الاستاتيكية وعلمية الماضي الغيبي - الشورى
طلعت خيري
2025 / 4 / 26 - 08:49
الاستاتيكية جمود وانغلاق فكري وسيكولوجي على ديانات واعتقادات أنتجتها عقائد سياسية وأخرى وثنية استقرت ثقافيا عند أدنى مستويات الوعي والإدراك ، لتتناغم حسيا ومعنويا مع الخطيئة السياسية الملبية للأهواء والرغبات الشخصية ، مخلفة كريبكائية مجتمعية متقوقعة فكرا واعتقادا حول الشيطان ولي الله ، المستحوذ على مسخرات السماء والأرض ، والمتسلط على دخل الفرد ونشاطه المعيشي ، والرافض لعواقب الخطيئة أخرويا ، والطامس لثقافة الأنبياء والرسل والكتب المنزلة ، والمضلل للحاضر بادراماتيكية تاريخية تراثية اعتقاديه توهم الفرد على أنها حياة السلف الصالح ، اتسمت أنثروبولوجيا المجتمع المكي في القرن السادس الميلادي بالتوافق السياسي بين المكونات والتعايش السلمي بين الديانات ، نطلق على تلك التركيبة الديموغرافية امة واحدة ، وتعني امة القطب الواحد دون نظير معارض ، فالقطبية الواحدة فرضت إرادتها السياسية والاقتصادية والثقافية على المجتمع دون منافس ، كالنظير الأخروي ، قال الله لو شاء الله لجعلهم امة واحدة ، ولكن متى عندما يعطل الله ديناميكية التغير العقائدي التي تحدثها دعوات الأنبياء والرسل والكتب المنزلة ، فإرادته الاخروية لن تترك المجتمعات موحدة ، بل اقتضت بشق الأمة الواحدة الى دنيويين وأخرويين ، تاركا للفرد حرية الاختيار ، ليدخل الله من يشاء في رحمته ، والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ، ان استاتيكية التراث الديني جعلت المجتمع المكي يعتقد ، ان ما هو عليه من اعتقادات دينية تعود الى وصايا الأنبياء والرسل والكتب المنزل ، ولكن ما نقله التنزيل عنهم يتنافى مع ما ورثوه عن آبائهم ، فالعلمية الغيبية التي جاء بها محمد لا تختلف عما جاء به الأنبياء والرسل من قبله ، قال الله شرع لكم من الدين ما وصى به نوح ، والذي أوحينا إليك ، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ان أقيموا الدين ، الدين هو يوم القيامة ، ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعون إليه ، الله يجتبي إليه من يشاء ، ويهدي إليه من ينيب
شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ{13}
الحياة الدنيوية مسرح ميداني للعمل الإيماني يؤهل الفرد ليوم القيامة ، فالعدالة الإلهية تتطلب تنبيه وتحذير المجتمعات قبل بلوغ يوم الحساب ، أما البعد الديناميكي من نقل التنزيل لوصايا الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من الماضي الغيبي الى حاضر الدعوة القرآنية ، لتفكيك الأمة الواحدة باستقطاب الشرائح المتضررة من الاحتكار الرأسمالي والاستبداد السلطوي للزعماء ومنظري الاعتقادات الدينية ، كما ان الاستعانة بالعلمية الغيبية للماضي توعية ثقافية ساهمت في كسر استاتيكية التراث الديني المكي ، والتي من تداعياتها المجتمعية صناعة الفرقاء ، قال الله وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ، العلم علمية الماضي الغيبي ، بغيا ، بغيا باعتداء أصحاب المصالح الدنيوية على المؤمنين بالله واليوم الأخر ، ولولا كلمة سبقت من ربك بتأجيل العذاب الأخروي الى اجل مسمى يوم القيامة ، لقضي بينهم ، بهلاك المعارضين ، وان الذين ورثوا الكتاب ، كتاب الإنجيل من بعدهم ، من بعدهم ، وتعني أسلاف الذين ورثوا الإنجيل ، لفي شك منه ، أي من القران مريب
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ{14}
كانت مكة في القرن السادس الميلادي ، مجمع للديانات والطوائف وبالرغم من عمقها التاريخي والعقائدي ، إلا أنها فقدت عقيدة الإيمان بالله واليوم الأخر التي أرساها إبراهيم ، فلم تحضا بأي دعوة دينية من بعده ، فبعث الله محمد بشيرا ونذيرا من عواقب البعث والنشور الأخروي الذي رفضته الطبقة الرأسمالية والأسياد وأشراف مكة مستغلين شعائر الحج والموقع الجغرافي التجاري لمصالحهم السياسية والاقتصادية ، كما ان التراكم الزمني لميثولوجيا الملائكة بنات الله ، قلب موازين شعائر الحج لصالح الرأسماليين والأسياد والكهنة ومنظري الدين السياسي ، فتحول الدين الى مكاسب سياسية واقتصادية ، مما انعكس ذلك سلبا على الوعي المجتمعي المتقوقع حول استاتيكية التراث المكي الرافض للدعوة القرآنية ، ولقد قطعت الدعوة القرآنية في مكة شوطا طويلا صححت من خلالها العقائد الشركية كالشريك الكوني الملائكة بنات الله ، والشريك الربوبي كعيسى ابن الله ، والشريك الأرضي ولي الله وحجة الله ، وبالرغم م من المقاطعة المجتمعية الواسعة التي تعرض لها محمد ، إلا ان التنزيل أكد على التمسك بما انزل إليه ، قال الله فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم ، وقل أمنت بما انزل الله من كتاب ، كتاب القران الجامع للتوراة والإنجيل ، وأمرت ان اعدل بينكم في قضية شركاء الله ، الله ربنا وربكم لنا أعملنا ولكم أعمالكم ، لا حجة بيننا وبينكم ، الله يجمع بيننا واليه المصير
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ{15}