(مَسَلَّةُ الشَّوْقِ)


سعد محمد مهدي غلام
2025 / 5 / 17 - 14:02     

1
وَجَدْتُكِ في نُصوصِ الحنين،
مَسَلَّةً نَبَطِيَّةً،
تُزاحِمُها نُقوشُ الأَشْواقِ،
وتَهْطِلُ من عَيْنَيْكِ دُرُوبٌ من نارٍ وَدَمْعٍ.
2
تَتَراصُّ الأَسْرَارُ فِي صَدْرِي،
وَبَيْنَ المَفَاتِيحِ، وَغَضَبِ الكَشْفِ،
أَتَشَظَّى كَصَخْرَةٍ ضُرِبَتْ فِي مِصْهَرِ الحَتْمِ.
3
يَشُدُّنِي خَطُّ المُسْنَدِ البَعِيدِ،
وَيُبْعِدُنِي طَلْسَمٌ يُحِيكُ السِّرَّ فِي مَرْمَرَةِ النَّقْشِ.
4
يَجْتَاحُ السَّيْلُ كُلَّ شَيْءٍ،
وَيَتَوَقَّفُ الزَّبَدُ عِندَ عَرْشِكِ،
المُثَبَّتِ فِي الفُؤَادِ، كَأَنَّهُ قَارَّةٌ قَدِيمَةٌ.
5
[وَإِنِ انْكَسَرَتْ خُطَايَ بِزَحْمَةِ العُمْرِ،
فَإِنِّي عِندَ نَاصِيَةِ الحَنِينِ أُقِيمْ
سَيَمَلُّنِي الزَّمَانُ، وَلَسْتُ أَمَلَّهُ،
فَصَبْرِي مَاؤُهُ لا يَنْثَنِي أو يَسِيمْ]

6

[قَدْ يَكُونُ جُنُونَ عَاشِقْ
لَكِنِّي أَسْكُبُ الشَّوْقَ نَخِيلًا
وَأُسَمِّي نَبْضَ قَلْبِي
غُصْنَ وَرْدٍ يَسْتَضِيءْ]
7
يَتَسَرَّبُ لِسَمْعِي زَفِيرُ الصُّعُودِ،
وَصَرِيرُ الحُرُوفِ،
كَأَنَّ الأَزْمِيلَ تَعِبٌ،
وَالأَصَابِعَ أَكَلَتْهَا أَعْوَامُ الحَفْرِ.

8
رُمُوشِي فُرْشَاةٌ تَكْنُسُ عَزِيفَ الرِّيَاحِ،
وَالهَمْسُ كَالرَّمْلِ،
وَالظِّنُّ يُحْرَقُ فِي جَمْرِ الرَّمَادِ،
وَيَظَلُّ الجَمْرُ مُتَّقِدًا.
9
كَانَ ذَاكَ الصَّدَى أُغْنِيَةً،
بِصَوْتِ امْرِئِ القَيْسِ يُنَاجِي سُلَيْمَى،
تُعْقَرُ نَاقَتُهُ فِي بَوَادِي الحنين،
وَيَذُوبُ صَوْتُهُ فِي مِرْجَلِ الوَجْدِ.
10
عَنِيزَةُ تَدُسُّ لِسَانَهَا فِي المَوْقِدِ،
لِيَنْضُجَ وَجْدُهُ وَيَصْلُحَ لِلْبَوْحِ،
تَرْفَعُ سُتُورَ الهُودَجِ،
فَتُشْرِقُ شَمْسٌ فِي لَيْلٍ دَامِسٍ.

11
يَفْتِكُ صَدَأُ الشِّعْرِ بِحَنَاجِرِ القَوَافِي،
وَتَنْدَلِقُ أَنْفَاسُ العَذَارَى،
قَوَارِيرَ تَفُوحُ بِأَشْوَاقِهَا،
كَعِطْرٍ يَهِيمُ فِي الأَسْحَارِ.
12
أَحْصُدُ عِفَّةَ العُشْبِ،
فَتُعَاتِبُنِي الوَاحَةُ،
تُمْطِرُ قَهْوَةً،
فَتَصِيرُ التُّرْبَةُ غَابَةَ نَدًى وَخُزَامَى.

13
يَشُبُّ البَخُورُ مِنْ جِذْعِ قَلْبِي،
وَيَصَاعَدُ عَبِيرُ الذِّكْرَى،
غَيْمَةً تَزُخُّ العِطْرَ،
فِي مَدَارَاتٍ لَا تَصِلُهَا الرِّيحُ.
14
مَنْ يَعْبَثُ بِالرِّيحِ غَيْرُ الدُّخَانِ؟
وَمَنْ يُفَسِّرُ تَمَوُّجَ الدُّخَانِ غَيْرُ الرِّيحِ؟
مَاءُ الشَّوْقِ يُغْرِقُ نَاظِرِي،
فِي بِحَارِ الإِيْحَاءِ وَالذِّكْرَى.

15
نَعْزِفُ أَسْرَارَ العُمْرِ،
فَيَدُرُّ نَوَالُ الزَّمَنِ،
بِغَزْلِ الذِّكْرَيَاتِ وَخُصَالِ الشُّرُودِ،
نَقْرَأُ وَجُوهًا فِي الصَّخْرِ،
لَكِنَّهَا غَائِبَةٌ عَنِ الأَرْشِيفِ.

16
تَحْتَشِدُ مَعَ مَوْكِبِ البُكَاءِ،
فِي لَفَافَةِ صَبْرٍ،
يُشْعِلُهَا الاِنْتِظَارُ كَمِصْبَاحٍ خَفِيٍّ،
وَيَتَلَفَّعُ الحُلْمُ بِدُخَانِ النَّوَاحِ،
ثُمَّ يَنْطَفِئُ… فَيَبْدَأُ نُورُ الحَرْفِ مِنْ جَدِيدٍ.