عرض موجز لكتاب رزكار عقراوي الذكاء الاصطناعي
طارق فتحي
2025 / 4 / 13 - 00:17
"الرأسمالية المعاصرة، بذكاء خبيث، حولت الفضاء الرقمي الى وكر لتعزيز الاغتراب: من خوارزميات تسحق حقوق الجماهير وتسيطر على وعيها الى منصات تحول النشاط الثوري الى "لايكات" مجردة من الفعل. امام هذا المشهد، يبدو حضور التنظيمات اليسارية-في أفضل احواله- كمن يرقص على إيقاع خصمه؛ فاكتفاؤها بنشر المنشورات وإدارة المواقع التقليدية اشبه بجيش يحارب صواريخ العدو بالعصي".
قد تكون هذه الكلمات هي الأكثر تعبيرا في كتاب الصديق العزيز رزكار عقراوي "الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة"، فقد لخص بها ما يمر به اليسار بشكل عام، فالقوى اليسارية اليوم هي فضلا عن تشرذمها وتشتتها، تعاني الضعف والإحباط، وقد انحسر وانحصر عملها ونشاطها وممارستها ب "نشر المنشورات"، ومتابعة "اللايكات"، وهو ما يعزز من غربتها واغترابها في هذا العالم الرأسمالي الموحش.
لقد بحث الصديق رزكار في هذا الكتاب رؤيتين مختلفتين حول استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، رؤية النمط الرأسمالي ورؤية الحركة اليسارية، وقد أدرج تلك الرؤيتين في جدول موضحا الفرق بينهن، ابتدأها بالهدف او الغرض من الذكاء الاصطناعي عند كلتا الرؤيتين، فالرأسمالية تسعى لتعظيم أرباحها، بغض النظر عن أي اعتبار أخلاقي او قانوني، اما الرؤية اليسارية فهي ترنو لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوزيع التكنولوجيا لخدمة الجميع، وتحويلها أداة لتطوير المجتمع، وقد تكون هذ الرؤية هي الأساس لبقية النقاط.
يعرض الصديق رزكار بشكل شيق امثلة من العالم الرأسمالي في كيفية جني الأرباح دون اعتبار لأي شيء، فهو يقول "كل نقرة، وكل بحث، وكل تفاعل تتحول الى مادة خام تكدسها الرأسمالية الرقمية دون اعتراف قانوني او تعاقدي"، ويذكر على سبيل المثال فضيحة "كامبريدج اناليتيكا 2018"، ويذكر ان إيرادات فيسبوك من الإعلانات الرقمية وحدها لعام 2021 بلغت 117 مليار دولار، ويذكر أيضا أرباح شركة آبل لعام 2023 بلغت أكثر من 100 مليار دولار... الخ.
انه مثلما يسميه "اقتصاد المعرفة"، فلقد أضحت المعرفة الوقود الجديد للرأسمالية، وبدأت هيمنت الذكاء الاصطناعي وسيطرته على البشر، فصار يقيس سرعة أداء شغيلة اليد والفكر، خصوصا في مستودعات شركة امازون، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي، وهذا لا يأخذ بعين الاعتبار ظروف العمال الصحية او الاجتماعية.
هنا، ومن خلال هذا السباق المحموم بين الشركات "يعاد انتاج الاغتراب الإنساني في شكل رقمي، حيث ينفصل الانسان عن ملكاته العقلية والابداعية"، هذا الاغتراب الرقمي يمتد الى ذات الانسان ووعيه وعلاقاته الاجتماعية، ويصير هذا الانسان "انعكاس للخوارزميات المصممة لخدمة السوق".
ان كتاب الصديق العزيز رزكار بلغته السهلة والممتعة، هو بالحقيقة جاء في وقت ان القوى اليسارية متخلفة جدا في هذا السياق، وهو يطالب هذه القوى ان يكون لها معرفة كاملة بهذه التكنولوجيا ويطالبهم ب "الاستخدام الواعي والنقدي لهذه الأدوات من الممكن ان يفتح امام التنظيمات اليسارية آفاقا جديدة للمقاومة والنضال".
يعبر الصديق رزكار عن امله في ان تجد البدائل اليسارية طريقها في عالم الرأسمالية المملوء بالنواقص والثغرات، فقط اذا ما تم العمل بوعي وتخطيط واستراتيجية، ويختم كتابه بسؤال جوهري كما يقول:
"هل نحن، كقوى يسارية وتقدمية في العالم اجمع، مستعدون فعلا لخوض غمار هذه الحرب الرقمية المعقدة، الطويلة، والمتعددة الجبهات"؟
في الختام لا نملك الا ان نتقدم بخالص شكرنا وتقديرنا للصديق العزيز رزكار عقراوي على بحثه القيم، الذي اضاء لنا-ولو القليل- من هذا العالم الرقمي الموحش والمظلم، ونتمنى له المزيد في كتابة مثل هذه الأبحاث.