عيد العمال: صيغة الجمع ومحنة الفرد


خالد علي سليفاني
2025 / 5 / 1 - 18:47     

في الأول من مايو من كل عام، يحتفل العالم بـ"يوم العمال"، اليوم الذي يُفترض أن يكون مناسبة لتكريم أكبر طبقة في المجتمع، تلك التي لا تعرف الراحة ولا تدرك السكون، طبقة العمال الذين تُبنى على أكتافهم معظم الإنجازات الإنسانية. ومع أهمية هذا اليوم، يبقى هناك تساؤل يلوح في الأفق: هل نكرّم هؤلاء العمال فعلاً بما يليق بتضحياتهم؟ أم أن الاحتفال بهم تحوّل إلى مجرد طقس شكلي، لا يتعدى كونه إشارة رمزية بعيدة عن واقعهم المعيشي؟

المفارقة اللغوية: صيغة الجمع... احتفاء أم اختزال؟
من اللافت أن يُطلَق على هذا اليوم اسم "يوم العمال" أو "عيد العمال" بصيغة الجمع، في حين أن أعياد الفئات الأخرى في المجتمع تُسمّى بصيغة المفرد: عيد الأم، عيد المعلم، عيد الأب، عيد الطفل... وحتى حين يُحتفى بالطبيعة، يُقال "عيد الشجرة". وحدهم العمال يُحتفى بهم بصيغة الجمع، وكأن الجمع هنا لا يعبّر فقط عن كثرتهم، بل عن طبقة يُنظَر إليها كمجموعة، لا كأفراد ذوي تميّز.
في هذا الاختلاف اللغوي مفارقة لافتة، بل لعلها تنطوي على تمييز ضمني: فبينما يُحتفى بالآخرين كأفراد ذوي قيمة خاصة، يُكرَّم العمال ككتلة، كفئة اجتماعية، يُغيب فيها التميز الفردي وتُذوَّب فيها الهويات الخاصة.
فهل يعكس هذا الجمع تكريمًا للقوة الجمعية للعمال؟ أم أنه اختزال يحرمهم من الاعتراف بشخصياتهم الفردية؟

احتفال لا يشملهم: حين يُكرَّم العامل بالعرق لا بالورود
المفارقة الأكبر في هذا اليوم أن الجميع يتوقف عن العمل… إلا العمال أنفسهم. هؤلاء الذين يُحتفى بهم، يواصلون العمل تحت شمس لا ترحم، في المزارع والمعامل والمصانع، دون إجازة ولا راحة. بينما يحصل الآخرون -المعلمون والأمهات والآباء- على تقدير يوميهم بالتهنئة والتفرغ، يبقى العمال في الميدان، كأنما يُكرَّمون بعرقهم بدل أن يُحتفَى بهم بحق.

عبر التاريخ: من الظل إلى هامش الخطاب
وإذا عدنا إلى الوراء، نجد أن العمال نادرًا ما كانوا في موقع التقدير. منذ فجر التاريخ، شكّلوا الطبقة التي تعمل في الظل، بعيدًا عن الأنظار والاهتمام، يُنتظر منهم أن ينتجوا بصمت، دون أن تُسلَّط عليهم الأضواء.
ولا يزال هذا المشهد حاضرًا في كثير من دول العالم: حيث لا ينال العامل إلا القليل من الحقوق، ويغيب عن السياسات الجادة، وتبقى الاحتفالات به حبيسة الرموز والشعارات.

اليوم العالمي للعمال: فرصة لا ينبغي أن تُهدر
ورغم كل هذا التناقض، يظل الأول من مايو فرصة ثمينة لإعادة فتح النقاش حول العدالة الاجتماعية، وحقوق العمال، وكرامتهم الإنسانية.
إن هذا اليوم لا يُعد إنجازًا حقيقيًا ما لم يصاحبه تحرك فعلي من الحكومات والمجتمعات لضمان بيئة عمل إنسانية، عادلة، وآمنة.

وفي الختام، أود أن أوجه تحية تقدير وامتنان لكل عمال العالم، وخاصة عمال كوردستان، الذين يواصلون العمل في ظروف شاقة، بإصرار وتفانٍ نادرين.
أنتم الركيزة التي يقوم عليها المجتمع، والدرع الواقي الذي يحميه من الانهيار. فكل الاحترام لكم في يومكم، وفي كل يوم.