمع الذي مارسه النظام طال الجميع بلا استثناء، نعم لقد قسّم النظام البائد القمع على الجميع، فكانت مقاومته واجبا مشتركا والجميع ناضل بطريقته ضد بطش الدكتاتورية.
لكن سرعان ما تصدّرت المشهد مجموعة بعينها، مدعومة من قوى إقليمية ودولية، ولكل من تلك القوى الدعمة حساباته الخاصة. هذه المجموعة احتكرت القرار السياسي وزعمت تمثيل الشعب السوري، ورفضت أن تشاركها أي جهة أخرى. ومن أتت بهم تحت شعار "تمثيل المكونات السورية" لم يكونوا سوى ديكور؛ حضورهم على لوائح التشكيلات كان لتجميل المشهد، لا للمشاركة الحقيقية في صنع القرار.
في المقابل، حاولت أطراف ديمقراطية ويسارية البحث عن إطار تنظيمي يفتح باب النقاش، ومن أبرزها تجمع سوريا الديمقراطية الذي عقد لقاءه الأول في أجواء بدت أقرب إلى التقاط الأنفاس بعد نصف قرن من التهميش. كان السؤال الكبير الذي طرح نفسه: ما العمل؟ ذلك السؤال الذي شغل عقول المفكرين والمنظرين عبر التاريخ. ومع ذلك، لم يتوقع أحد أن يخرج اللقاء بأكثر من تبادل وجهات النظر. لكن غياب الشباب كان لافتا، وهو غياب يعكس أزمة عميقة ناقشتها في مقال سابق.
ولم تكد هذه المحاولة تلتقط أنفاسها حتى سارعت "سلطة المرحلة الانتقالية"، التي نصبت نفسها وصية على البلاد، لتشترط موافقتها الأمنية المسبقة على أي اجتماع أو لقاء، وكأن شيئا لم يتغير.
اليوم، اجتمع قسم من هؤلاء بترتيب من منظمة الحزب الشيوعي الموحد، وبالتعاون مع قوى وطنية ديمقراطية في اللاذقية، لإحياء فعالية تودّع الفنان زياد الرحباني وتستقبل المناضل جورج إبراهيم عبد الله بعد سجنه الطويل. جلسوا وغنوا لزياد الرحباني، وتحدثوا عن جورج عبد الله، لكن ما بدا لي من بعيد أن هذا الاحتفاء كان أيضا محاولة صامتة للقول: "ما زلنا هنا". أناس دفعوا ضرائب العمر والفرح من أجل وطن موحد، بينما تُرسم معالمه اليوم بعيدا عنهم، بأيدي من يحملون أيديولوجيات مستوردة، وصفقات مالية، ومشاريع لا تعرف شيئا عن جرح الذين سبقوهم.
كان اللقاء احتفاء، لكنه هذا هو السؤال الذي يظل يطن في الأذن:
كيف يُبنى وطن على أكتاف من دفعوا كل شيء ثمنا لحلمه، ثم يأتي من بعدهم من يمحو آثارهم ويبني على أنقاض أحلامهم؟
الوطن الذي حلمنا به واحدا موحدا نكبر به ويكبر بنا صار اليوم عرضة لتجاذبات أيديولوجيات هدامة وصفقات مالية، بينما المناضلون الرومانسيون الذين أفنوا سنوات أعمارهم في المعتقلات يحاولون فقط أن يثبتوا أنهم ما زالوا أحياء.
يا له من مشهد قاس: وطن تُرسم ملامحه على موائد الصفقات، فيما أبناؤه الحقيقيون يكتفون بالغناء ليقولوا: نحن هنا، وما زال في قلوبنا ما يكفي من حب ووفاء لهذا الوطن
.
ملاحظة ختامية: هذه الفعالية صوت حيّ يؤكد أن حرية التجمع حق لا ينتزع، وهي ضرورة لإحياء الوعي والذاكرة الجماعية. نتطلع لمزيد من المبادرات تحت أي تسمية، فالأهم أن يبقى الفضاء مفتوحا للناس ليجتمعوا ويعبروا ويصنعوا حضورهم. بل إن حرية التجمع هي الأم الحقيقية لكل حوار حقيقي. نحن لا نحتاج فقط إلى فعاليات ثقافية وسياسية، بل إلى أي تجمع يذكرنا أننا أحرار - حتى لو كان التجمع لنقاش كتاب أو غناء أغنية أو زراعة شجرة. الحق في الالتقاء هو الأساس الذي ستبنى عليه كل الحقوق الأخرى.