نقد نظرية القيمة عند كارل ماركس
عائد ماجد
2025 / 9 / 1 - 02:05
يعد تحليل كارل ماركس للقيمة وازدواجية العمل النقطة الأساسية للانطلاق في كتاب رأس المال، حيث لم يرد ماركس تحليل آلية السوق وعمل السوق، بل أراد تقديم تحليل كامل للمفاهيم التي تقوم عليها الرأسمالية. وبدأ كل هذا في مجلده الأول من كتاب رأس المال، حيث بدأ كل شيء بتحليل مفهوم قيمة السلعة، لكونها تعد الوحدة الأساسية أو الخلية الأساسية التي تقوم عليها الرأسمالية.
بدأ ماركس كتابه رأس المال بشرح قيمة السلعة، حيث قسمها إلى قيمتين: قيمة استعمالية وقيمة تبادلية. فالقيمة الاستعمالية هي المنفعة أو الفائدة العملية التي تحققها السلعة عندما تُستخدم لإشباع حاجة بشرية، كانت مادية أو معنوية [1]. وأما القيمة التبادلية فهي ما تساويه السلعة عند مبادلتها بسلع أخرى في السوق. وهنا أمسك ماركس بصفة محددة في الرأسمالية، وهي إنتاج السلع للتبادل في السوق. وهنا يجيب على تساؤل: ما هو العامل المشترك بين السلع المختلفة الذي يتيح إمكانية مقارنتها في السوق؟ ولا يمكن أن تكون القيمة الاستعمالية، لأن للسلع استعمالات مختلفة، فتبطل إمكانية تبادلها داخل السوق، فالخبز يشبع، والكتاب يعلم، والثوب يدفئ.
ومن هذه النقطة قدم ماركس العامل المشترك لأي شيء ينتجه البشر، وهو مقدار العمل المبذول في إنتاجه. هنا طرح ماركس من داخل مفهوم العمل فهمه لمفهوم ازدواجية العمل، حيث قدم مفهومي العمل الملموس والعمل المجرد، وعلاقة هذه الازدواجية في تحديد القيمة التبادلية للسلع.
واستثنى ماركس العمل الملموس من هذه المعادلة، حيث إن العمل الملموس هو نشاط محدد لإنتاج القيمة الاستعمالية، وليس لإنتاج القيمة التبادلية، مثل خياطة قميص أو خبز الخبز، وما إلى ذلك من إنتاج السلع التي تحقق فائدة عملية. فكيف يمكن مقارنة الأنواع المختلفة من العمل الملموس المبذول في إنتاج السلع؟
وما تبقى لدى ماركس كعامل مشترك لما ينتجه الإنسان وللقيمة التبادلية هو العمل المجرد، والذي يمكن قياسه بوقت العمل الضروري اجتماعياً، أو مقدار الوقت الذي يحتاجه عامل متوسط الإنتاجية لإنتاج سلعة معينة. وهذا غالباً عمل غير ملموس لا يمكننا ملاحظته في السلعة مادياً [2].
بهذا أكون قد شرحت مفهومي القيمة وازدواجية العمل عند ماركس. لكن أوائل الأشياء التي يمكن أن تلاحظها كنقطة ضعف في تحليل ماركس هو إهماله لعوامل تعطي قيمة السلع بشكل آخر، حيث إن ماركس كان يميز بين مفهوم قيمة السلعة المحددة بالعمل وبين السعر الذي يتقلب في الأسواق. فما يمكننا ملاحظته هو أن سعر السلعة يتحدد بشكل أساسي من خلال قوى السوق، لا العمل فقط، مثل العرض والطلب ودوره في تحديد أسعار السلع، وهو أمر لا يمكن التغاضي عنه. فوقت العمل الضروري عند ماركس لا يمكن أن يفسر لوحده لماذا سلعة تباع بأضعاف سلعة أخرى، خصوصاً عندما تدخل عوامل الندرة في السوق والرغبة بالسلعة.
ومن المشاكل الكبرى التي واجهت ماركس هو أنه افترض إمكانية جمع كل أنواع العمل في مفهوم العمل المجرد بوصفه طريقة معيارية، رغم أن هذا الأمر واقعياً معقد جداً ولا يمكن. فكيف يمكن جمع العمل الذي يقوم به العامل في معمل الصلب بعمل المبرمج، أو ربط العمل الفكري بالعمل في الحقول؟ وكان ماركس يزيل كل الفروق بينها رغم الفروق الواضحة.
ووفق نظرية ماركس هنا يجب أن تقل القيمة إذا قل وقت العمل. لكن في حالات كثيرة يمكننا ملاحظتها الآن، بعيداً عن مفهوم العرض والطلب الذي أهمله ماركس، يتبين أن سلعة تُنتج في وقت قصير نسبياً وبدون جهد بشري كبير تباع بأسعار خيالية. أبسط الأمثلة هو اكتشاف دواء جديد يتم إنتاجه عن طريق تكنولوجيا حديثة سريعة جداً في الإنتاج، رغم ذلك نجد أن سعر الدواء غالٍ لأنه نادر، ولا يمكن تفسير هذا إلا وفق مبدأ العرض والطلب الذي أهمله ماركس، أو لأنه محمي ببراءة اختراع.
إن قوة ماركس هنا تكمن في قدرته على تحليل أن حتى السلعة ليست شيئاً بريئاً أو يخلو من التناقضات بين الاستعمال والتبادل، وبين العمل الملموس والعمل المجرد. لكن ضعفه يقع في نفس التحليل بسبب تعميمه لهذا التحليل، جاعلاً للعمل الوحدة الأساسية في تحليل القيمة، متجاهلاً العوامل الأخرى. لكن لا يمكننا إنكار أن مفهوم القيمة وازدواجية العمل عند ماركس يعد إنجازاً نظرياً كبيراً في نقد الرأسمالية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رأس المال صـ54
[2] رأس المال - 2 الطابع المزدوج للعمل الذي تتضمنه البضائع