(أيُّهَا الْمَعْجُونُ بِالزُّلَالِ، يَا قَدَرِي)
سعد محمد مهدي غلام
2025 / 4 / 19 - 02:50
يَا لَقَلْبِكَ، جُمُوحُ الطَّرْفِ فِي ذَا الضَّبَابِ، يَا لَقَلْبِكَ، بِلا عِنَاقٍ، غَزَالَةٌ تُطَارِدُهَا أَشْبَاحُ نُعْسٍ بَعِيدًا عَنْ كَنَسِي...
أَيُّهَا الْمَعْجُونُ بِالزُّلَالِ، يَا قَدَرِي، لَا أَرَى مِنْكَ غَيْرَ رَمَادٍ كَبَّ فِي وَجْهِ مُطَالِعِي، وَعَلَى وِسَادَاتِ مَضْجَعِي يَتَسَلَّلُ الْأَرَقُ الْغَرِيبُ، يَجُولُ فِي أَرْجَائِيَ، يَخْطِفُ سِرَّ السُّكُونِ، وَيُطَوِّقُنِي... خَلْوَةَ صَبْوَةٍ.
تَتَهَشَّمُ الْكَلِمَاتُ، تَتَشَظَّى الْمَعَانِي بَيْنَ أَرْكَانِي، أَتَصَفَّحُ وَجْهَ مَحْبَسِي مُتَمَنِّعًا عَنْ غُفْرَانٍ، بِوَاسِطَةِ الْكِتَابِ، وَخَوَانِ الْعِتَابِ، زَادُهُ الْأَنْفَاسُ، وَالْمُعَوَّذَاتُ...
تَذْبُلُ أَصَابِعِي، وَالْخُزَامَى، وَالْأَحْزَانُ، وَالْأَقْحُوَانُ، عَبِيرٌ يَسْرِي فِي بَدَنِي، نَافِلَةُ نُفُورٍ، يَتَلَعْثَمُ التَّهَجُّدُ فِي مَآقِيَّ...
أَتَسَاءَلُ عَنْ نَوْبَةِ النَّايِ، تَخْرُجُ آنَاتُهُ الْمَجْرُوحَةُ مِنْ صَدْرِي، تَقْطِفُ مَوَّالَ نَبْضِي، خَمْرَةَ وَيْلٍ...
أَقْرَأُ شَفْرَةَ هَمْسِ الشُّرُفَاتِ، مِنْ رَذَاذِ النُّورِ، يُوَسْوِسُ لِفَجْرِي، يُشِي لِشُبَّاكِ الْبَوْحِ بِالْعَلَامَاتِ.
قَطَرَاتُ نَدًى تُضْمِرُ أَسْرَارَ النُّجُومِ، يَشْرَبُهَا الْقَدَاحُ، يُبِيحُهَا زَقْزَقَةٌ، وَشَهَقَاتٌ، وَوَهَجٌ...
يَنْبَعِثُ الْبَهَاءُ فِيَّ، يَقُولُ جَسَدُ الْوَرْدِ، يَهْطُلُ التِّينُ، وَتَهْدِلُ الْعَنَادِلُ، فِي قَلْبِي بَرْدُ الزَّيْتُونِ، يَسْلَخُ الرَّاقِي، تَجْتَاحُ الرِّيحُ أَجْنِحَةَ الْفَرَاشِ...
أَيْنَ كُتُبُ الرَّحْمَةِ؟ دَمِي يُكَابِدُ طَعْنَاتِ رَوْعَةٍ كَابِيَةٍ فِي الْهَاوِيَةِ، جُرْحٌ عَلَى شَفَا الْعُيُونِ: لِمَنِ الْمِلْحُ؟ وَكُحْلُ النَّارِ؟
يَا هَذَا الْحَمَامُ، أَلَمْ تَمَلَّ التَّمَرُّغَ فِي الرُّغَامِ؟ يَا هَذَا... أَمَا آنَ لِنَاعُورِكَ الصَّمْتُ؟
نَوَاعِمُ كَانَتْ تَبَارِيحُ أَشْجَانِي، قَنَادِيلُ صَبْرِي، أُغَادِرُ لَهْفَةَ حَيْرَتِي، أَسْقُطُ فِي جُبِّ الْهُيَامِ، بَارِدَةٌ دَهْشَةُ الْعَصَافِيرِ، دَافِئَةٌ رَوْعَةُ التِّينِ، قَاسٍ... رَاقَتْ عِطْرَكِ، جُرْحٌ تَبَتَّلَ، وَأَذَابَ يَاسَمِينُكِ بِرِلَنْتَ... وَقَارِي.
الشَّوْقُ سَرَابٌ يُقِيمُ الْحَدَّ فِي بَادِيَةِ النَّشْوَةِ، عَلَى سُمْرَةِ الْعَطَشِ. بَارِعَةٌ حُسْنُكِ فِي تَقْشِيرِ صَدَى نِدَائِي، وَنَتْفِ رُمُوشِ وُجْدِي، يَشْتُلُ نَوَائِبَ الْغِيَابِ فِي الْبَابِ...
قَالَتْ: خُذْنِي جَمْرَةً لِكَنُونِكَ، قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ الشِّتَاءُ، يَأْخُذَ مَعَهُ أَحْضَانًا شَبَّتْ بَهْجَتُهَا فِي أَرْكَانِ بَرِّيَّةِ شُرْفَةِ قَلْبِي، فَكَانَتْ جَمْرَةَ قَيْظٍ فِي جَيْبِي...
قَمَرُ الْغُرْبَةِ مَرَّ دُونَ إِلْقَاءِ التَّحِيَّةِ، سِنْدِيَانَةُ النَّاصِيَةِ بَكَتْنِي، حِينَ أَنْكَرَنِي الْغَدُ قَبْلَ صِيَاحِ الدِّيكِ...
ظَبْيَةُ طَرْفِي كَنَسَتْ فِي مَرَايَا الْهُجْرَانِ...
لَا نِهَايَةَ لِلْحِكَايَةِ، لَا بَدَايَةَ لِلْوِلَايَةِ، الْغُفْرَانُ مَسْرَبُ نَدْمَانِ النِّسْيَانِ، وَالنَّدَمُ سِجْنِي، سَجَّانُهُ عَلَّمَنِي حِكْمَةَ عَجْزِ اللُّغَةِ عَنِ الْعَفْوِ...
أَتَعَلَّقُ بِخَيْطٍ مِنْ نُورٍ، لَكِنَّهُ مَهْمَا ثَبَتَ، هِيَ الرِّيحُ! لَا تَسْمَعُ مِنِّي آهًا، سَأَبْتَلِعُ مِفْتَاحَ النَّصِّ، وَغِلَالَةَ الْإِفْصَاحِ، أُغْلِقُ نَافِذَةَ الدَّمْعِ وَأَغْفُو...
أَنْزِعُ جُفُونِي، لَا هَاجِسَ يُفْزِعُنِي، لَا كَابُوسَ يُلْبِسُنِي عَارَ الْكَشْفِ عَنْ أَسْرَارِ الْحَرْفِ...
سَتَعْجِزُ السِّيمْيُولُوجْيَا عَنْ فَكِّ مَغَالِيقِ الطَّلَاسِمِ، وَأَنَا أُمَارِسُ فِي الْعَرَاءِ صَلَاةَ الْخَوْفِ...
لَا "سِرْبِرُوسُ" تَنْبَحُنِي، وَلَا "بْرُوكْرُوسْتُ" يَبْتُرُ أَطْرَافَ الْقَصِيدَةِ...
وَأَنَا فِي زَقُّورَةِ أُورْ، أَطُوفُ مَعَ أَنْغَامِ قِيثَارَةٍ تَلْعَبُ عَلَى أَوْتَارِهَا إِنْخِيدُوَانَا...
وَأَنَا فِي تَابُوتِ الْعَهْدِ، أَغْمِسُ جَوَانِحَ قَصِيدَتِي فِي قَارُورَةِ تَابُوتِي،
مَنْ قَالَ إِنَّ مِحْبَرَةَ الْغَوَايَةِ نَضَبَتْ؟ بُسْتَانٌ يُوَزِّعُ رَغِيفَ الدُّعَاءِ، هِلَالُ إِجَابَةٍ مَا زَالَ فِي سَمَاءِ السَّمَادِ، فَانُوسُ اللهِ يَتَدَلَّى...
صَبْرُ الْقَطَا، عُودُهُ أَصَابَهُ مِنْ سُرَيَانِ النَّارِ فِي الْغَضَى، كُلُّ الصَّحْرَاءِ، الصُّلْعُوكُ طَرِيقٌ، أُهْدِي الْمِحْنَةَ وَجَسًّا، أَسْتَلُّ الطَّعْنَةَ مِنْ خَاصِرَتِي، مِنْ مَضَارِبِ الْهَزِيمَةِ لَوْحَةُ الْعُزْلَةِ، أَسْرِي لَيْلًا، لَنْ أُعَرِّجَ عَلَى شَرَاقَتِهَا، مَهْمَا اشْتَدَّ بِيَ التَّوْقُ، يَحْرِمُنِي الْوَسَنُ، خَرَسُ الْقَرَنْفُلِ لَا يَقْتُلُهُ الظَّمَأُ، يَمُوتُ، فَلَمْ يَتَهَادَهُ الْعُشَّاقُ لَا فِي قَيْظٍ، وَلَا فِي فَيْضٍ...
حَصَلَ عُنُقُ الرَّيْحَانِ، أَخْفَى "بْلُوتَارْكُ" خَجَلَ "بِرِكْلِيسَ" مِنْ "أَسْبَازِيَا"، وَمَا تَعَلَّمَهُ "سُقْرَاطُ" مِنْهَا...