أعياد دينية وأحزاب يسارية
قاسم علي فنجان
2025 / 6 / 7 - 22:14
اغلب الأعياد التي توجد في العالم هي أعياد ذات طابع ديني، أو لنقل ان منشأها ديني، قليلة جدا ونادرة تلك المناسبات ذات الطابع الإنساني العام، مثل الأول من أيار او الثامن مارس، في هذه الأعياد الانسانية لا تتواصل الناس بتقديم التهاني والتمنيات بينهم، خصوصا في هذه المنطقة من العالم، حتى على مستوى الشيوعيين والتقدميين، وكأن التهاني امر مخجل بمثل مناسبات كهذه، بينما تغرق مواقع التواصل الاجتماعي بالتهاني والتبريكات بالأعياد الدينية.
المشكلة لا تكمن هنا، فهذه التهاني بين الناس في الأعياد الدينية باتت "امر طبيعي"، وعلى حد تعبير ادم سميث في كتابه "المشاعر الأخلاقية" يقول: "أن تبدو غير مكترث أو مشارك بالسعادة التي يشعر بها اقرانك، فهذا يعني أنك غير مؤدب البتة"؛ لهذا فحتما من يرسل لك "كل عام وانت بخير" ترد عليه بمثلها، او إذا كتب أحدهم على صفحته الشخصية مهنئاً اصدقاؤه بالعيد، فيجب ان مشاركته التهاني،، فأهم شيء لدى الانسان ان لا يكون عاجزا عن التعاطف ومشاركة الاخرين افراحهم واحزانهم.
نقول ان المشكلة لا تكمن بمشاركة الناس مشاعرهم، المشكلة عندما تقوم أحزاب يسارية وشيوعية بفتح مقراتها وجلوس قياداتها لتبادل التهاني بهذه المناسبات الدينية، وهذه الممارسة صارت او تحولت الى تقليد عند تلك الأحزاب، وأعضاء هذه الأحزاب ينشرون الصور عبر مواقع التواصل فرحين بهذه المناسبات والاعياد، لا يعرفون انهم يساهمون الى حد بعيد بإعادة انتاج تلك المناسبات وتقويتها داخل المجتمع.
لو ان الأحزاب والقوى الليبرالية هي من تقعل ذلك لكان الامر فيه اتساق وتناغم الى حد ما، بسبب ان الليبرالية كفكر وممارسة تنسجم مع الرؤى الدينية، فهي "الليبرالية" ترى في الدين "شأن شخصي"، وعبر هذه الكلمة المضللة تمرر كل الممارسات الدينية، وتؤكد على احترام تلك الممارسات؛ فمثلا الدين عند منظر الليبرالية "جون رولز" يؤخذ على المستوى التفسيري وليس على المستوى الدلالي، ومن هنا تنطلق الليبرالية من المحافظة على قيم الدين، وتحاول قدر الإمكان استخدام استراتيجية "دمج الدين في المجال العام"؛ أي "الشأن الشخصي" يصبح "مجالا عاما".
الأحزاب الشيوعية تلك لم تستطع فصل فهمها السياسي للدين عن الفهم الليبرالي، وكأنها اندمجت به، أو لنقل بشكل أوضح انها تبنت الطرح الليبرالي وانسجمت وتماهت معه، فما الذي يعنيه ان سكرتير حزب شيوعي "س"، يجلس مع قيادات الحزب من الصف الاول، داخل مقر الحزب، في صباح اول أيام العيد الديني، ليستقبل المهنئين ويتبادل التهاني بهذا العيد؟ فقط ليقول للناس واعضاؤه ان "حزبنا الشيوعي" يحترم القناعات الدينية!!!!!
هذه الممارسات خاطئة جدا، انها تزيد من عزلة تلك الأحزاب عن المجتمع، وتزرع القلق والحيرة داخل أعضاء الحزب الجدد والصغار في العمر، فضلا عن انها لن تقنع ابدا الجمهور الديني بهذه الممارسة.
فرد شيوعي ما يقول او ينشر تهنئة بمناسبة عيد ديني، ذلك امر يمكن التغاضي عنه، مع انه يجب على الأحزاب الشيوعية اقناع أعضاؤها بان الدين واعياده وممارساته لا تمت بصلة للحركة الشيوعية، بل انه -الدين- النقيض التام للشيوعية، انه أحد اهم أسلحة الطبقة المسيطرة.
حقيقة لا نعرف ما حل بعبارات "نقد الدين هو الشرط الممهد لكل نقد" او "الدين افيون الشعب"، او "ان الماركسية هي المادية، وبما انها كذلك، فهي معادية للدين بقسوة لا رحمة فيها، تماما مثلما كانت مادية موسوعيي القرن الثامن عشر او مادية فيورباخ، هذه قضية لا يرقى اليها الشك".
مع انها عبارات واضحة وصريحة وحادة جدا، لا تهادن او تناور ابدا، لكن تم نسيانها واستعيض عنها بعبارات "الدين شأن شخصي" او "الدين قضية حساسة"... الخ من ترهات الأحزاب الشيوعية الحالية.