عالمنا الراهن
غسان الرفاعي
2025 / 6 / 27 - 10:36
عالمنا الراهن " حائر " و " ضائع " بين إمكاناته وقدراته العلمية وانجازاته المادية الهائلة التي تستحوذ عليها الاحتكارات الاكبر ... وبين الضغوط التي تمارسها لتقييد ولمنع تلبية واشباع متطلبات الحياة الانسانية والمعنوية للجماهير . لقد خاضت الطبقة العاملة العالمية وشعوب آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية نضالات بطولية زاخرة بالتضحيات خلال المئة عام المنصرمة لتطوير وتحسين شروط حياتها بارادتها ، ووفق رؤيتها ومصلحة دولها ... ورغم ان ما تحقق في هذا المجال كبير وعظيم ...، غير ان ذلك ينبغي ان لا يحجب حقيقة ان القوى الامبريالية مازالت قوة تحكّم وتوجيه في مسارات تطور هذه البلدان . ومما زاد في صعوبة الامور وفي تعقيدها التطورات الاخيرة ( سقوط التجربة السوفياتية وانحسار الحراك العمالي والشعبي على الصعيد العالمي ) التي زوّدت الراسمال العالمي وايديولوجييه " حجة انتصار " في المعركة على قوى الاشتراكية وانصارها . فقد ضاعف الراسمال الاحتكاري العالمي ( وبالدرجة الاولى الاميركي ) ، وجهازهما الايديولوجي – الاعلامي الهائل السعي لتثبيت هذا " الانتصار " ، ولتحويله الى " قناعة " في وعي الجماهير ، باعتباره نتيجة حاسمة نهائية " لأبدية " نظام الاستغلال الراسمالي لإستعباد العالم ، في حين يقدم الواقع كل يوم نماذج جديدة عن فساد وتقيح ومخاطر هذا النظام ، بما يحمله من ازمات اقتصادية واجتماعية وتهديدات دائمة باندلاع الحروب ! عقود من الزمن عاشتها الشعوب تحت ضغوط هذه " الحرب الباردة " ، بنتائجها المادية والسياسية السلبية الخطيرة ، والتي حُمّلت مسؤولية حصولها على الدولة السوفياتية !... نحن لا نرى ضرورة ملحة للتوقف طويلاً ، في بحثنا الحالي ، لتحديد الجهات المسؤولة ( وهي عديدة بلا شك ) ، او تفسير الاسباب والارتكابات التي ادت الى إفشال التجربة السوفياتية وسائر التجارب التي حاولت تكرار ممارساتها ، في حين اننا نعيش في وقتنا الراهن ايضا اجواء سياسية متميزة بسلبياتها الخطيرة : حروب اقليمية ...، اغتيالات ... ، انقلابات تشارك فيها عصابات من القتلة المستأجرين من المخابرات الغربية ، وبالدرجة الاولى الاميركية... ، وقد اعاق هذا ويعوق تحقيق طموحات الشعوب المشروعة لبناء بلدانها ودولها على اسس ومبادىء ديموقراطية تفتح مجالات التقدم في سائر مجالات الحياة الانسانية لمواطنيه. لقد كشفت " الترامبية " في المئة يوم الاولى من ولايتها الثانية ، بجموحها العدواني العام المتعدد الجبهات ، بانها تخرج حتى عن السياق العام لسياسة الولايات المتحدة التقليدية التي تشكو ، بدورها ، من كثير من المآخذ والادانات من كثير من الشعوب والحكومات . غير ان السيد ترامب في الوقت الذي لم يوفر فيه من الهجوم والتهجم حتى الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة ( المانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا والدانمارك ) ، وشمل معهم المكسيك وبنما ... ليس في سياق التوجهات السياسية العامة وحسب ، بل بالمطالبة والتوجه الى احداث تغييرات في كيان الدول ( ضم كندا الى الولايات المتحدة ، وغرينلاند من الدانمارك !!؟). ان توجهات السيد ترامب العالمية في مجال المال والجمارك لا تقل خطورة على سائر بلدان العالم ، حيث يفرض عليها من طرف واحد ، وإعتباطاً ، " غرامةً " او " جزيةً " على شعوب العالم كله لصالح الاحتكارات الاميركية حصراً وتحديداً .
ورغم خطورة ما اشرنا اليه من سياقات عدوانية جديدة ادخلها السيد ترامب الى تقاليد السياسة الاميركية ، التي تستوجب بذاتها معارضتها والوقوف ضدها ، يبقى تلويحه باللجوء الى " لعبة " السلاح النووي لدعم الفاشي نتن ياهو في عدوانه على ايران ...، وفي عجزه عن اخضاعها ، يضع الشرق الاوسط وشعوبه تحت طائلة الموت بالتفجير النووي او المعاناة الابدية من الاشعاع الذري ... مع ما يحمله كل ذلك من مخاطر اندلاع حرب عالمية نووية تحمل المخاطر الجدية على حياة البشرية جميعا ً .