عن معضلة الطريق الثوري في ظل أزمة اليسار الماركسي
امال الحسين
2025 / 4 / 26 - 15:47
الصراع ضد الإمبريالية لم يكن دائما خارجيا في قضايا قومية تحركه الإمبريالية والصهيونية كذلك بأيادي محلية ومنها جزء من اليسار، ولا نريد هنا كشف المكشوف لا يمينا ولا يسارا، حيث الفاعلين هم المسيطرون الدولة والحكومة ومن يحوم حولهم، وهناك من يدعي أنه يقاوم ولكن ليس في الطريق الصحيح، عن وعي أو غير وعي، مما يجعله لا يصغي إلا لأنغامه وهو صم بكم لما يقال حوله ولو كان ضحيحا.
لا نريد هنا ممارسة السياسوية حيث السياسة فقدت معناها، أمواج الإمبريالية والصهيونية جرفت العديد ممن يدعي الثورية سابقا وتخلى عنها باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان من منظور "العولمة"، فكان من بقي ملتزما بأصول المقاومة من منطلق المنتظم الاشتراكي سابقا يعتبر كلامه خشبيا ومواقفه أوتودوكسية وتجاوزه العصر.
ورغم كل ما يقال بقي العديد من المناضلين ملتزمين بالتناقض مع الإمبريالية من المنظور الماركسي اللينيني، والأغلبية الباقية تعتقد أن هذا المنظور تجاوزه العصر، منتظرين فرز ما يسمى القطب من داخل التناقض الداخلي للإمبريالية أساسا بين أمريكا والصين.
هذا هو صلب الاختلاف بين اليسار أو الماركسيين، لكن إما أن نكون ماركسيين لينينيين أو لا نكون، وليس في هذا الأمر نصف الحقيقة، وهذا هو التناقض بين من يرى المزج بين اليمين واليسار ومن يرى أن اليسار هو الماركسية أو الماركسية اللينينية، وهنا تناقض آخر جد مركز في الاختلاف داخل من يتشبث باليسار قولا وفعلا،
وبقي هذا الصراع قائما، رغم أن تطور الأوضاع السياسية تسير إلى الأسوأ، لم يتضح للبعض الطريق الصواب رغم الإخفاقات التي مست الحركة العمالية عالميا، مما جعل عناصر أخرى فرضتها الإمبريالية والصهيونية في الساحة السياسية تنصهر داخل اليسار أو ينصهر بعص من اليسار بداخله أو حولها.
بين الثورة والثورة المضادة في الحرب الأوكرانية
إن الأحزاب الشيوعية اليوم جميعها تفتقد للعقيدة العسكرية مما يدل عن عدم تواجدها اليوم في الحرب الأوكرانية وغيرها من الحروب، فهل تبحث عن حلفاء سرياليين أم تعيش ضمن سرياليتها عن الخلاص بدون ممارسة عملية وأقصاها العسكرية ؟ أعتقد أن الأحزاب الشيوعية بعد تأثير الحزب الشيوعي الروسي التحريفي من خروتشوف إلى غورباتشوف قد تم تحنيطها ووضعها في متاحف الإمبريالية.
وأعتقد أن بوتين ما هو بوطني ولا أممي ولا يمكن له أن يصبح حليفا ناجها لأحزاب شيوعية منتهية صلاحيتها، حيث لا يمكن انبعاث الحياة من ميت تحت الأرض، نعم من حق الشعوب أن تنتفض ضد الإمبريالية فقد قامت بذلك في أكثر من مناسبة، لكن المعضلة في غياب التنظيمات الثورية التي يمكن أن تقودها إلى الانتصار.
إن قيام الثورة بأوكرانيا يتطلب تحقيق الثورة بروسيا ولن تستطيع دبابات وطائرات وصواريخ بوتين تحقيق هذه الثورة بقدر ما يمكنها تحويل الحرب الأوكرانية إلى حرب إمبريالية كحرب مضادة للثورة.
إن الإنحياز الأعمى لأحد الطرفين في الحرب بأوكرانيا بدون تحليل وانتقاد علمي مادي للممارسة العملية للنظام بروسيا يعتبر مشاركة في الحرب الإمبريالية القائمة اليوم، وهي حرب مضادة للثورة في عمقها بالرغم مما يحوم حولها من تخمينات خارج التصورات العلمية المادية، والسؤال المطروح هو هل هذه الحرب حرب تحرر وطني ؟ ذلك ما لا يمكن أن نثبته من منظور الماركسية اللينينية للحرب الوطنية الثورية ضد الحرب الإمبريالية، لكون روسيا لم تقطع بعد مع الإمبريالية التي فككت الاتحاد السوفييتي بتحالف مع الحزب الشيوعي السوفييتي التحريفي، ولم يقم بوتين بعد بالنقد الذاتي للإساءات التي تم ألحقها بستالين بعد اغتياله والشروع في تخريب التجربة الاشتراكية بروسيا وشرق أوربا.
إن بوادر تشكل قطب ثاني في ظل الإمبريالية من أجل تقسيم العمل عالميا ممكن أن تكون، لكن بالمفهوم الاشتراكي غير وارد، حيث أن الحرب الإمبريالية بأوكرانيا كذبت ذلك في الواقع الملموس بحكم أن الدول التي كان بوتين يعتمد عليها لم تستعد بعد لذلك سياسيا واقتصاديا، مما جعل هذا التصور غير وارد، بل وتم إجهاضه بسرعة بوتين في الغوص في الحروب الإمبريالية.
إن امتلاك الأسلحة النووية لا يكفي للانتصار في الحروب الإمبريالية حيث لا يمكن تغيير الأساس الإقتصادي العالمي من الرأسمالية إلى الاشتراكية من صلب الغوص في الإمبريالية، لهذا فإن زعم بوتين بأنه يؤسس لقطب ضد أمريكا لا يعدو أن بكون إلا دربا من السياسوية والدعاية العسكرية، كما أن فشله في تحقيق الأهداف التي أعلن عنها منذ بداية الحرب جعله في موقع ضعف بين حقيقة قوة روسيا التي لطالما أغرقتنا وسائل الإعلام بكثير من الكلام عن ضخامتها، ولما نتحدث عن دولة لها استراتيجية وبرامج سياسية واقتصادية وعسكرية في الواقع الملموس ليس كما نتحدث عن حزب يحكم دولة، فبوتين قائد دولة تسمى دولة عظمى حسب التقديرات الاستراتيجية للخبراء الاستراتيجيين البرجوازيين.
ونشير إلى أننا لم نصل بعد إلى عمق الحرب السياسية والاقتصادية التي سيبدأ مفعولها بشكل عاصف بعد إيقاف أصوات المدافع التي لن تكون في صالح روسيا، ذلك ما كبل الصين وإبران اللتين كان يعتمد عليهما بوتين، خوفا من أن تنهار مصالحهما بالغرب الإمبريالي لو دخلتا هذه الحرب، مما يطرح من جديد عدم قدرتهما على تغيير الأساس الاقتصادي العالمي الذي يتسم بسيطرة الرأسمال المالي الإمبريالية، بعد تحكم الدول الاحتكارية العالمية فيه وعلى رأسها أمريكا، عكس ما كان يروج له من تحكم الشركات العابرة للقارات فيه، مما جعل تطبيق العقوبات الاقتصادية على روسيا تتم بقرار من أمريكا والدول الأوروبية وليس بقرارات هذه الشركات.
وبعد اجتماع أربعين دولة عبر وزراء دفاعها بأكبر قاعدة عسكرية أمريكية بألمانية لحسم الموقف من الحرب الإمبريالية بأوكرانيا، وتتبعها هناك لحسم مصيرها ضد انتصار روسيا، لكن ما زال بوتين ولافروف يعتقدان أن تصريحاتهما عن امكانية استعمال الأسلحة النووية والتلويح بالحرب العالمية الثالثة لا تتخذها دول الناتو بجدية، حيث يشكل ذلك إرهابا لهذه الدول وحلفائها ويعيدها إلى نتائج الحرب الإمبريالية العالمية الثانية، ويدعوها إلى استجماع قواها من أجل منع روسيا من الانتصار في هذه الحرب.
جاء ترمت حاملا معنى السلام من منظور فرضه بالقوة الاقتصادية والعسكرية على كل من يناقض تصوراته الاستعمارية، بفرض التعريفة الجمركية على خصومه وأصدقائه ورفع السلاح ضد الخارجين عن طاعته، معتقدا أنه قادر أن يكون الخصم والحكم وبارك الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وفرض حوار اتفاقية النووي على إيران بين خيار سلام القوة أو قوة السلام، بعد وأد أجنحتها العسكرية بالمنطقة وآخرها سحق الحوثيين.
هكذا يحاول مسك بؤر التوتر العالمية بيد من حديد مغلفة بالقطن بدءا بحرب الروسية الأوكرانية، معتقدا أنه الفاتح متجاوزا القوة الأوروبية التي تعتبر هذه الحرب حربها وفي عقر دارها، وهي صاحبة الحق في تقرير مصيرها في علاقتها بتقرير مصير شعوب أوروبا، وهي التي ذاقت مرارة الحرب الإمبريالية مرتين،
وحيث إفريقيا يرى فيها الإمبريالية مصدر الطاقة والمعادن الثمينة أهمل الحرب الأهلية بالسودان، حتى يحسم حربه التجارية ضد الصين التي بحاجة إلى استمرارية هذه الحرب، في علاقتها بحربه ضد خصومه الأصوليين المدعومين من طرف الصين.
لكن اليسار الماركسي بكونه عاش خارج التاريخ منذ ما يسمى العولمة حيث حاول تلطيف أيديولوجيته لضرورة تاريخية انهزامية، مكتفيا بالتضامن مع ضحايا الإمبريالية والصهيونية، وفي أحسن الأحوال الحربية يصبح تابعا للأصولية رافعة السلاح وقائدة المعارك لصالح الإمبريالية والصهيونية بعد ما يسمى الربيع العربي، واستمراريته في أقصى تجلياته التخريبية بفلسطين، لبنان وسوريا، حيث تم ترتيب كل شيء لتطويع الجكومات والشعوب العربية، وقبول الوضع الجديد للهزيمة التاريخية للمقاومة، وتكبيلها حتى لا تنهض مستقبلا في المدى البعيد.
ما موقع اليسار الماركسي في الصراع القائم بالعالم..؟
ووجد اليسار الماركسي بالدول العربية والمغاربية لنفسه مكانا مريحا في الحرب التجارية بين أمريكا والصين، تفاديا لكل ما يمكن أن يزعزع أيديولوجيته اللطيفة التي بلورها في مخيلته، ملتمسا أن تكون الحرب التجارية فاتحة خير لأوهامه في التغيير بدون تكلفة الحروب، معتقدا أن تنبؤاته حول القطبين قد حان تحقيقها بأيدي الصينيين التجار، في تخبط أيديولوجي وهمي خارج أهمية الحروب الوطنية الثورية وانتصارها على الحروب الإمبريالية في تحقيق الثورة الوطنية الديمقرا-ية الشعبية، في انتهازية مكشوفة بقدر تحقيق الثورة كما هو اعتقاده بقدر سقوط الرأسمالية، معتقدا أن الصراع التكنولوجي والتفوق الوهمي للصين في هذا المجال كفيل بتحقيق الثورة، هكذا يهلل غالبية اليسار الماركسي بانتصار الحزب الشيوعي الإمبريالي الصيني.
يتحدث عن الثقافة الشعبية بالصين وينسى أن باقي الشعوب المضطهدة تتسم حياتها بالثقافة الشعبية، ولا يدرك أن الإمبريالية بلورت كل ما هو أصيل بالصين لصالحها باسم التقدم التكنولوجي، وحولته إلى ضده، وعملت على امتصاص دماء وعرق العمال والفلاحين ليس بالصين فقط بل بالعالم وحولتهم إلى فقراء.
الصين ليست دولة وطنية ديمقراطية شعبية كما أراد لها ما تسي تونغ، لقد حولها شي جين بينغ إلى إمبريالية غارقة في وحل الرأسمال المالي الإمبريالي، وحول 880 مليون عاملة وعامل صيني إلى آليات بمصانع الشركات الاحتكارية العالمية بأبخس الأجور، التي تجري وراء الربح والريع المالي على حساب استغلال لشعوب وثروات فقراء العالم خاصة بإفريقيا، وحولت مياه الصين من فرشة مائية وبحار وفضائها إلى بؤر تلوث خطيرة، في ظل دولة احتكارية عالمية تعتمد في قوتها على حجم استغلال سكانها من طرف الأليغارشا الصينية المتحكمة في الحزب الشيوعي الإمبريالي الصيني.
نعم شعب الصين شعب منتج، فلا يوجد في العالم شعب غير منتح، لكن من يحصد القيمة الزائدة لقوة عمل المنتجين..؟
هنا تكمن لعبة الرأسمال المالي الإمبريالي، والصين لما تحولت إلى أداة احتكارية أصبحت ضد مصالح الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، بل أصبحت ضد حركة التحرر الوطني والديمقراطية وحقوق الإنسان، ليس قولا فقط بل فعلا وبالملموس عبر التجارة بأسواق فقراء العالم، عبر سياساتها الاستعمارية عبر الرأسمال المالي التجاري الذي راكمته قوة عمل العمال والفلاحين بالصين، وسيطر عليه الحزب الشيوعي الإمبريالي الصيني بقيادة الأليغارشسا الصينية.
ما معنى التجارة في عصر الإمبريالية..؟
الصين تتعهد بإغراق العالم بالسلع الرخيصة..!
وماذا نستفيد نحن من ذلك..؟
لا يجب أن تنطوي دسائس طرفي النقيض داخل الإمبريالية على عقول المضطهدين، يريدون أن نبقى مستهلكين تتدفق خيراتنا على صناديق الإمبريالية شركات وبنوكا، أن نختار بين سلغ غربية غالية أو سلع صينية رخيصة، إنها لعبة الإمبريالية ذات وجهين أحلاهما مر والضروريين في حركتها التدميرية للعالم، لعبة لا تعني إلا قتل قوة الشعوب المضطهدة وتكريس استغلال ثرواتها من طرفي النقيض داخل الإمبريالية.
الصين إمبريالية ومن يقول عكس ذلك يثبت لنا أنها اشتراكية، يقول إمبرياليوها :"الصين لا يستطيع أحد أن يدمرها"، نقول لهم : نعم صحيح قولكم لأنها تدمر العالم الذي سيدمرها يوما. حرب التعريفة الجمركية بين الصين وأمريكا وتبادل التهم بين طرفي النقيض داخل الإمبريالية مستمر ولن يتوقف، نعم أرقامهم لعبة يتم بواسطتها استغلال ثرواتنا الطبيعية وقوة عمل العمال والفلاحين.
وكم يكلف صندوق الدولة من ملايير الدولارات لتوفير السيارات للصينببن..؟ أم إن الصينيين فقط شغالين بلا ترفيه..؟ وكم من فقراء تنتج وتستغل المصانع بالصين والعالم..؟
الصناعة بالصين إمبريالية لا يهمها فقراء العالم حيث تسعى فقط استغلال خيراتهم وتفقيرهم، في بلاد أصبح الوجه الآخر للإمبريالية وهو استغلال فقراء العالم تجاربا وهو أفبح استغلال، يتحدث عن قوة الصين وتنسى ضعفها المتجلي في تغذية مليار ونصف بشر يوميا، أتتصورون ماذا يعني ذلك اقتصاديا..؟
يعني أن يعمل العمال والفلاحون الصينيون ليل نهار لتوفير الغذاء لشعبها الجائع، إذن لن يكون لديها وقت لعتق فقراء العالم، بل تعمل على امتصاص عرقهم ودمهم كما تفعل بعمال وفلاحي الصين، وهناك واهمون ينتظرون أن تعتقهم من نير الإمبريالية التي تشكل فيها هي نفسها أحد طرفيها الأشد قبحا، البيع والشراء في أسواق الفقراء.
الصين تمتص دماء وعرق فقراء العالم وتنافس مهنيي البلدان المضطهدة في عقر دارهم وهي أقبح إمبريالية، حيث التجارة مجال للسيطرة الإمبريالية، كم من سنوات والصين تسرق فقراء إفريقيا، ولما مست أمريكا مصالحها عبر التعريفة الجمركية ثارت غاضبة، خوفا على مصالحها وليس مصالح فقراء العالم التي شاركت مع باقي الإمبرياليات في استغلالهم، وتجمع فائض القيمة.
الصناعة والتكنولوجيا أغرقت الصين بالنفقات التي تكلف الشعب الصيني يوميا الكثير في الطبيعة والمجتمع، ليس لدى الصيني وقت للضياع ومساعدة فقراء العالم، وليس لدى الشعب الصيني وقت للضياع حيث الإنسان الصيني تحول إلى آلة، وبصيغة أخرى لو ضيع كل صيني ورقة كم يكلف ذلك صندوق الدولة أو ضيع كل صيني دقيقة من العمل وهكذا، أي قيمة العمل في علاقته بعدد السكان، من منظور استغلال الرأسمال المالي الإمبريالية.
على ليسار الماركسي مراجعة أخطائه الفادحة أيديولوجيا وسياسيا في التحالف والحروب، خدمة لاستنهاض الشعوب المضطهدة لمناهضة الإمبريالية أينما وحيثما وجدت، ولن يكون انتصاره إلا عبر الحروب الوطنية الثورية، لكون الإمبريالية لن تتنازل عن استغلالها بالتوسل والتسول.