حثالة الشيوعيه تمقرط المحاصصه/2


عبدالامير الركابي
2025 / 6 / 1 - 15:31     

وفي سياق الاستبدال واحكامه المضمرة، جرى الانتقال الى الحقبة الثانيه الانتظارية النجفية كرد على ماقد تضخم لدى "ال شبيب" من نزوع سلطوي تبدى باعلى اشكاله في غمرة الثورة الثلاثية 1787 ،عندما جرت المطالبه بولاية " ثويني العبدالله" قائد الثورة وشيخ مشايخ المنتفك لبغداد، لانه "الاسد الذي يؤمن الطرق ويحميها من العجم" كما ورد في المضبطة التي وجهها وقتها للباب العالي، المجتمعون في البصرة التي احتلت من قبل الثوار مع الاعيان ووجهاء المدينه، الامر الذي حفز النزوع اللاارضوي وقتها، لتحل ظاهرة الانقلاب الى التشيع كما ينوه لذلك ابن سند مؤرخ داود باشا في حينه، لافتا الانتباه لتعاظم ظاهرة الانقلاب المذهبي بين عشائر الجنوب، تسلحا بمبدا الانتظارية التي تحرم الدولة في ظل الغيبه، ما قد اضعف وخلخل القائم من سلطة ال شبيب.
وليس الحاصل في حينه خارج مبدا الاستبدال في زمن اللانطقية، وهو ماقد دلت عليه ظاهرة الشيوعية بعد الاحتلال الانكليزي منذ الثلاثينات انطلاقا من نفس الموضع الذي عرف الانبعاثية الراهنه التاريخيه، ففهد القادم الى الناصرية عند اخيه صاحب معمل الثلج في المدينه، و "فاسيلي" المندوب الروسي الذي يعمل متخفيا كخياط، وشخص مثل غالي الزويد الزنجي من متبقيات ثورة الزنج، الذي كان يعمل في مضايف السعدون "عبدا"، تلاقوا كنواة للفكرة الجاهزه، ماهو الاقرب للموضع الذي زرعت فيه بديلا للقبلية والانتظارية النجفية، وبعد محاولات فاشله في العاصمة بغداد، وجد في اكثر المواضع " تخلفا"، الاساس لدولة لادولة، مقابل الدولة المركبة من الخارج، فالبعث هو الاخر جرت محاولات لتاسيسه في بغداد من دون جدوى، الى ان اقدم فؤاد الركابي في الناصرية على عملية التأسيس هناك، وهما الحزبان الاهم، والاكثر فعالية، وبالمقدمه منهما سليل كوراجينا وحمدان قرمط، الاعلى تمثيلا للتحول المجتمعي من الطبقي الاوربي المستعار اليوم لاسباب موضوعيه، لدرجة تعدي حضوره حتى حضور "الدين" الذي سيضطر لاصدار فتاوى التكفير ضد الزخم الهائل اللاارضوي واقعا، والذي لاعلاقة له واقعا وديناميات، بالطبقية والماركسية اللينينية بلل بالارثر التاريخي وتكوين المكان ونمطيته، وقد حضرت لتمنحه فرصة يقظة عملية فرضتها ظروف الاصطراعية مع الغرب بصيغته الافنائية "الوطنيه" المفبركة برانيا، والمركبة من اعلى بالضد من كينونة المكان وطبيعته المتعدية للكيانيه المحلوية "الوطنيه".
في العراق من دون اي مكان اخر، وجدت الشيوعيه مشفوعة بالتمييز بين تيارين متشبهه ب " البلشفية" اللينينيه و " المنشفية"" حزب افندية، وضع "فهد" يوسف سلمان يوسف عنه اهم ماقد كتب وقتها تحت عنوان "حزب شيوعي لااشتراكية ديمقراطية"، اي حزب لاارضوي وحزب اخر في الاعلى ارضوي براني، لم تشمله عملية التشكل الانبعاثي الصاعدة من اسفل بعد، وقد انتقل من الصيغة الاولى البرانيه الشرقية اليدوية، الى الاحتلالية الالية الانكليزيه ونموذجها الكياني. وماقد فعله "فهد" في حينه، كان عين الرضوخ لموجبات الاستبدال اللاارضوي الخارج عن ادراكيته هو نفسه، وهو دالة على تعدي حضور الكينونه البنيوية التاريخيه اللاارضوية العائدة للبنيه والتكوين المتجاوز لكل اشكال الارضوية، بمافيها اعلى اشكالها الطبقية الماركسية، بصفتها مجتمعية خارج الملكية الخاصة، والتميز السلطوي والدولة، مشاعية مساواتية، فيها عرفت على يد كوراجينا لاول مرة في التاريخ البشري كلمة ( حرية / امارجي) وحقوق المستضعفين، وكل حقوق الانسان التي يتغنى بها العالم اليوم، تاريخانيه كينونه، تبقى حاضرة غير ناطقة على مر تاريخ الموضع المعروف بالعراق في ارض السواد خلال الدورات، الاولى السومرية البابلية الابراهيمية، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، وبعد القرن السادس عشر اليوم، لاكما يبشر ماركس طبقيا بالعودة على بدء غير موكد من "شيوعيه بدائية" الى "شيوعية عليا"، هي المرحلة الخامسة من التاريخ الذي يقرره في ماديته التاريخيه التوهمية، المقترنه بلحظة من الانتقال الآلي واحتداميته الطبقية المصنعية، قبل الانتقال الى التكنولوجيا الانتاجية ومابعدها.
لقد وجدت اللاارضوية لحظتها الاداة والوسيله الماضية المضادة للافنائية الكيانيه الغربية المسلطة بالقوة والاكراه، خارج النصاب المجتمعي والتشكلية التاريخيه، مع اقامة الدولة البرانيه، والمروية الويرلندية المزيفة عن التشكلية الحديثة البرانيه، الموضوعه في حينه لتبرير اقامة دولة هي وسيله لاستمرار الهيمنه البريطانيه، وواجهه "من اهل البلاد" لازمه بعد نوع الرد المجتمعي اللاارضوي غير الناطق في حزيران 1920، والذي كاد يدفع بالقوات الانكليزيه للانسحاب، وهو ماجرى التحضير له وتهيئة اسبابه، لولا استداركية اللحظة الاخيرة بالقول في لندن في اجتماع لوزراة المستمعمرات، ان هناك "امل بنسبة خمسين بالمئة" اذا اقيمت دولة من " اهل البلاد تكون واجهه لاستمرار النفوذ البريطاني في العراق".
وتبقى المعضلة الاكبر في التاريخ العراقي والحديث منه على وجه التعيين، تعذر النطقية، والعجز عن وعي الذاتيه التاريخيه، والهوية البنيوية، ومنها اليوم وفي السياق الحاضر والمعتمد في لحظته خارج الحقيقة الذاتيه، الجهل بما خص التشكلية الاصطراعية مع البرانيه باعتبارها الخاصية الرئيسية لتاريخ العراق الحديث، ابتداء من سقوط بغداد عام 1258 وتحول عاصمة الامبراطورية المنهارة الى مركز تعاقبي تتابعي للدول واشباه الامبراطوريات المختلفة اليدوية، اخرها العثماني، والذي انبعثت خلاله الكينونه اللاارضوية في القرن السادس عشر، لتنشا من يومها حالة اصطراع مع البرانيه، سجلت 150 انتفاضة وصدام مسلح معه خلال الفترة من القرن السادس عشر الى العقد الثاني من القرن العشرين، مع الحملة البريطانيه الصاعدة من الفاو الى عاصمة الامبراطورية المنهارة، ليبدا من يومها تاريخ الاصطراع مع البرانيه الالية الحديثة بوسائل استبدالية من نوعها، مستعاره من ترسانتها للاستعمال ضدها، وهو ماقد منح عملية التشكل الحديث مجالا اوسع للتمدد اثرا وفعالية، بالصعود الى اعلى باسم الكيانيه الوطنيه الماخوذه بالديناميات الجنوبيه اللاارضوية، وماقد عرفه العراق من احتدامية هائلة، غمرت الفترة بين الثلاثينات والثورة التموزية عام 1958 غير الناطقة هي الاخرى، اضرابات عمالية بالمئات، وانتفاضات ريفية فلاحية، وانتفاضات شعبيه كبرى، وانقلابات عسكرية من عام 1936، هي الافتتاح والباكورة لظاهر الانقلابات العسكرية التي عرفها لاحقا العالم الثالث، وصولا الى سحق واكل الدولة البرانيه ورموزها في الشوارع، واقتلاعها الكلي الشامل سلطويا حكوميا ومجتمعيا يوم 14 تموز، بعدما عاشت تاريخها بلا لاسيطرة فعلية ، تتوهم حكم بلاد هي خارج ممكناتها، ومن المستحيل مقاربة نوعها وحقيقة منطوياتها البنيويه.
ـ يتبع ـ