انتهاكات الذكاء الاصطناعي لخصوصية البيانات الشخصية والسياسية، من حوارنا -كأن الذكاء الاصطناعي هو الكأس المقدسة-، مع الرفيق رزكار عقراوي – بؤرة ضوء – الحلقة الخامسة
فاطمة الفلاحي
2025 / 6 / 11 - 22:14
اليوم، ينتشر الذكاء الاصطناعي في كل نواحي الحياة، وعلى وجه الخصوص في هواتفنا وتطبيقات الجوال، ماذا لو قام بانتهاكات البيانات الشخصية والسياسية وقام بــــ:
1. نشر معلومات مضللة عن البيانات الشخصية والسياسية.
2. يعمل على اضعاف مهارات التفكير النقدي والاستقصائي لدى الأفراد في البحث عن تلك المعلومات المضللة.مما يؤثر على شفافية المعلومات.
3. ويقوم بتقديم رؤية غير متوازنة أو مضللة وغير منحازة للحقائق.
من سيحاسب الذكاء الاصطناعي على انتهاكاته الكثيرة؟
يجيبنا مشكورا الرفيق رزكار عقراوي عن سؤالنا أدناه:
5. كيف للعالم أن يحاكم أو يحاسب الذكاء الاصطناعي في حال كثرت انتهاكاته القانونية والأخلاقية لخصوصية البيانات الشخصية والسياسية ؟
سؤال بالغ الاهمية ودقيق جدا، ويمس جوهر الاشكالية التي طرحتها في كتابي حول الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، وهي ان الذكاء الاصطناعي ليس كيانا مستقلا يمكن محاكمته او مساءلته، حيث هو نتاج منظومة سياسية واقتصادية وفكرية، تحديدا المنظومة الرأسمالية الرقمية التي تستند الى الملكية الخاصة والهيمنة الطبقية، وتسخير التكنولوجيا لخدمة من يملكون السلطة ورأس المال. لا يمكن فصله عن علاقات الانتاج والسيطرة التي تشكله، اذ تمارس هذه المنظومة استحواذا كاملا على المعرفة والبيانات والقرارات التقنية.
الانتهاكات المتكررة التي تطال الخصوصية والبيانات الشخصية وحق الرأي والتعبير، خصوصا تلك المرتبطة بالنشاط السياسي والفكري، ليست استثناءات، بل تعبير مباشر عن البنية العميقة لهذه الأنظمة الرأسمالية والاستبدادية، التي طورت أصلا لتعظيم الأرباح وتعزيز السيطرة والهيمنة. لذلك، فإن محاسبة الذكاء الاصطناعي لا تمر عبر نقده التقني أو إدانة تجاوزاته فحسب، وانما عبر مساءلة من يصممه ويديره ويستثمره في القمع والمراقبة والتوجيه، أي مساءلة الشركات الاحتكارية والدول الكبرى والاستبدادية المتحالفة معها.
لقد تحول الانترنت، في ظل الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، إلى معمل ضخم يعمل 24 ساعة دون توقف، ليس بقوة العمل المأجور المباشر، بل عبر نشاط طوعي غير مدفوع الأجر، يقوم به مليارات المستخدمين والمستخدمات يوميا من خلال النقر، التفاعل، التصفح، التحميل، والمراسلات. كل حركة، كل صورة، كل تعليق، تتحول الى بيانات خام تجمع وتحلل وتحوّل الى سلعة، تستخدم في الاستهداف الإعلاني، تشكيل القناعات، التلاعب بالرأي العام، غسل الوعي الجماهيري، وكذلك لمختلف الأغراض السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والامنية. وتعيد خوارزميات الذكاء الاصطناعي انتاج هذا الاستغلال عبر استخراج الأنماط السلوكية والانفعالية من البيانات الشخصية، لتستخدم لاحقا. وهكذا تتحول خصوصيات البشر الى موارد ربحية تباع وتشترى، وتستخدم كأدوات رقابة وتحكم سياسي واقتصادي وفكري، تمسك بها الدولة والشركات الرأسمالية الكبرى معا.
ومن خلال استخدامنا اليومي للمنصات الرقمية المجانية، نقوم بإنتاج محتواها، تدريب خوارزمياتها، وجعلها أكثر ذكاء وربحية، دون أي مقابل. لم يعد استغلال العمل محصورا في المصنع أو المكتب أو المزارع، وانما انتقل الى فضاءات الحياة اليومية ذاتها، حيث تعمل الجماهير بشكل لا مرئي ولصالح رأسمال لا يرى. هذا الاستغلال الرقمي الطوعي هو أحد أخطر اشكال السيطرة الرأسمالية المعاصرة، لأنه يعتمد على - الاندماج الطوعي - الناعم في نمط حياة رقمي، يجعل من كل مستخدم ومستخدمة، وبدون وعي، عاملا في مصنع بيانات ضخم يدر المليارات، مقابل انعدام كامل للحقوق والملكية والمحاسبة، في ظل ضعف كبير، بل شبه تام، في الشفافية.
في هذا السياق، لا يمكن لأي مساءلة جدية ان تنجز دون تشريع قوانين دولية ومحلية صارمة، تفرض علنية وشفافية كاملة على آليات جمع البيانات واستخدامها وتحليلها، وتمنع بشكل قاطع توظيف الذكاء الاصطناعي في الرقابة السياسية والقمع، التمييز بمختلف اشكاله، أو تصنيف البشر وفق معايير رأسمالية نفعية. هذه القوانين لا تنتج من فوق، بل يجب ان تناضل من اجلها الحركات والتنظيمات اليسارية والتقدمية والحقوقية، المؤمنة بقيم التحرر والمساواة. اضافة الى ذلك، نحتاج الى ضوابط مجتمعية ديمقراطية ورقابة شعبية حقيقية، تضع استخدام الذكاء الاصطناعي تحت اشراف جماهيري، من خلال لجان جماهيرية مستقلة، جمعيات مدنية وحقوقية، نقابات، وتنظيمات سياسية تقدمية. لا يجب ان يبقى القرار التقني الرقمي حكرا على الدول الكبرى و النخب الرأسمالية المرتبطة بمراكز النفوذ، بل يجب ان يخضع لتقييم ومساءلة من التنظيمات الاجتماعية التي تمثل مصالح شغيلات وشغيلة اليد والفكر.
لا تكفي الشعارات حول اخلاقيات الذكاء الاصطناعي، لأن الاخلاق حين تفصل عن السياسة والعدالة الطبقية، تتحول الى ديكور تجميلي لآلة قمعية. المطلوب هو شفافية حقيقية، وملكية ديمقراطية للخوارزميات، وحق المجتمعات في تقرير مصير أدوات الذكاء الاصطناعي. اذن، لا معنى لمحاسبة الذكاء الاصطناعي ما لم تقترن بمعركة من أجل قوانين عادلة، وضوابط مجتمعية، وملكية جماعية للتقنيات. وارى ذلك ضرورة نضالية راهنة توازي في أهميتها النضال من اجل الحق في السكن والعمل والصحة والتعليم وغيرها. انها جزء مهم من الصراع الطبقي الذي انتقل اليوم الى ساحة جديدة، وهي ساحة الخوارزميات.
انتظرونا في الحلقة السادسة