بؤس التحليل البرجوازي للأزمة الرأسمالية
امال الحسين
2025 / 7 / 8 - 16:47
يحاول الأسايذة البرجوازيون بالجامعات العربية، تحليل الحرب الإمبريالية الحالية، خارج فهمها على أنها بداية الطور الثالث من مستوى انطلاقتها، في الحرب الأولى على العراق في 1991، وبعد هيكلة بلدان أوروبا الشرقية ب"الثورات البرتقالية"، وبلدان القومية العربية ب"ثورات الربيع العربي"، يبدأ طور الإبادات الجماعية بدءا بغزة، التي تمتد إلى أوروبا عبر أوكرانيا، وإفريقيا عبر السودان، والكل يخضع بالبلدان المضطهدة، منتظرا انتصار روسيا، لتنقذه من جحيم الإمبريلية، هكذا تغيرت كل مفاهيم المقاومة، فأصبح الخضوع انتصارا، والهزيمة تفوقا.
لم يفهم بعد المحللون البرجوازيون العرب، بأن الكلام لا يفيد، ووصف الحال لا يغيرها، والماركسية حسمت كيف تتم مواجهة الإمبريالية، أما إنعاشها بالكلام بداخلها، بواسطة دول غارقة في الرأسمالية، ما هو إلا كلام على هامش الأزمة.
لقد أكد ماركس على العنف الثوري وسيلة لتسريع الصراعات الطبقية، التي تغير التاريخ، وما تقوم به مجموعة البريكس، ما هو إلا محاولة لعتق دولها من هلاك الإمبريالية، التي أشعلت حروبا لن تتوقف، حتى تعصف بالعالم إلى الجحيم، ولن تقي هيكلة الرأسمالية من طرف البريكس العالم من جحيم الرأسمال المالي الإمبريالي، وما الإبادة الجماعية بفلسطين إلا تحدي للبريكس، وتهديد لها بما قد يصلها يوما، وليس ببعيد.
العقلية العربية عقلية تساير الزمن، كيفما تحولت الأمور يسايرها المثقفون، ولو لم تكن في صالحهم، كما كتب أحدهم يتحدث عن القضية الفلسطينية، وقال عنها أنها تابعة للتحولات السياسية، يوم كان القوميون كانت المقاومة قومية، وكان اليسار يتزعم التضامن، يوم تألق الإسلامويون سارت المقاومة إسلاموية، هذا هو التحليل الذي توصل إليه أحد "السوسيولوجي"ين.
وبذلك يعتبر القضية الفلسطينية بلا دور في تحريك الزمن العربي، عكس ما ذهبت به منظمة "إلى الأمام" الماركسية اللينينية بالمغرب في السبعينات من القرن 20، التي اعتبرتها نبراس الثورة العربية، واليوم أصبحت عقلية العرب تساير الأمور بدون تكليف جهد ولا تفكير، قام صاحبنا بسرده هذا لدحض تصريح أحد "السوسيولوجي"ين المؤيدين للتطبيع، بدون أن يعلم أنه يكرس الواقع بدل العمل على تغييره، رغم أنه تحدث عن "السوسيولوجيا المقاومة"، كإشارة فقط لما كات عليه الحال من قبل، بينما عمل على تحييد الثورة الفلسطينية، كأنها لعبة فقط في يد المطبعين اليوم.
اعتقد أن سبب هذا الانصياع للأوضاع هو من كثر الطغيان، السائد بالبلدان العربية، عبر تعاقب الديكتاتوريات على الحكم بها، منذ نشأة الدولة "الإسلامية"، مما يشكل خطرا على قضية مقاومة الاستعمار، عبر فقدان روحها وضميرها لدى المثقفين، في حالة انفصام تام عن قضايا الجماهير، وخضوعهم لإملاءات الحكام، هكذا صور صاحبنا شروط تنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن المقاومة المسلحة، وتوقيع اتفاق أوسلو على سلطة بلا دولة، والنتيجة الإبادة الجماعية.
والأدهى من ذلك أنه يعتبر أن القضية الفلسطينية تطورت، من البعد القومي إلى البعد الإنساني، مفسرا ذلك بالتضامن العالمي حتى من طرف أعدائها، هكذا يفسر "السوسيولوجي" العربي التطور، ويعتبر أن فقدان التضامن المسلح من طرف المنظمات الثورية العالمية، التي استقطبتها الثورة الفلسطينية في السبعينات من القرن 20، من إيطاليا واليابان وإرلندا وغيرها، وغياب اليسار لم يؤثر عليها حيث وجود التضامن الإنساني العالمي، بديلا عن المقاومة المسلحة، في انسياغ تام وراء مقولة العولة وحقوق الإنسان.
لا غرابة أن يحلل "السوسيولوجي"ون المغاربة بأدوات برجوازية، وقد ذكر بها المحلل بعد إغلاق معهد السوسيولوجيا بالمغرب في 1970، وتحول الجامعات المغربية إلى مجال لنقاشات مواضيع علم الاجتماع، كما ذكر آخر السوسيولوجيين المغاربة ببول باسكون حسب نظره، ونوه به رغم أنه لم يتجاوز في تحليلاته المنهج التفكيكي/التقسيمي، ولم يصل إلى مستوى التحليل الماركسي، مما جعل صاحبنا لم يستطع تجاوز هذا المنهج، الذي طبع الجامعات المغربية، خوفا من المنهج العلمي المادي التاريخي، أي تفاديا للمنهج الماركسية المحرم على الأساتذة البرجوازيين، إلا أنه ذكرنا بكتاب بؤس الفلسفة، أول كتاب نقدي للفوضوية في 1847 بدأ به ماركس مساره النضالي الثوري.
لا يسعني هنا إلا أن أعزي المقاومة الفلسطينية، وثورتها الخلاقة، في فقدان السند الثوري بالجامعات العربية، بعد فقدانه بالتنظيمات السياسية والنقابية، وغزاؤنا واحد في وفاة الثورة العلمية بالتعليم الجامعي، وفي انتظار بعث الثورة الفلسطينية بقواعدها الثورية المادية التاريخية الشيوعية، تبقى مواجهة الإبادة الجماعية معزولة في ظل عزلة الفكر المادي المفروضة على الجامعات، وسيادة البرجوازية والانتهازية في البحث العلمي.
هذا الوضع المزري بالبلدان العربية، غير معزول عن عزلة الفكر المادي التاريخي عالميا بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي، ورغم بروز الاهتمام بأزمة الشيوعية من طرف الأحزاب الشيوعية، إلا أنها لم تجرؤ على الممارسات العملية، ذلك ما يتجلى في البيان الصادر عن الحزب الشيوعي الروسي، حول ما سماه "استعادة العدالة التاريخية الكاملة فيما يتعلق بجوزيف فيساريونوفيتش ستالين"، في سرد لما تعرض له شخص ستالين من اتهامات كاذبة إلى غير ذلك، في محاولة شبه نقد ذاتية تروم رد الاعتبار للاتحاد السوفييتي، كل ذلك خارج التحليل المادي التاريخي لأزمة الشيوعية.
ذلك ما كرسته رسالة بوتين للمؤتمرين، التي ما هي إلا التفاتة انتهازية، فبينما الحزب الشيوعي الروسي ناقش مسألة إساءة خروتشوف لستالين، أعطى بوتين، بكل انتهازية مكشوفة، توجيهه للقاء حول ما أسماه "التقرير والانتخابات"، في طبيعة معبرة عن عقلية الهيمن على الحياة السياسية بروسيا، خوفا من انبعاث الشيوعية من جديد جماهيريا، في خلفية مبطنة لمحاولة استغلال الحزب الشيوعي في حربه بأوكرانيا، وهو تحذير مكشوف للحزب الشيوعي الروسي من الانزلاق، واستغلال تاريخ ستالين الحربي الوطني الثوري، من أجل جلب التعاطف الشعبي للأليغارشيا المسيطرة على السلطة بموسكو.
يعتبر البيان بداية فتح مسار من الصراعات الطبقية والسياسية، إن على مستوى التنظيم بالنسبة للحزب الشيوعي الروسي، أو على المستوى الأيديولوجي والسياسي، دون أن ننسى ما يتطلبه ذلك من تحديث أجهزة الحزب، خاصة الجهاز النظري الأساسي في إعادة بناء الحزب، مما يتطلب :
1 ـ استرجاع أرشيف الماركسية اللينينية/مجلدات لينين المفقودة،
2 ـ إعادة نشرعها على المستوى العالمي بجميع اللغات الأساسية ومنها العربية،
3 ـ متابعة كل ما ينشر على الصعيد العالمي عن الشيوعية وترجمته وانتقاده ونشره،
4 ـ تشكيل لجان العلاقات الخارجية مع الأحزاب الشيوعية عالميا ومن بينها الأحزاب الشيوعية العربية،
5 ـ تأسيس جهاز إعلامية حديث يعمل على نشر مستجدات الأيديولوجي والسياسي عالميا، ومتابعات الأحداث استراتيجيا،
6 ـ الحزب الشيوعي بدون عقيدة عسكرية لن يصبح إلا أداة في يد الدولة، مما يتطلب توفير جهاز استراتيجي،
7 ـ عقد مؤتمر عالمي للأحزاب الشيوعية يتم فيه توضيح الخط الثوري للحزب الشيوعي الروسي،
8 ـ دراسة الأساس الاقتصادي العالمي للإمبريالية ووضع استراتيجية مقاومتها،
9 ـ عدم الانجرار وراء تأييد الحروب بدون تقييم ماركسي لينيني للحروب الوطنية الثورية دفاعا عن الوطن الاشتراكي ضد الحروب الإمبريالية، من منظزر لينين للثورة،
10 ـ تقييم مفهوم تحالف العمال والفلاحين، من التحالف الحربي إلى التحالف الاقتصادي لدى لينين.
وبدون إشعال الحروب الوطنية الثورية بالبلدان المضطهدة ضد الحروب الإمبريالية وفروعها اللصوصية، لن تتوقف الإبادات الجماعية للشعوب المضطهدة، ووقف البرامج الاستعماري للرأسمال المالي الإمبريالي لهذه الشعوب.