(مَوْجُوعٌ أَنَا حَدَّ التُّخْمَةِ)


سعد محمد مهدي غلام
2025 / 4 / 30 - 02:49     

"قِفْ بِالمَنَازِلِ إنْ شَجَتْكَ رُبُوعُهَا
فَلَعَلَّ عَيْنَـهَا تَسْتَهِلَّ دُمُوعُهَا"

البُومَةُ صَدِيقٌ لَدُودٌ لِلمِسْطَرِ
تَتَأَرْجَحُ عَلَى جَرْدِ الشَّهِيقِ المَنْهُوكِ فِي صَدْرِي،
تَنْعَبُ بِشَوْقِ الغَابَةِ المُلْتَهِبَةِ بِالنُّورِ
الْيَدِهْسِهَا بِضَرَاوَةٍ نَابِيَةٍ،
مَرَدُّ حَنِينِهَا لِلْفِرَار؛
حَبْلُ خَوْفِهَا السِّرِّيُّ،
وَقَدْ لَفَّ حَوْلَ عُنُقِهَا بِحَنَقٍ سَالِفٍ،
تُنَادِي غُصُونَ خَفَقَاتٍ؛
"خَدِيجَةُ، هَشَّةٌ."

الفُقْدَانُ:
هِيَ كَذَلِكَ،
تَتَلَوَّى عَلَى صَخْرَةِ سَاحِلٍ
مَسَاءِ دَامِسٍ مَحْمُوسٍ بِالشَّمْسِ.
هَلْ دَرَتْ؟ تَرَاهَا؟
وَفُؤَادِي يَنْشُدُ تِلَاعًا،
غَطَّاهَا تُرَابُ الرَّمَادِ؟

لَحْظَتَي هَذِي:
تَمَنَّيْتُ تُوَسِّدُ زَنْدَ صَبْرِي،
وَتَمْلِكُ نَفْسِي البَالِيَةَ،
ثَوْبَ حُبِّي النَّاصِعَ.

[( بِهِ... حَارَ أَرْبَابُ الْهَوَى،
وَحْشَةٌ تُنْصِتُ لِشَخِيرِ مِدْيَةٍ
تُجَاوِرُ خَرِيفَ الغُوطَةِ،
تَذْبَحُنِي أَلْغِبَاشِ المُمَوْسِسِ،
تَاهَ الصَّدَى الرَّجِيعُ الرَّاضِعُ. )]

[( مَرَّ الفَجْرُ العَنْدَمِيُّ،
وَأَنَا تَحْتَ نِيرِ الدُّجَى،
عُلِّقْتُ عَلَى مِسْمَارِ العُمْرِ
فَانُوسَ الغَيْبِ وَسْطَ بُؤْبُؤِ الفَرَاغِ،
وَأَطْرَقْتُ لِتَخْتِ البَخْتِ وَالبَارُودِ. )]

[( أَرْكُلُ غَضًّا شَفَقَ الغَضَى
المُسْتَعْمَلَ فِي البَتَاوِينِ،
لُجَّةُ الحِرْمَانِ تَلْهَجُ،
أَجْهَشُ بِجِمَارِ التَّذَمُّرِ،
طَعْنَتْهَا غُرْبَةُ صَمْتٍ يَعْوِي قُرُوحَهُ. )]

مَوْجُوعٌ أَنَا حَدَّ التُّخْمَةِ،
مَاتَتْ عَصَافِيرُ سِدْرَتِي بِالغُصَّةِ،
دِجْلَةُ كَفَّنَتْهَا بِالغَرِينِ وَالدُّمُوعِ.
نَفَرْتُ عَنِ النَّخْلِ عُثُوقَهُ،
تَفَرَّقْتُ بَيْنَ الدَّرَابِينِ وَالشَّوَاهِدِ وَالقِبَابِ،
فِي البِلَادِ الغَابِرَةِ.

اِنْحَنَتْ... نَاخَتْ... رَاحَتْ تَنُوحُ!
يَا شَيْخُ،
لَا أَرَى يَابِسَةً تَلُوحُ،
قَلْبِي، أَثْخَنَتْهُ شَيْخُوخَةُ طِفْلِ الأَنِينِ.

يَا شَيْخَ المَوْتِ،
يَفُوحُ كَسَمَكِةٍ تَزَوْهَرَتْ مِنْ شُهُورٍ،
تَخَمَّرَ مَاءُ جُرُوفِ الجُودِيِّ،
تَوَقَّفَ عَنِ الكَلَامِ المُبَاحِ،
لَبِسَتْ فَرَاشَةُ الرُّوحِ قَمِيصَ العَطَشِ الفَضْفَاضَ،
ضَاعَ طَرِيقُ دُكَّانِ العَطَّارِ المُسِنِّ.

لُوكَال... شَمْعَةٌ، كُودِيَّا... العَانِسُ
يَطُوفُ ثَنَايَا حَكَايَا عَسَسِ رَمْسِيسَ
عَلَى عَرَبَةِ أَشُّورَ.

وِسْوَاسُ السُّلَّمِ المُتَهَالِكِ:
تُجَارِيبُ تَسَلُّقِ شُحُوبِ الدِّفْلَى،
لَمْ تَتَسَنَّ لِي مَعْرِفَتُهَا.
فَأَنَا مُقَرَّمٌ كَأَيِّ أَرْضٍ مَحْرُوقَةٍ،
يَسْلَخُ حُلْمِي نُعَاسُ مَسْحَجٍ يَئِنُّ.

مَحَطَّاتُ أَسْلَافِي فَكَّتْ أَزْرَارَ جَيْبِ خَارِطَةِ العَتْمَةِ،
نَبَأَ بِي الذُّهُولُ عَنْ وَجْهِ اللهِ،
إِلْحَافِي تَحَشَّدْتُ،
أَطْلَالُ الأَلَمِ:
حَدِيقَةُ صَنْدَلٍ تَرَمَّدَتْ بِدُخَانِ حَرِيقٍ.

الخَشْخَاشُ مَوْجُوعٌ حَدَّ التُّخْمَةِ،
مَوْجُوعٌ لِمَاءِ الخَلِّ،
مَوْجُوعٌ لِجُرْعَةٍ مِنْ بَرَاثِنِ الوَعْدِ العَنْكَبُوتِيِّ،
وَقَدْ مَزَّقَتْهُ عَاصِفَةٌ عَاهِرَةٌ،
جُرْحِي يَشْخُبُ،
شَفَتُهُ السُّفْلَى تَسْفَحُ عَنَاقِيدَ مَمْلَحَةٍ،
يَعَضُّ شَفَتَهُ العُلْيَا رُعَافُ لِسَانٍ مَسْعُورِ السِّفَادِ.

المُنْدَرِسَةُ فِي خَرِيطَةِ الحَيْرَةِ:
وَقَدِ ابْتَلَعَتْنِي مَسَافَةُ النِّسْيَانِ السَّحِيقَةِ،
وَجْهُ اللهِ الحَافِي كَمَلَامِحِ الأَشْبَاحِ فِي عَتْمَةِ الكُهُوفِ،
مَطْرُودُ التَّغْرِيدِ لِدَائِرَةِ المَوْتِ.

نَجْوَى السِّرْبِ الثَّانِي،
أَمَامِي شَوْطِي المَشْطُوبُ الأَخِيرُ،
وَأَنَا عَلَى عُكَّازِ سُلَيْمَانَ،
أَجُوسُ مَائِدَةَ الهَاوِيَةِ الخَاوِيَةِ،
تَتَهَجَّانِي الأَكْوَابُ...
دِنٌّ مَمْلُوءٌ كِرْشِ المَسَامَاتِ،
بِمَفَاتِنِ أُفُقِ بَغْدَادَ...
كَأَيِّ مُوَاطِنٍ عَاطِلٍ عَنِ الوَطَنِ.