الرأسمالية وميثولوجيا بنات الرحمن - الزخرف


طلعت خيري
2025 / 6 / 26 - 10:07     

أعلن ابرأهيم لأبيه وقومه براءته مما يعبدون ، تاركا لهم كلمة حق علهم يرجعون ، ولما قرر الرحيل ، قال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ، عبارات مبهمة ليس لها مدلول عقائدي يحدد نمط الهداية ، وعليها بنا شياطين الاعتقادات والديانات الوثنية والسياسية أفكارا ثقافية متنوعة ، منتجين منها سيناريوهات مختلفة ، منها اعتقاد الملائكة بنات الرحمن ، زعم الفكر المكي التراثي ان إبراهيم وأبيه وقومه كانوا يعبدون الملائكة بنات الرحمن ، ولما توجه الى مكة لبناء البيت أقام لهن تماثيل وأصناما اعتزازا بتراث آباءه وأجداده ، ونحن أيضا نعتز بهن لأنهن امتداد لتاريخنا وتراثنا الديني ، كشف الله زيف مزاعمهم ، ناقلا ما قاله إبراهيم لأبية وقومه من الماضي الغيبي الى حاضر الدعوة القرآنية ، قال الله وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ، مستثنيا الله ، إلا الذي فطرني فانه سيهدين

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ{26} إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ{27}

ولما لم يقنع إبراهيم أبيه وقومه بنبذ عبادة الأصنام ، كالشمس والقمر والكواكب ، قرر الرحيل تارك لهم كلمة حق لعلهم يرجعون ، قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ قلنا عبارات مبهمة ليس لها مدلول عقائدي استغلها شياطين الاعتقادات الوثنية والظنية والكسمولوجية ،لإنتاج سيناريوهان مختلفة تلبي توجهات وثقافات وأهواء ورغبات الأمم ، فلا تقتصر الديانة الإبراهيمية على اليهودية والإسلامية والمسيحية بل تشمل كافة الاعتقادات الوثنية والوجودية والاسترولوجية ، فلما غفلت الأمم عن حقيقة ما قاله إبراهيم لأبيه وقومه ، وعن الهداية التي كان يبحث عنها في أماكن مختلفة من بقاع الأرض ، برز دور الشيطان في إنتاج دراماتيكية الجغرافية المقدسة وفقا للسيكولوجية الفطرية للبشرية ، فمرة تجده امبريالي ، ومرة تجده مستعمر استيطاني ، ومرة تجده وثني ارضي ، ومرة تجده صنما سماوي ، فالشياطين رسمت إبراهيم وفقا للتوجهات الاعتقادية والقومية للأمم ، فما يشهده الشرق الأوسط اليوم من تغير شامل على المستوى الدولي والإقليمي ان هو إلا توحيد للديانة الإبراهيمية تحت مضلة الامبريالية الأمريكية الرأسمالية ، قال الله وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ، لعب الشيطان على أوتار الكلمة الباقية براءة إبراهيم من عبادة الأصنام ، ليصنع منها أمم وثنية وأمم متكالبة على الجغرافية المقدسة

وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{28}

شكلت سيناريوهات الجغرافية المقدسة جيوثقافية واسعة شملت عموم المنطقة العربي قبل التاريخ ، ومن خلال دراستنا المسبقة لكتاب المقدس التوراة نجد ان المؤلف تطرق إليها بشكل واسع ، فلم يترك موضعا من الأرض إلا ووطأته أقدام إبراهيم ، منتجا منها جغرافية مقدسة شملت المنطقة العربية بأسرها ، عكس القران الذي لا يهتم بالجانب الجغرافي ، إنما فقط بالجانب العقائدي ، فالدعوة العقائدية أفضل وسيلة لتفكيك الجغرافية المقدسة ، لمحة تاريخية لعموم المنطقة العربية قبل التاريخ وما بعده ، كان للتحول العقائدي لمملكة سبأ على يد سليمان من عبادة الشمس ، الى عبادة الله وحده ، دور كبير في زيادة النشاط التجاري مع مملكة بلاد الشام ، ولا سيما بعد اكتشاف معدني الحديد والنحاس ، اللذان ساهما في التحول الصناعي من الفخار الى المعدن ، بما ان مملكة سبأ أول مملكة تاريخية تؤمن بالله واليوم الأخر، ذلك مما ساهم في ظهور السياحة الدينية الى بيت الله ، فكان الحجيج ينقلون بضائعهم الى مكة للمتاجرة بها ، كما ان نزول التوراة والإنجيل في القرن الأول الميلادي على محور مملكة بلاد الشام ، له دورا كبير في تنشيط حركة الحج ، حيث أمر الله الحواريين أتباع عيسى ابن مريم بالحج الى بيت الله ، فبعض آيات سورة البقرة وسورة آل عمران حاورت الدين السياسي لأهل الكتاب بخصوص بناء البيت ، ونبوة وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، وبهذه الجغرافية المكانية حول الله مكة الى مركزا تجاريا جاذبا للاستيطان استجابة لدعاء إبراهيم ، لم يذكر القران ان إبراهيم بنا المسجد الحرام ، أنما ذكر بنا الكعبة فقط ، التي قال عنها ، جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، أما المساحة المحيطة بالكعبة اتخذها إبراهيم كمصلى ، ثم أحيط البيت الحرام ، ومقام إبراهيم ، بتصميم عمراني مقوس بأعمدة وقبب أطلق عليه اسم المسجد الحرام ، بناء المسجد الحرام ، مرحلة متطورة شهدها البيت في القرن الثاني الميلادي ،على يد النبي إيليا الياس أخر أنبياء الدعوة الإنجيلية ، {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ }الذي بنا المسجد الأقصى ومساجد كثيرة في مدينة بعلبك ، تطوير المسجد الحرام ساهم أيضا في زيادة عدد الحجيج الى بيت الله ، ونظر لقدسية المسجد الحرام والمسجد الأقصى عند طوائف الدين السياسي لأهل الكتاب ، رد التنزيل على تساؤل في سورة الإسراء ، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ، فمن القرن الثالث الميلادي الى القرن السادس الميلادي شهدت المنطقة العربية تحولا عقائديا من عبادة الله الى عبادة الأوثان ، حتى بات مكة اكبر تجمع عالمي للديانة الإبراهيمية ، وفي منتصف القرن السادس الميلادي اقتضت إرادة الله بتغير موازين الاعتقادات وما ينضوي تحتها من أنظمة رأسمالية وقبلية ودين سياسي ، قال الله بل متعت هؤلاء وآبائهم أي تركهم يمارسون حياتهم الدينية تحت سيناريوهات الشيطان ، حتى جاءهم الحق ورسول مبين

بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ{29}

عاشت المجتمعات تحت الديانة الإبراهيمية ومسمياتها لقرون طويلة من الزمن ، فكان لمقام إبراهيم في مكة دورا كبيرا في صناعة ميثولوجيا المقدسات ، علما ان المقام لا يحمل أي قدسية دينية مجرد صخرة كبيرة كان إبراهيم يقف عليها لرفع قواعد بناء البيت ، فمن القرن الثالث الميلادي الى القرن السادس الميلادي نقلت الديانات والاعتقادات الوثنية والظنية والأديان السياسية أوثانها ورموزها الدينية الى مكة ، ثم نشرتها حول مقام إبراهيم وكان عددها يقدر بحولي 360 وثنا ، كلها تدعي ملة إبراهيم ولما جاء محمد بحقيقة ملة إبراهيم ، اتهم بالسحر وكفروا بما جاء به ، قال الله ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر ، وأنا به كافرون

وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ{30}

لما كشف التنزيل زيف مزاعم عبادة الملائكة بنات الرحمن في قوم إبراهيم وفي مكة ، طرح التحالف المكي الرأسمالي تساؤلات عديدة لها أبعاد سياسية ، للدفاع عن مصالحه الاقتصادية المرتبطة بتجارة الملائكة بنات الرحمن ، منها إبعاد شبح التغير عن مكة الى القرى الأخرى متسائلا ، لماذا لم ينزل القران على رجال من القريتين عظيم ، أي ذو شأن رأسمالي أو سياسي أو قبلي ، بدلا عن محمد الذي ليس له أي مكانة رأسمالية ، ولا زعامة قبلية ، قال الله وقالوا أي التحالف المكي ، لولا انزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم ، من أهل يثرب أو الطائف رد الله عليهم قائلا ، أهم يقسمون رحمة ربك ، نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات تفاوت معيشي وطبقي بين البشر ، ليتخذ بعضكم بعضا سخريا ورحمت بربك خير مما يجمعون ، يجمعون تعني مراكمة رأس المال لصناعة الفوارق الطبقية بين المجتمع لتسخر به الرأسمالية من الطبقات الأخرى

وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ{31} أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ{32}

كانت مكة في القرن السادس الميلادي مركزا تجاريا عالميا ، تسيطر عليه الزعامة الرأسمالية المكية ، التي يرتكز نشاطها التجاري على بضائع الوافدين من بلاد الشام واليمن ، وعلى النذور والقربان والهدايا التي تقدمها الديانات والاعتقادات لأوثان الكعبة ، ولسير متطلبات المصالح السياسية والاقتصادية كانت الرأسمالية المكية تقدم أفضل الخدمات للوافدين كالطعام والسقاية في موسم الحج ، وفي نفس الوقت تروج لبضائعها الصناعية كالهدايا والقلائد والتماثيل والرموز المعدنية ، ادعت الرأسمالية المكية ان ما هي عليه من ترف رفاهية اقتصادية ومالية هو بفضل عبادة بنات الرحمن ، وان الذين كفروا بهن من المؤمنين الفقراء والكادحين ، سيبقى مستواهم المالي والمعيشي والاقتصادي في أدنى المستويات لكفرهم بالرحمن ، رد الله على الرأسمالية قائلا ، ولولا ان يكون الناس امة واحدة ، لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ، ولبيوتهم أبوابا وسررا وعليها يتكؤون ، وزخرفا وان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ، والآخرة عند ربك للمتقين

وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ{33} وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ{34} وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ{35}