السُّفسطائي
قاسم علي فنجان
2025 / 5 / 14 - 02:47
في القرن الثامن ق-ب، اخذت المدن اليونانية شكلها الجديد، مشكلة انطلاقة جديدة لوضع الأسس لبناء الدولة، انتهى عصر الارستقراطيات وحكم زعماء العشائر، صنعوا او ابتكروا "الاكورا" لتطلعهم على شكل جديد للحكم ومناقشة امورهم الحياتية، كان الخطباء هم الذين تسيدوا المشهد، هؤلاء الخطباء هم الاسلاف الحقيقيين لما سمي فيما بعد "السُّفسطائيين"، وحسب ما يقول مراد وهبه في كتابه "قصة الديالكتيك" فأن زينون الايلي "490-430 ق-م" هو الممهد للسُّفسطائيين.
ظهر الكثير من معلمي او محترفي فن السفسطة "بروتاغوراس، بروديكوس وهيبياس"، وقيل ان المعهم كان "جورجياس"، الذي قال بعدم وجود الحقيقة، ويرجع له القول الأشهر "لا يوجد شيء، وإذا وجد فأن الانسان قاصر عن ادراكه، وإذا فرضنا ان انسان أدركه فلن يستطيع اخباره لغيره من الناس"، لهذا فأن البحث عن الحقيقة عبث؛ ومما يروى عن أحد السُّفسطائيين "ديودورس" انه قدم الحجج ليدحض إمكانية الحركة، وقد قدمت هذه الحجج نادرة لطيفة، فقد انخلع كتف ديودورس يوما، وتوجه الى الطبيب ليعالجه، وكان هذا الطبيب يسمع كثيرا عن حجج ديودورس، فأحب ان يمازحه بنفس الأسلوب الذي يستخدمه في الحجج، فقال له مازحا: "اما ان كتفك قد انخلعت من المكان الذي كانت فيه او من المكان الذي لم تكن فيه. والحالتان مستحيلتان. اذن كتفك ليست مخلوعة".
كتب افلاطون محاورة السُّفسطائي وهي احدى امتع المحاورات الفلسفية، عرف فيها بعض أنواع السُّفسطائيين ومفندا بعضا من أراءهم، فهناك خمسة انواع من السُّفسطائيين، الأول هو القناص المأجور الذي يصطاد الشبان الأغنياء، ثم هناك نوع يشبهه افلاطون مثل تاجر يتاجر بالعلم، وآخر كساحر ماهر يعد وسائل الغواية، وهناك ما يسميه افلاطون المصارع في المعارك الكلامية، وأخيرا كبائع يبيع المعارف عينها؛ هذه التعاريف التي ساقها افلاطون في محاورته كانت الركيزة الأساسية في معرفة السُّفسطائيين وتمييزهم.
إذا امنا بنظرية تناسخ الأرواح، وان أرواح الاسلاف الأوليين لأولئك السُّفسطائيين كانت قد انتقلت عبر الاف السنين لتحل اليوم بمجموعة من الكٌتاب في قلعة الحوار المتمدن الغراء، فنستطيع تمييزهم ومعرفتهم بنفس التعاريف التي ساقها افلاطون في محاورته، ولنأخذ مثالا للسُّفسطائي الواضح هو الأستاذ الفاضل نعيم إيليا، ففيه بعض الخصائص والتعريفات التي ذكرها افلاطون في محاورته.
المتابع لمقالات الأستاذ نعيم يرى فيها الكثير من المغالطات والتناقضات، فهو أحد المتهجمين على الماركسية ضمن جوقة ليبرالية، تقوم أفكارهم على هذه المغالطات، وتتوضح اكثر مغالطات الأستاذ نعيم في الحوارات التي يجريها مع بعض الكتاب الماركسيين، فهو يختار مقالة معينة لكاتب ماركسي، ويختار موضوعه معينة من هذه المقالة، ثم يبدأ بنقض هذه الموضوعة، وتبدأ بعدها سلسلة التناقضات، يثبت وينفي، يقبل ويرفض؛ هناك بعض الكتاب الاذكياء يعرفون هذه السفسطة، ويقولون له بالنص الصريح "لماذا تغالطني"؟ او "لماذا تقولني"؟
مثلا، في اخر مقال له، والذي جاء بعنوان مضلل "حقيقة السيد آلان وودز"، في هذه المقال اتعب الأستاذ نعيم نفسه كعادته لاكتشاف ان هناك تناقضا في اراء السيد وودز، وهو يعود لإسلافه السُّفسطائيين بلعبة عدم وجود حقيقة، وان وجدت فلا يمكن ادراكها، وان أدركها أحدهم فلن يستطيع ان يبلغها للناس.
مثال للسفسطة:
نعيم إيليا: للماركسيين شخصية مزدوجة متناقضة
حميد فكري: واضح من هكذا حكم عام مجرد، أنك حسمت أمر النقاش حتى قبل أن تبدأه.
نعيم إيليا: لا ازدواجية أو تناقض.
حميد فكري: أعذرني، فأنا لم أفهم
تقول في التعليق 2
(للماركسيين شخصية مزدوجة متناقضة)
ثم تعود معنونا تعليقك 11
لا ازدواجية أو تناقض.
ماذا يعني هذا؟
نعيم إيليا: حقك علي.
ومثل هذه الحوارات كثير غيرها، خصوصا مع الأستاذ مالوم أبو رغيف، فكانت سفسطة بأوضح اشكالها من الأستاذ نعيم، عموما فأن الأستاذ نعيم لا يبحث عن "الحقيقة" بل عن جدالات ونقاشات ومهاترات، أي النقاش من اجل النقاش فقط، انه سفسطائي من نوع "المصارع في المعارك الكلامية"، الذي حدده افلاطون في المحاورة.
نتمنى على الأستاذ نعيم إيليا موفور الصحة والعافية، وان يمتعنا أكثر بهذه الخربشات السُّفسطائية، ونتمنى عليه ان لا "يزعل" من هذه المقالة، بل ونتمنى ان نكون مخطئين في تشخيصنا وتعريفنا له بالسُّفسطائي".