حثالة الشيوعيه تمقرط المحاصصه/3
عبدالامير الركابي
2025 / 6 / 3 - 16:14
ـ النطقية العظمى المؤجله:
كان المدى مابين اوائل العشرينات ونهاية الخمسينات، هو الطور الاخير من البرانيه المدعومه بقوة من الخارج، بعدما تغيرت نوعا باعتبارها غربية محل الدول البرانيه الشرقية التي استمرت تتعاقب على حكم عاصمة الدورة الثانيه المنهارة، من هولاكو حتى نهاية الاحتلال التركي العثماني عام 1917، والفارق الاهم بين الاثنين كون الاخير هو نمطية احتلالية آليه لا يدوية مثل ماقد سبقها، تمتازعن الاولى بالنموذجية الكيانيه "الوطنيه" و "القوميه" على اعتبارها اعلى اشكال الكيانيه بصيغتها الراهنه الانقلابية الحداثية، مع اهم خاصياتها المدنيه والليبراليه الديمقراطية المفترضة، والمثال المرتجى الغالب على مستوى المعمورة.
والاهم في الانتقالية المنوه عنها انها لم تترافق مع الضروري تاريخيا في حينه مع الادراكية الذاتيه، ماقد اخر ولادة "العراق" ككينونة، اي كهوية متصلة بالبنيه التاريخيه الخاصة والاستثنائية، وحين اسقطت المروية "الحديثة" الويرلندية على الموضع المعروف اليوم بالعراق، فانها لم تصبح معتمدة ومقبوله من اولئك الذين شكلوا مادة ماعرف بالدولة البرانيه من "اهل البلاد" الخاضعين لحكم البرانيه المستجده لوحدهم، بل وشمل الاقرار البديهي بالعراق كما صوره الانكليز نشاة وتشكلا، كل من نطق باسم العراق، ومن تصدى لممارسة التعبيرعنه، بادعاء " الوطنيه" بدلالة كون التيارات والافكار التي احتلت مكان الصدارة في حينه، كانت بالاحرى افكارا مستعارة من الغرب، سواء الليبرالية منها، او القومية، او الماركسية، التي تحل النموذجية الاوربية الحديثة في ارضها من خارجها، ناقلة مسارا ونمطية ومقومات تاريخ اخر وبنية يتم اسقاطها توهما على موضع يبقى من دون وجود، وبلا مروية عنه وعن تاريخه وحاضره، فيظل يعيش الزمن البراني الالي الحداثي الاوربي الى الساعة، في حال وجود بلا ولادة، ماتزال لم تحدث، بانتظار النطقية العظمى المضمرة في الكينونه البدئية الرافدينه الاصل، ومنطلق التبلور المجتمعي المنطوية على مضمره.
ولا يتاخر حضور العراق خارج الديناميات العالمية الراهنه، وفي مقدمها الانقلاب الالي الحاصل والواقع ابتداء في الغرب، بل العكس هو الصحيح، فالنطقية العراقية هي نطقية كونيه مرهونه بالانقلاب الالي بصيغته الاعلى المكتملة، والانتقال من اليدوية لايكتمل الا مع انبثاقها، في حين يظل الحضور الغربي الابتدائي الالي، مجرد مقدمه هامة، ومحطة لازمه وتحضيرية مشحونه بنكهة ومتبقيات اليدوية واثارها وايهاميتها الثقيلة، الباقية بانتظار الانقلاب التكنولوجي الاعلى العقلي، المنتهى، والذي هو الحاكم الاخذ بالانتقالة الاليه الى غايتها، الامر المرهون باللاارضوية الرافدينيه، وبالازدواج الاصطراعي التاريخي المجتمعي الارضوي اللاارضوي، المقابل الاعلى للازدواجية الاوربية الطبقية، واصطراعيتها التاريخيه الادنى، المحدودة بحدود الارضوية غير القابلة، ولا المؤهلة للاانتقال بالمجتمعات البشرية الى الطور الثاني، مابعد اليدوي من تاريخ المجتمعات، ونوع وجودها الحياتي ومآلاتها.
مع الالة وبداياتها يقترب الكائن البشر ي من الانتقال العقلي بعد تاريخ طويل ابتدائي ظل محكوما للجسدية بحكم نوع الانتاجية اليدوي، مع مايرافق ويتصل به من اشكال ومستويات الادراكية العقلية للوجود وللتاريخ ومساره، مع الاقتناع الراسخ النهائي بماهو معاش وحاصل على انه المنتهى والغاية الوجودية النهائية، الامر الذي يظل مستمرا يتحكم بالوعي وبنظرة البشر للمتغير الالي بصيغته الاولى الابتدائية المصنعية، فلا يحدث ماهو واجب وضروري في لحظته من انتقال من المنظور اليدوي الى الالي ومتغيراته ونمطيته "الاخرى" الموافقه لطبيعته، مع الادوات والاسباب الضرورية اللازمه، يساعد على مثل هذا القصور الخطر، كون العقل اليدوي يظل وقد ظل على مدى تاريخه الطويل، قاصرا عن ادراك مابعدة وماتوجد الظاهرة المجتمعية مهياة ومصممة للذهاب اليه، وعلى وجه التحديد وبالذات، اكتشاف الازدواج المجتمعي ومنطوياته، ومايفرضة من اقتراب من ظاهرة اللامجتمعية التي تظل خارج النطقية، لا فقط خلال غلبة اليدوية ومجتمعيتها الجسدوية، بل وخلال المراحل الاولى التي مرت الى الان على البشرية من تاريخ التشكلية الاليه، الامر المرهون للنطقية الرافدينه مابين النهرينيه، وانتباهتها الراهنه المنتظرة، حين تنقلب الرؤية البشرية كونيا، وتتبدل دلالات ومعاني الانقلابيه الحاصلة منذ بدايات الالة وانبجاسها حتى الساعه.
توجد الظاهرة المجتمعية لاارضوية ذاهبة الى العقلية، والى مغادرة الجسدية والكوكب الارضي، لكنهاغير قادرة على التحقق انيا لقصور ونقص يرافق بدايات تشكلها، مادي يتعلق بوسيلة الانتاج الضرورية، وعقلي مرهون لتجاوز الكائن البشري قصوريته الابتدائية، وهو مايتوافق مع الطور اليدوي الانتاجي من تاريخ الظاهرة المجتمعية، مع مايتيحه من ممكنات مادية وعقلية، وهكذا تاخذ العملية التاريخيه الانتقالية، من الجسدية اليدوية، الى العقلية، ملامحها بحيث يكون تاريخ المجتمعية هو تاريخ الانتقال الى مابعد مجتمعية يدوية جسدية، متفاعلة مع الكينونه البشرية الازدواجية ( عقل/ جسد)، ذهابا الى ماهو مقرر للمجتمعات كمنتهى لمرحلة من الوجود الانتقالي مابين الحيوان والانسان، فالكائن الارضوي الجسدي اليدوي، هو حالة انتقالية بين محطتين بصفته "الانسايوان" المسمى اعتباطا ب " الانسان"، والذي هو غرض وغاية الوجود المجتمعي الراهن، وهو ماتحكمه خريطة تباينات المجتمعية وانواعها النمطية التي تقررها العلاقة التفاعلية بين البيئة والكائن البشري، تبدا استهلالا باللاارضوية السومرية التي تظل غير مدركة، خارج القدرة العقلية البشرية القاصرة وقتها على استيعاب الحقيقة المجتمعية وجوهرها.
نحن اذن امام وفي غمرة حالة انقلابيه عظمى بين زمنين وطورين، يشبهان الانتقال من " الصيد وللقاط"، الى "التجمع وانتاج الغذاء"، مع مايعنه انقلاب طوري كهذا من موجبات ومتغيرات كبرى شامله، لاماديا وحسب، بل وبالدرجة الاولى الاساس على مستوى الادراكية، وفي مجال انتهاء القصورية العقلية التي ظلت ملازمه للعقل البشري ومازالت، بالاخص وبالذات ابان الفترة المتاخرة المارة الى الان، من لحظة الانتقال مابين اليدوية والالية، اي الجسدية العقلية، في الوقت الذي تعرف فية المتغيرات الاليه المجتمعية تحولها الاعلى، وتبدا التكنولوجيا العليا، والانتاجية العقلية بالحضور تمهيدا لحلولها محل الانتاجية الجسدية اليدوية ومابعد اليدوية العابره الحالية.
وتبقى الناحية الفاصلة الادراكية على مستوى وعي اللحظة وتشخيصها، ووضع العالم تصوريا امام ماهو مقبل عليه وصار في غمرته، مرهونه بالمنطلق النوعي اللاارضوي الاول، ارض مابين النهرين، الواجب اعادة قراءة كينونتها وتاريخها الراهن في دورتها الانبعاثية النطقية الثالثة الحالية، بما يتناسب مع حقيقتها ومغزى بنيتها، ونمطيتها البدئية، بما هي، لابما قد عرفت من قبل العقل القاصر، ذهابا الى اليوم، مايقتضي اعادة قراءة التاريخ المشار اليه من زاوية، وعلى وفق المنظور اللاارضوي، وهو ماسيكون مجال متابعتنا التفصيلية في الحلقة القادمه.
ـ يتبع ـ