الرأسمالية بين الراديكالية ودوغمائية البنات - الزخرف


طلعت خيري
2025 / 7 / 2 - 09:19     

حوار عميق وموسع خاضه التنزيل مع الفكر التراثي المكي الرأسمالي ، مركزا على المصادر التاريخية التي انبثق منها اعتقاد الملائكة بنات الرحمن ، والذي يرجع تاريخه الى إبراهيم وأبيه وقومه وبناء البيت ، قلنا اسم الرحمن اسم رمزي يشير الى جزئية الله في بناته ، وعليهن بنا المجتمع المكي حياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والسلطوية والثقافية وبقية الأنشطة الأخرى ، وفي مقال سابق ذكرنا أيضا ان التنزيل صحح الأفكار السلبية منها جزئية الله في عباده ، وازدواجية المعاير الاصطفائية ، وأشاءة الرحمن في عبادة البنات ، ليعطي لنا صورة حقيقية عن ماهية الرحمن ، وفي خطوة استباقية وبتوجه ودعم مالي من الرأسمالية المكية تم تفعيل القرين ، والقرين هو فرد راديكالي دوغمائي تبنا مهمة التأثير السياسي على المجتمع المكي ، لصد الأفراد والجماعات عن الإيمان بالله واليوم الأخر، كخطوة احترازية ضامنة لديموغرافيا التراث المكي ، ليبقى المجتمع بعيدا عن ذكر الرحمن ، قال الله ومن يعيش عن ذكر الرحمن ، نقيض له شيطان فهو له قرين

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ{36}

ما لا يقبل الشك ان الدعوة القرآنية أحدثت شرخا فكريا وعقائديا في القاعدة الجماهيرية المكية ، اقسمها الى نصفين ، الأول مؤمن ببنات الرحمن ، والثاني مؤمن بذكر الرحمن ، ولكي يحافظ التحالف المكي الرأسمالي على ديموغرافيا المصالح السياسية والاقتصادية ، سخر قرناء راديكاليين دوغمائيين لإحياء ايدولوجيا دين الآباء ، في دراماتيكية ثقافية جديدة ستضم طوائف دينية سياسية كاليهود والنصارى ، ليبقى المجتمع المكي بعيدا عن ذكر الرحمن ، قال الله ليصدونهم عن السبيل ، راديكاليين دوغمائيين ، ويحسبون أنهم مهتدون

وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ{37}

ناورت الزعامة المكية الرأسمالية فكريا وثقافيا ، لفرض وجودها الديموغرافي أمام سيل من الأفكار العقائدية ، وان فقدان أي فرد فاعل ذو مكانة سياسية أو سلطوية أو رأسمالية أو قبلية ، ربما يؤدي الى تفكك التحالف برمته ، وهذا لا يقتصر على الزعماء فقط بل وحتى على الأفراد بشكل عام ، ومن هذه المعطيات الواقعية انطلق العمل الميداني للقرين الراديكالي لإحياء ايدولوجيا دين الآباء الملائكة بنات الرحمن في عمل أدراماتيكي جديد ، اطلع التنزيل القرين والأفراد الذين انصاعوا له ، على المصير الأخروي ، قال الله حتى إذا جاءنا ، الفرد المنصاع للقرين ، قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ، ولن ينفعكم اليوم اذ ظلمتم ، أنكم في العذاب مشتركون

حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ{38} وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ{39}

تخلت الطبقة الفقيرة والكادحة وبعض شرائح المجتمع عن الدعم السياسي للتحالف المكي الرأسمالي ، بعد انكشاف للجميع ، بان النذور والقربان والهدايا والأموال التي ينفقونها على الأوثان تذهب الى الطبقة الرأسمالية والزعامة المكية ، ومن خلال المقارنة الميدانية للفارق الطبقي لاحظ الجمهور المكي ان التحالف الرأسمالي ازداد ثراء ودعة وتترفا على حساب دخلهم ومعيشتهم ، وبهذا التوجيه العقائدي تخلص الكثير من أفراد المجتمع المكي من دوغمائية بنات الرحمن ، أما الطبقة الرأسمالية المتقوقعة حول كريبكائية رأس المال والمصالح السياسية ، بقيت تناور استكبارا وتعنتا من اجل مصالحها الدنيوية ، أنهى التنزيل الحوار مع الرأسمالية المكية ، بهذا الوصف الدوغمائي التراثي ، قال الله افانت تسمع الصم ، أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين

أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{40}

عرض التنزيل على التحالف المكي الرأسمالي أمثالة تاريخية مخزية لأمم سبقت كفروا بالله ورسله ، استنبط منها محمد بان الزعامة المكية سيتعرض لانهيار اقتصادي ينهي وجوده الديموغرافي ، ولكن متى وأين لا احد يعلم ، أعطت الأمثلة التاريخية لمحمد انطبعا جعلته يستمر بالدعوة حتى يحكم الله في هذا الأمر، فكان متحمسا لنهاية الرأسمالية المكية ومتمنيا ذلك قبل موته ، قال الله فإما نذهبن بك أي ننهي حياتك بالموت ، فانا منهم منتقمون ، أو نرينك الذي وعدناهم فانا عليهم مقتدرون ، تخلى محمد عن أمنيته متمسكا بالوصايا العقائدية الجديدة ، قال الله لمحمد ، فاستمسك بالذي أوحينا إليك انك على صراط مستقيم ، وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسالون ، شاهد على المسائلة الاخروية

فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ{41} أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ{42} فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{43} وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ{44}

قلنا في مقالة سابقة ، زعم الفكر المكي التراثي ان إبراهيم وأبيه وقومه كانوا يعبدون الملائكة بنات الرحمن ، ولما توجه الى مكة لبناء البيت أقام لهن تماثيل وأصناما اعتزازا بتراث آباءه وأجداده ، ونحن أيضا نعتز بهن لأنهن امتداد لتاريخنا وتراثنا الديني ، كشف الله زيف مزاعمهم ، ناقلا ما قاله إبراهيم لأبية وقومه من الماضي الغيبي الى حاضر الدعوة القرآنية ، قال الله وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ، مستثنيا الله ، إلا الذي فطرني فانه سيهدين ، وفي خطوة استباقية باشر التحالف المكي الرأسمالي بالمنارة الفكرية مع جماهير حلفائه من أهل الكتاب اليهود والنصارى لضمان وحدوية الكتلة ، منحدرا الى عمق التاريخ لضم موسى وعيسى لاعتقاد الملائكة بنات الرحمن ، نستنتج من هذا ان المصالح السياسية والاقتصادية هي من ترسم شكل التحالفات ، قال الله لمحمد ، وأسال من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ، كيف سيسأل محمد رسل ماتوا من قبل ، هذا يعني ان التنزيل استعد للمناورة الفكرية التاريخية التي سيطرحها التحالف المكي الرأسمالي على أهل الكتاب بخصوص ضم موسى وعيسى لعبادة الملائكة بنات الرحمن ، هذا ما سنطلع عليه في الموضع التالي

وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ{45}