دخان أبيض واقف
مقداد مسعود
2025 / 4 / 22 - 14:09
دخانٌ أبيض واقف
(*)
استحلفني بالمثول في حُلمٍ لم يكن مِن الأضغاث، وها أنا منذ استفقتُ
استروح زكاوة عبقهِ الباذخ، دخلت ُ صحراءَ أوصلتني إلى مهبطٍ، أوصلني إلى غابة نخيل سعفُها تشكّلَ سقفا مِن ثقوبهِ تمر خيوط ٌ نحيلةٌ من الشمس فتذكرتُ دنانير المتنبي التي تفرُ من بنانه في شِعب بوان.
(*)
مَن ذا الذي يخاطبني
:استحلفك غادر السعف واقتفِ خطاي، حتى توقظ زورقا نائما في نهر راكض: صوتُ مَن بداخلي يخاطبني؟ دخلت ُ مفازة وصرتُ التقطُ لقى ً تبث عبقاً .. ومع كل لقية ٍ تقدحُ ذاكرتي من وهجها : كيف وبأي مسبار سبر أسرار الوجود؟ ومتى تصالح معها؟
(*)
صخّابون يتحاورون وهو على مقربة ٍ منهم بهيئة شرطي مرور
يحاولُ تنظيم سير صياحهم التحاوري، لعل حواراتهم لا تتصادم
وترجم الشوارع باختناق مروري. هم تتطاير ألفاظهم كالراجمات
هو بجهد عظيم، يحاول بيده اليمنى أن يضع حاجزاً بين حواراتهم.
حين خفت جمرات ألفاظهم تأكد له أنهم نفقوا مثل حواراتهم
ها هو يغادر مكانه، يخلع زي المرور، ويمزق ما كتب في مدونته
عما جرى فيما بينهم.
(*)
مَن ذا ..؟ يتأملُ قصاصات الفوتو، يمسحُ بتأنٍ حافاتِ التصاوير بالسبّابة والإبهام حتى لا يفزع الشخوص الماثلين في الصور، ولا تتحرك بسرعتها القصوى المركبات وتجفلُ الطيورُ المطمئنةُ على الشجر.. يتأمل بعينين هادئتين صوراً أصفرت حوافها وشاخت شخوصها وذبلت الحدائق، وبيوتها صارت محلات وعمارات... يرفع الصور صورة ً صورة ً، يكاد على إذنه اليمنى يلصقها، يكتب بالقلم السوفت ما يصغي له في الصور، يكتب لغطا وصياحا وهمسا يكتب ما تيسر من نغمات البلبل في شجرة البمبرة، يتساقط حفيفٌ أخضر في أوراقه.. يتوقف يرمي قلمه، هناك يدٌ لا مرئية ترتج الصور.. صورةٌ صورةٌ يتساقط الشخوص من الصورة، ترتطم المركبات
تنخسف السقوف، تنقصم الأشجار وتنغرز رماحا في جسد النهر
(*)
في يوم بهي، رأيته ُ يحرثُ النهارَ، بحثاً عن إطار صورته ِ الأولى. ثم سمعتُ .. صار يحرث الليل، على مقربة ٍ من أشجارٍ مقطوعةُ الرؤوس منضودةٍ بعضها فوق بعض. فجأة وهو متناغمٌ في حراثتهِ اهتزت الأرض قليلاً، فأرجفت الأشجار المقطوعة.. تدحرجت الجذوع، وراحت تلاحق قدميه، لتسحق صوته. قفز عالياً .. أسقط َ جسده في زورق فارغٍ يرّكضه نهرٌ، السقوط استفزَّ الزورق النائم، انزعج الزورق، وكاد يطبق شفتيه على جسد الحارث لكن الحارث، بجناحيه الرياضيتين باعد بين فكيّ الزورق. بعينيه ألجم الحارث النهر وصار وديعا في جريانه..