ميثولوجيا بنات الرحمن- الزخرف
طلعت خيري
2025 / 6 / 18 - 09:28
قبل الانفراد بآلهة الفكر الوثني المكي الملائكة بنات الرحمن ، ألقى التنزيل نظرة عامة على الاعتقادات التي جعلت لله جزء من عباده ، كابن الله وبنات الله وولي الله وحجة الله ، كاشفا عن دور شياطين الديانات الاعتقادية والطائفية في صناعة تلك الجزئية ، والتي من دواعيها الفكرية تغيب الوعي عن وجود خالق ، ليتسنى للفرد ممارسة أهوائه الرغبوية دون الخوف من العواقب الاخروية والدنيوية ، حاملا عنه الخطيئة ومنكرا عليه البعث والنشور الأخروي ، لتأخذ المصالح السياسية الاقتصادية دورها الميداني كالمتاجرة بالجنس والترويج للصناعات اليدوية التي ترمز الى جزئية الشريك مع لله ، كالصور والرايات والملصقات والتحف والرموز المعدية والفخارية التي توضع في البيوت للتبرك والعبادة ، قال الله وجعلوا له أي لله من عبادة جزءا ، ليستولي الجزء على كافة مفاصل الحياة والمسخرات السماوية والأرضية ، لكي لا يبقى لله غير اسمه الشكلي ، ان الإنسان لكفور مبين
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ{15}
تركت جزئية الله في عباده ازدواجية في المعايير الاصطفائية ، حيث أصفى الفكر الوثني المكي لله البنات ، وأصفى لنفسه البنين ، متماديا عليه الى درجة انه بات كره البنات معتقد يشير الى ما يكره الله ، ومحبة الذكور تشير الى ما يحبون ، فهذه اصطفائية أهوائية رغبوية رد الله عليها ، قائلا أم اتخذوا مما يخلق بنات واصفاكم بالبنين ، ورد أيضا على ازدواجية التناقض بين ما يعبدون ، وبين ما يكرهون ، قائلا إذا بشر احدهم بما ضرب للرحمن مثلا أي بالأنثى ، ظل وجهه مسودا وهو كظيم ، من الطقوس الدينية التي مارسها الذكور معتقدي الملائكة بنات الرحمن ، لبس الحلي المعدية كالتي يلبسها البنات اعتزازا بالملائكة بنات الرحمن ، ولكي يثبت الله للمشركين ان قواهم الفكرية والعقلية لا تؤدي دورا فاعلا في الجدال والخصام الفكري بسبب نشأتهم في البنات ، قال الله أومن ينشا في الحلية وهو في الخصام غير مبين ، مبين واضح ، نتابع عجز المشركين في الدفاع عن آلهتهم أمام آيات التنزيل
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ{16} وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{17} أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ{18}
انبثقت الاعتقادات الوثنية والشركية والظنية العالمية ، من الحوار الذي دار بين الله والملائكة وادم وإبليس ، نقل تفاصيله ادم الى ذريته ، والذي يعتبر أقدم حوار ديني على وجه الأرض ، ويزال صداه العالمي الى يومنا هذا ، استمرت مفاهيم الحوار على حقيقتها لحقبة من الزمن ، ثم تسلط عليها الشيطان محرفا أيها بما يتلاءم مع توجهاته الدنيوية الرافضة للبعث والنشور الأخروي ، منتجا منها سيناريوهات ثقافية متعددة ، منها سيناريو خطيئة ادم في الجنة وما يترتب عليها من تكفير للخطيئة بالتعميد والتعري والزيت المقدس بدلا من التوبة ، وسيناريو مصاهرة الله للجن لينجبوا له البنات ، وبالنتيجة مهما اختلفت السيناريوهات وتعددت فالهدف واحد هو تشكيل حزب شيطاني دنيوي لا يؤمن بالله واليوم الأخر، مستغلا أهواء الفرد ورغباته الجنسية ومصادر رزقه ودخله للمصالح السياسية والاقتصادية ، فمن السيناريوهات التي انبثقت من الحوار ، معتقد الملائكة بنات الله ، ففي القرن السادس الميلادي قاد الفكر الوثني المكي اكبر تحالف ديني شمل كافة الاعتقادات والديانات التي انبثقت من الحوار، سمي بحلف مكة بزعامة رأسمالية ، ونظرا للمكاسب السياسية والاقتصادية التي تحصل عليها الطبقة الرأسمالية من خرافات وأساطير دين الآباء ، توجه التنزيل لتفكيك عبادة الملائكة بنات الرحمن قال الله وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسالون ، يسالون ، سيخضعون للمسائلة الاخروية
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ{19}
جعل المشركون لله جزء من عباده ، والجزء يعني شراكة مع الخالق ، وكل جزء يشير الى اسم للاستدلال على الشراكة ، كالرحمن استعان به الفكر الوثني المكي للاستدلال على بناته ، ولما تعذر عليه إثبات الملائكة بنات الرحمن أصيبت القاعدة الجماهيرية بالذهول ، فطفا على ساحة الصراع الفكري والعقائدي مفاهيم جديدة تتقاطع مع تراث الآباء ، ولكي يحافظ التحالف المكي على الموروث التاريخي ميثولوجيا الملائكة بنات الرحمن ادعى ان عبادتهن ليس من أشاءتنا إنما من اشاءة الرحمن ، قال الله وقالوا اي المشركون لو شاء الرحمن ما عبدناهم ، بمعنى هي اشاءة الرحمن اقتضت عبادة بناته ، ما لهم بذلك من علم ، ان هم إلا يخرصون ، يخرصون يلجمون القاعدة الجماهيرية لمنعها من إنكار بنات الله
وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ{20}
جعل الفكر الوثني المكي مجتمعه يعيش في دوغمائية تاريخية وتراثية ، ولما وصلت إليه الحقيقة التي تتقاطع مع التاريخ والتراث ، أنكرها جملة وتفصيلا ، هذا يعني ان اللاوعي المجتمعي مطلوب لكي يبقى خاضعا لأيديولوجيا المصالح السياسية والاقتصادية ، ولما نسب الفكر الوثني المكي عبادة الملائكة بنات الرحمن الى الله ، بقولهم لو شاء الرحمن ما عبدناهم ، طلب الله منهم الدليل المادي الكتابي ، الذي يؤكد على صدق ادعائهم قائلا ، أم أتيناهم كتابا من قبله ، أي من قبل القران ، لان الوثنية تعول اعتقاداتها على التاريخ والتراث ، فهم به مستمسكون
أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ{21}
لو أجرينا مسح ميداني لمجتمع يسمح بممارسة الحريات الدينية دون قيود ، سنلاحظ وجود توافق سياسي بين المكونات وتعايش سلمي بين الديانات ، نطلق على تلك التركيبية الديموغرافية امة واحدة ، وتعني امة القطب الواحد دون نظير معارض ، فالقطبية الواحدة ستفرض إرادتها السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية على المجتمع دون منافس ، في القرن السادس الميلادي امتاز التحالف الوثني المكي بركائز اقتصادية وسياسية وعسكرية ، لها صدى واسع على المستوى الإقليمي ،ولكي يحافظ عليه ، استغل اللاوعي الديموغرافي لتعزيز نفوذه السلطوي ، معتمدا على امة دين الآباء لتوحيد الصفوف حول عقيدة الملائكة بنات الرحمن ، قال الله بل قالوا أي ، المشركون أنا وجدنا آباءنا على امة ، وأنا على آثارهم مهتدون
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ{22}
تمكن التحالف الوثني المكي الرأسمالي ، من تحشيد القاعدة الجماهيرية التي يرتكز عليها سياسيا واقتصاديا للتصدي لدعوة الحق ، مستقطبا أصحاب الأهواء والرغبات الدنيوية ، ومهددا شرائح المجتمع وطبقاته بمنع المؤمنين منهم بممارسة أنشطتهم اليومية ، لان إيمانهم بالله واليوم الأخر سيضر بمصالحهم الاقتصادية ، وعلى مر التاريخ والعصور تتصدر الطبقة الرأسمالية مشهد المعارضة لدعواه الأنبياء والرسل ، مستغلة اللاوعي الديموغرافي ، وأمة دين الآباء لمراكمة رأس المال ، قال الله وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير، إلا قال مترفوها الطبقة الرأسمالية ، أنا وجدنا آباءنا على امة ، وأنا على آثارهم مقتدون
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ{23}
تشابهت قلوب الأولين والآخرين ، كأنها توصيات متواترة عبر الزمن ، ولقد تبنت الطبقة الرأسمالية عبر التاريخ زعامة التحالفات السلطوية متصدية لدعوات الأنبياء والرسل بكل ما لديها من وسائل فكرية وثقافية ، وبدعم وتوجيه سياسي من الطبقة الرأسمالية المكية ، دعت الجمهور المكي الى تعظيم تراث ودين الآباء ، والكفر بما جاء به محمد ، كوسيلة فاعلة لتوحيد الصفوف ، قال محمد ولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم ، قالوا أي الرأسماليين إنا بما أرسلتم به كافرون ، فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ{24} فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ{25}