-وطن كونيه عراقيه- لاوطنيه زائفه/ 5
عبدالامير الركابي
2025 / 6 / 29 - 14:40
تتخذ الاصطراعية اللاارضوية الارضوية بصيغتها الالية الحديثة كمحور رئيسي على مستوى المشاريع، صيغة مايمكن اعتباره "تباينا كيانيا وطنيا" فالغرب يقرن الانقلاب الالي بالبرجوازية وانتصارها ونموذجيتها الكيانيه الديمقراطية، على اعتبار المشار اليه قمة ومنتهى الممكن المجتمعي، يكرس لغاية عليا وهدف اسمى، على اساسه تقام الدول او حتى تفبرك في المجتمعات غير المنصهرة، خارج موضع الانقلاب الالي الاوربي، وهي حالة وطور من تاريخ الهيمنه الغربيه الحديثة، اتسمت بالميل الى صناعة الامم والدول، وهو ماكان العراق بمثابة حالة نموذجيه ضمنه كممارسه ضرورية لاسباب عملية، منها واقعيا كون هذا الموضع من المعمورة كان يمر بطور انقطاعي بين دورتين، وانه يخضع بناء عليه ومنذ 1258 مع سقوط بغداد، الى حالة من البرانيه مقرها بغداد عاصمة الدورة الثانيه المنهارة، ظل مستمرا منذ احتلال هولاكو لبغداد، تتعاقب عليه السلالات والدول، واشباه الامبراطوريات ضمن اشتراطات يدوية عامه كانت ماتزال هي الغالبه.
هذا يعني بان العراق الحالي لم يكون قد تبلور وقتها، مع انه كان قد عرف مع القرن السادس عشر بدايات الانبعاثية التشكلية الراهنه جنوبا، كما هو الحال الموافق لبنيته وطبيعته الازدواجية المجتمعية واليات تشكله، وكالمعتاد ترد هنا مصر كمثال معاكس، وجدت في حينه كما هي، كيانيه مكتملة محلوية، بينما العراق في طور تشكل هو الثالث الكوني بحسب الخاصيات التاريخيه، يصعد متشكلا ضمن ظروف انغلاق الافق الاعلى، والسيطره البرانيه على المدينه/ العاصمه رمز الدورة المنقضية المنهاره، واذ تنتهي فترة البرانيه اليدوية ويحضر الانكليز، محل العثمانيين، يتغير نوع البرانيه من يدوية الى آليه مختلفة من حيث الوسائل والاغراض، وفي المقدمه على مستوى مشروع الكيانية والدولة، وبعدما كانت البرانيه منذ هولاكو والخروف الاسود والخروف الابيض بلا مشروع من هذا النوع، جاء الانكليز يحملون معهم، وفي مقدمة عدتهم مفهوم "الدولة الحديثة" وماتقتضيه من كيانيه، جرت صياغتها ارتكازا على مقومات البرانيه المعاشه، وانطلاقا من مركزها المعتمد الباقي من الدورة المنهارة انطلاقا كالمعتاد من العاصمة المنهارة وماتحتها المستقل بلا اعلان، فاجملت الولايات التركية الثلاث، الموصل، وبغداد، والبصرة ضمن افتراضية كيانيه، اعتبرت واحده وموحده، وضعت لها مروية، وجرى ربط تشكلها المتوهم المفترض بالنظام الراسمالي العالمي، من دون اي دليل، او محاولة تدقيق تاريخي في موضع لم يسبق له ان عرف الكيانيه "الوطنيه"، مع عراقته البدئية التاريخيه، ومع كل مايمكن ان يدل على كون الياته ظلت تعمل تاريخيا وفق مسارات مختلفة، ليس فيها او من بين مايميزها على اي صعيد كان، التوافق مع المشروع الجاهز الراهن الحديث المنقول بالقوة والاحتلال، مع مترتباته، الامر الذي كان يتطلب على الاقل شيئا ما من الاشاره او التنوية في اقل الاحوال.
وسواء على هذا الصعيد او اجمالي الوضع الناشيء وقتها فان مانصبح بصدده وفي غمرته من يومها، هو مايمكن ان نطلق عليه "اصطراعية الاليه المتناقضه" وهو مالايعرفه بقية ارجاء المعمورة لانتفاء الاسباب والخاصيات التكوينيه، والقصد يذهب الى ماسبق تكرارا التنويه به من التباين النوعي المجتمعي بين لاارضوية وارضوية وعلاقة كل منهما ونوع تفاعليته بحسب بنيته والياته معها، وهنا يفترض التوقف مليا على وجه التعيين امام مايصل حد البداهة من مفاهيم ومنظور مكرس بخصوص الاله، او ماقبله، وعلاقة المجتمعية بها بما لايترك اي مجال للتفكير باحتمالية الاختلاف التفاعلي النمطي مع وسيلة الانتاج، وبما يضعها بموقع الاحادية غير القابله لاي احتمالية اخرى، هذا مع العلم ان ظاهرة انبثاق الاله في موضع من الكرة الارضية بعينه لم يكن صدفه ولا من باب البداهة.
وقد تخطر على البال هنا على سبيل المثال الاحتمالية الانتقالية مابعد اليدوية العراقية، ابان الطور العباسي، وفي قمه ماكانت بلغته بغداد من صعود في المجالات المختلفة اقتصاديا وعلى صعيد بدايات التهيئة للمصنعية، مع الغلبة الفاصلة للعملية التجارية الريعية الكبرى العالمي، الممتده من الصين الى غرب اوربا، الامر الذي لم يولد تفاعليه مجتمعية احتدامية من شانها نقل الوضع برمته الى طور اخر، بالذات بظهور عنصر ثالث من خارج الاصطراعية الثنائية المجتمعية كما حصل في اوربا التي وصل اليها عنصر التفاعلية من خارجها، ليولد ديناميات اصطراعية طبقية، انتهت الى انبثاق العنصر الثالث الضروري واللازم، كما قد حصل وتحول بعدها لظاهرة عالميه، ليعود متشكلا الى الاصطدام مع مصدر التفاعليه ومنطلق التراكميه الراسمالية، الذي ذهب بعد ان ادخل الراسمال الحيوي الضروري لاوربا لينهار منقطعا، صدوعا لوطاة تكوينه وبنيته التاريخيه الماخوذه لديناميات الاصطراعية المجتمعية لاالطبقية.
من البديهي بالطبع ان لايرد التساؤل المعروض في اعلاه جملة وتفصيلا، مادامت المجتمعية واحده بناء على القصورية العقلية الغالبه السائده، ومن ثم وبناء عليه، تماثل عمل الديناميات والاصطراعية والتفاعلية المجتمعية تاريخيا، الامر الذي يعني اليوم والان، انقلابا وثورة فاصلة كبرى، تقلب كل منظور واسس نظرة الكائن البشري للتاريخ وللظاهرة المجتمعية ومساراتها وماهي ذاهبة اليه. هذا مع العلم ان مانشير اليه ليس من القضايا الجاهزة، او الممكن بلوغها بيسر، او حتى بالمقارنه مع اصعب القضايا والموضوعات المتعارف عليها ارضويا حتى الان، ومع ان ماننوه به قد بدا بالوقوع كممارسة حية في العراق تحديدا قبل قرن واكثر، الاان انتقال العقل في هذا الموضع من المعمورة الى حيث النطقية الكبرى، والتعرف الواجب على قوانين واليات العملية اللاارضوية بمواجهة الاله، ظل خارج البحث، وممنوعا على العقل العراقي الى اليوم، بينما المنظور الاخر الجاهز والمنقول من خارج المكان، غالب وفاصل بلا منافس.
ولنتخيل تاريخ هذه الانتقاله الكبرى الكونية المستجده وتعرجاتها التي قد تصل الى مالا يوصف بحسب المتاح من وسائل حتى الان، الامر البديهي لان مانحن بصدده ليس من قبيل الاضافه او الاكتشاف ضمن عالم بذاته، ولا من ضمن لغته ومجمل بنيته ومرويته، بقدر ماهو عالم اخر، ولغه مختلفه نوعا، وطريقة في الادراكيه والمقاربة غير ماهو قائم، انه انتقال الى "عالم منتظر"، فكاننا اليوم ابان بدايات تبلور الظاهرة المجتمعية، قبل اجتراح الخطوة الاولى باتجاه الحياة والوجود الابتداء بصيغته اليدوية.
ـ يتبع ـ