من السذاجة والغباء إلى الانتهازية
امال الحسين
2025 / 7 / 1 - 22:44
التافهون يعتقدون أنهم أحسن من فلاح بسيط يصنع الحياة، كما يعتقدون بتكنولوجا لا يملكون فيها شيئا، وهم بفكهم بعض مسائل الرياضيات التافهة، ويلقنونها للتلاميذ بدوغمائية القرون الوسطى، يعتقدون أنهم خوارزميون، نعم خوارزميون تقليديون بلباس حداثي، يعتقدون أنهم يعيدون تاريخ الرياضيات.
قال ماركس :"التاريخ يعيد نفسه مرتين مرة على شكل مأساة والثانية على شكل مهزلة".
هذا هو حال هؤلاء التافهين، من يسع إلى تنميق حالهم يجده يسير إلى الحظيظ، وشعوبهم تطيح بحكامها في مهزلة التاريخ، كل من يصعد منهم يصير أفظع كما نشاهد اليوم، هم نتاج فعل التخلف، فعل دولة القبيلة كما سميتها في روايتي "مأساة يغود".
لا يمكن محاربة الإمبريالية بفس الأسلحة التي تحاربك بها، هناك أسلحة أرقى وهي نشر العلم والمعرفة في أوساط الشعوب المضطهدة والديمقراطية حتى تتحرر من مخلفات الماضي، من طبيعة الحال أن تعرقلك الإمبريالية، لكن لن تستطيع عرقلة نشر الوعي في أوساط الشعوب، إن حصلت لديها إرادة الشعوب في نشر الوعي، وقد فعل غاندي ذلك يوما، وكان ذلك عبرة صارخة.
لما نذكركم بغاندي، نعرف جيدا أن هناك ببلدانكم من هم أفضل من غاندي، مروا وما زالوا، لكن الفظيع هي عقلية القبيلة المسيطرة على الحكام وجل القواعد على السواء، حتى أن هناك من يعتقد أن الأسلحة تمطر السكان بالمواد الغذائية، لما تنتهي الحرب.
ومن يسعى إلى الأسلحة النووية بدعوى الحرب، نقول له الحروب في عصر الإمبريالية لن تتوقف، ولن ينتصر فيها العالم المتخلف حيث هو وقودها.
تتحدثون عن المفاعلات النووية العائدة بالخير على السكان، كأن الفلاحين الذين يزروع الحياة في الطبيعة مجرمو الحروب، العالم المتقدم من وجهة نظر تكنولوجيا الإمبريالية، سكانه يسعون اليوم إلى حياة الفلاحين بالطبيعة، بجميع تفاصيلها حتى في تربية الأطفال، أما في عالم التخلف هناك من يسعى إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بدون ذكاء طبيعي، حاملين الجوالات بلا وعي، لا علم ولا معرفة، هذه هي معضلتهم.
نعتني بالغباء فأجبته قائلا : أنا أغبى من أن أكون انتهازيا، من يقول الحقيقة يصبح غبيا، لا يا سيدي إما أن تكون ماركسيا لينينيا وإما أن تكون انتهازا، لا أحتاج لمن يعطيني الدروس في المادية، في علاقاتها بالتحالفات لصالح البروليتاريا، أما من يسير وراء الظلامية لن أكون معه بحكم المبدأ، ليس بحكم الغباء كما تدعي.
أنا لا أدعي الذكاء، حيث هناك الذكاء الاصطناعي في خدمة الإمبريالية، وكذلك بعض من يسمون أنفسهم أذكياء، هم خدم الإمبريالية، الظلامية الإيرانية لن تخدم حتى شعب إيران، فما بالنا بتحرير الشعوب المضطهدة، ولذلك يعتقد معها المتهافتون الانتهازيون أن الأسلحة النووية تخلق التقدم، وهي تحمل فكرا تكفيريا متخلفا، لا يخدم الإنسانية بقدر ما يخدم الإمبريالية مضطهدة الشعوب، لن أسير وراءها حيث أعتز بانتمائي الماركسي اللينيني بدون منازع.
تعتقد أنني غبي، حيث لا رؤية لك للمستقبل، ورأي لك حول الماضي، وغبت عن الحاضر، فرنسا أوقفت العديد من مفاعلاتها النووية وكذلك ألمانيا، ولم تحركا بعضها إلا في أزمتهما مع روسيا، من لا يتتبع التاريخ والأحداث يمكنه أن يقول ما يشاء، ويصدر الأحكام كما يشاء.
أن تفهم معاني الحياة، عليك بمعرفة ما تسببه المفاعلات النووية من تدمير للطبيعة والإنسان، لكن المتثقفين في الدول المتخلفة غائبين عما يجري في العالم الآخر، وتلك هي معضلة هذه الدول التي يسطر فيها المثاليون الذاتييون على المعرفة، فتجد أساتذة العلوم الطبيعة بدون بحث علمي، الدول المتقدمة سائرة في الرجوع إلى الحياة الطبيعة بدون تلوث، لا في الغذاء، لا في الهواء، لا في الماء ولا في التربة، لكن معضلة التافهين تكمن في تبخيس أعمال الآخرين، وهم لا تنتجون.
التافهون لا يفهون أن على بلدانهم أن تتقدم أولا قبل أن تصنع الأسلحة، والتقدم يجب أن يشمل كل تفاصيل الحياة، موضوعنا هنا ليس الأسلحة كلها، إنما الأسلحة النووية، لذلك فكل الدولة المتقدمة لا تصنع الأسلحة النووية، يمكن أن تتقدم الدولة بدون أسلحة نووية، المانيا والدول الأسكندينافيا واليابان وغيرها لا تستثمر في الأسلحة النووية، حيث لا يمكن لكل الدول أن تمتلك الأسلحة النووية، وحيث غالبية الدول متخلفة، ولا يمكن لها أن تتقدم بامتلاك الأسلحة أم بشرائها.
في الحرب اللصوصية الحالية، إيران تعطلت في الوصول إلى الأسلحة النووية، حيث انخرطت في اتفاقية الحد من الأسلحة النووية، وانخراطت في حروب أشعلتها الإمبريالية لتعطيل التقدم بالمنطقة، مما وضعها في ورطة المساهمة في هذه الحروب، بدل العمل على تقدم البلاد أولا، مع العلم أن هذه الحروب لا تخدم المنطقة بقدر ما تخربها، الدليل بارز أمام العيان.
من طبيعة الإمبريالية التي تلازمها الحروب أن تتحكم في هذه الحروب، وتتحكم فيها ليس اليوم، لكن تحكمت فيها منذ سيطرة الرأسمالية وهيمنة البرجوازية، لذلك لا يمكن محاربة الإمبريالية بأساليبها، حيث هي التي حددت قوانين الحروب وأهدافها الاستعمارية، لهذا أقول لكم لا يمكن الانتصار على الإمبريالية، ليس انحيازا لها كما يدعي بعض ممن لا معرفة لهم بمفهوم الإمبريالية، الذي حدده لينين، وربطه بخاصيتي الاستعمار والحرب، وحدد شروط مواجهة الإمبريالية : الاشتراكية.
لذلك لا يمكن امتلاك المعرفة في مستوياتها العليا، حيث لا يتم كشف أصرار تكنولوجيا الأسلحة إلا من خلال الحروب، ولا يمكن للإمبريالية أن تسمح للجميع بامتلاك الأسلحة النووية، لذلك وضعت لها جهازا تستغله : الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمعضلة الأولى أن إيران انخرطت في تلك اللعبة، مما جعلها سجينة مفتشي هذه الوكالة، وهم يلعبون دور المخبرين، يحولون تقاريرهم إلى أدوات بيد أمريكا، ولما حاولت إيران الخروج من سجنها وجدت أمامها قوة الإمبريالية وما نتج عن ذلك في الضربة الأخيرة، والمعضلة الثانية أنها تثق بروسيا، أو تعتقد أن روسيا قد تخرجها من ورطتها.
الأسلحة النووية تطورت كثيرا، من اليورنيوم إلى الهدروجين، بأضعاف مئات المرات قوة تفجيري هيروشيما وناجازاكي، وقد وصلت مستويات عليا في القنابل المانتيزمية، وما إلى ذلك من استعمالات تسمى تاكتيكية، يعني محدودة الفعل في المكان والزمان، وقد وصلت حد قنابل تاكتيكية محمولة من طرف الجنود، مما يعنى أن المنع قد يصير مستقبلا أكثر صرامة من طرف الإمبريالية.
وهل يعقل أن تمنح الإمبريالية تكنولوجيا الأسلحة النووية لغيرها من الشعوب المضطهدة كي تحاربها..؟
كل ذلك جعل إيران تسبح في عالم من الوهم، حتى نالت الضربة الأمريكية الآخيرة، وحول هذه الضربة هناك من ما زال واهما بأن إيران لديها القدرة على صناعة الأسلحة النووية، ذلك ما لا يمكن أن تتسامح معه الإمبريالية، ولذلك دمرت كل المفاعلات النووية الإيرانية، ومن الوهم الاعتقاد أن روسيا، التي لديها شركات تبني المفاعلات انووية بإيران حتى اليوم، وخبراؤها يعرفون أسرار إيران، وجلهم متصهينون أو صهاينة، تكثم هذه إسرار المفاعلات عن أمريكا.
الإمبريالية وهي تتحكم في العالم، ليس فقط بالسلاح النووي، إنما كذلك باحتكار الاقتصاد والعلم، وتعتقدون أن أمريكا تسمح لإيران بامتلاك الأسلحة النووية، هي دول احتكارية تمتلك الأسلحة النووية، ووصعت لها قوانين التحكم فيها، وليست قوانين امتلاكها، ومن يسعى لتشييع الأسلحة النووية فهو واهم.
والواهمون تتحدثون عن الكيان الصهيوني، كيف أنه يملك هذه الأسلحة الفتاكة، يجب عليكم أن تعرفوا أنه استثناء، ليس فقط في السلاح النووي، إنما حتى في وجوده في أرض فلسطين، ولماذا تريده أن تتساوى معه البلدان المضطهدة..؟
ذلك ما جعل إيران تتعامل مع هذا الوضع الإمبريالي بكل سذاجة، وتصيح بكل ما تملك من صياح علانية أنها ستدمر الكيان الصهيوني، وهي تعتقد أن صياحها تتعامل معه الإمبريالية بلطف، وقد تسمح بتبرير مقولتها تلك، إنه من السذاجة اعتبار الإمبريالية غافلة بما تسعى وراءها إيران من خلال مفاعلاتها النووية، ومن السذاجة الاعتقاد أن روسيا، التي تشتغل شركاتها بهذه المفاعلات وتبني آخر مفاعل نووي اليوم ب200 خبير روسي، لم تقدم لأمريكا أسرار إيران.
ومن السذاجة الاعتقاد بأن أمريكا لم تدمر مفاعلات إيران تدميرا كاملا، وتقول ذلك عنوة وبكل سذاجة أمام العالم، إبران انتهى موسمها فيما يسمى المفاعلات النووية لأغراض عسكرية خفية، مع العلم أن إيران منخرطة في مراقبة المفاعلات النووية، وبعد فوات الأوان تقول إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية خانتها، وسربت أصرارها للكيان الصهيوني، وهل من سذاجة أكثر من ذلك..؟
الحل لدى الشعوب المضطهدة ليس بامتلاك الأسلحة النووية، لأنه هدف مستحيل، إنما في طريق آخر غير طريق الإمبريالية، وهو مناهضة الحروب اللصوصية التي تشغلها الإمبريالية، بالرجوع إلى ذواتها ومجتمعاتها وتقويتها بسلاح العلم البناء، وهو أمر ممكن ووسائله ممكنة، ودون ذلك ليس إلا انتحار لهذه الشعوب التي تصبح بلدانها مرتعا لتلك الحروب.