الوجودية بين التراجيديا والرفاهية - فُصِّلَتْ
طلعت خيري
2025 / 4 / 10 - 08:21
اخذ التهديد والوعيد الأخروي دوره الفكري والعقائدي في تحريك الوعي الجماهيري ، بعد عرض التنزيل المصير الأخروي على منكري البعث والنشور، فطاف على ساحة الصراع الديني تساؤلات منها كورنولوجيا نهاية الحياة الدنيوية وزمن الساعة ، ان إخفائها له أبعاد تصب في مصلحة الإنسان ليأخذ الوقت الكافي لتقرير مصيره الأخروي دون معرقلات ، قال الله إليه يرد علم الساعة ، فالإيمان بالساعة يحتاج الى أمثلة مادية مقنعة تعكس العلمية الدنيوية لمخفي وقوعها ، قال الله وما تخرج من ثمرة من أكمامها ، أكمام حسب الوصف كاس الزهرة الذي تنمو فيه الثمرة ، وبنفس الوصف قال الله وما تحمل من اثني ولا تضع إلا بعلمه ، بعد العلمية الدنيوية انتقل التنزيل الى العلمية الاخروية لاطلاع المشركين على رد فعل شركائهم بعد مناداتهم للاستجواب الأخروي ، قال الله ويوم يناديهم اي ينادي منكرو البعث والنشور فيقول أين شركائي ، قال الشركاء آذناك ، من بعد إذنك ما منا من شهيد ، يشهد على شراكتنا معك ، وضل أي غاب عن المشركين ما كانوا يدعون من قبل ، وظنوا ما لهم من محيص
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ ُشرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ{47} وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ{48}
بعد الأدلة المادية التي أكدت على علمية الخالق في نمو الثمار والحمل والإنجاب ، انتقل التنزيل الى تراجيديا اليأس والقنوط ، اللتان تنتجهما الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية المؤثرة على سيكولوجية الفرد ، كأدلة فلسفية ونفسية وحسية تعكس علمية الخالق في الذات البشرية ، وبموجب التغيرات والمؤثرات التي تطرأ عليها دنيويا سيخضع الفرد للاستجواب الأخروي ، قال الله لا يسام الإنسان من دعاء الخير ، وان مسه الشر فيؤوس قنوط
لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ{49}
تتعرض الشعوب الى أزمات اقتصادية وحروب وانقلابات سياسية وكوارث طبيعية تؤثر على المفاصل الاقتصادية والمعيشية بشكل عام ، فمن مخلفاتها الفقر والتخلف والحرمان يعبر عنها الفرد بتراجيديا اليأس والقنوط متبعا سيكولوجية التوسل والدعاء الى لله ، ولكن ما ان انتهت تلك الأزمات وأخذت المجتمعات بالنهوض وبدا عليها ملامح الانتعاش ، تغير جذريا تاركا الدعاء والتضرع ، قال الله ولئن أذقناه رحمة منا الإنسان من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي ، هذا لي بمعني من عندي وليس من عند الله ناكرا البعث والنشور ، وما أظن الساعة قائمة ، واضعا لنفسه أفضلية أخروية تعكس سياسيا على ان المال أساس الأفضلية الدنيوية والأخروية ، ولئن رجعت الى ربي ان لي عنده أللحسنى ، على اعتقاد ان المال الدنيوي هو مقياس الأفضلية عند الله في الآخرة ، طبعا ازدواجية واضحة في المعاير الاخروية ، من أين أتتك الأفضلية ولقد أنكرت البعث والنشور من قبل في قولك ، وما أظن الساعة قائمة ، فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ{50}
.
استمر التنزيل بمحاكاة تراجيديا الياس والقنوط والسيكولوجية المتقلبة ما بين الرفاهية والتدهور الاقتصادي ، كأدلة نفسية وشعورية تعكس علم الله الغيبي في الذات البشرية ، عرضها التنزيل على الإلحاد الوجودي كدليل حسي ومعنوي على وجود خالق للكون ، قال الله وإذا أنعمنا على الإنسان اعرض ، بمعنى إعراض فكري وعقائدي عن دعوة التغير ونأى بجانبه ، عزل نفسه جانبا متقوقعا حول أفكاره وأنشطته المالية ، وإذا مسه الشر فذو دعاء غليظ ، خرج عن عزلته شاكيا فقره وحرمانه لله ، قل يا محمد ارايتم ان كان من عند الله بمعنى الرفاهية والانكماش من عند الله ، ثم كفرتم به في حالة الرفاهية ، وأمنتم به في حالة الانكماش ، من أضل ممن هو في شقاق بعيد
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ{51} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ{52}
صحح التنزيل الاعتقاد الكوني الديني نافيا إلوهية الشمس والقمر، وما يترتب على حركتهما اليومية من ظواهر كونية كالليل والنهار، قال الله ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن، ان كنتم إياه تعبدون فان استكبروا ، فالذين عند ربك الملائكة والشمس والقمر يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسامون ، ثم انتقل التنزيل الى الاعتقاد الكوني الوجودي لدعوته الى الإيمان بالله واليوم والأخر ، عارضا عليه الآيات في الآفاق منها أكمام الثمار والحمل والإنجاب وأخرى تراجيديا كاليأس والقنوط كشواهد نفسية وحسية ستخضعه للمسائلة الأخروي ، قال الله سنريهم آياتنا في الآفاق المسخرات التي ترى في الأفق وفي أنفسهم تراجيديا المشاعر والأحاسيس حتى يتبين لهم انه الحق من ربهم ، أولم يكف بريك انه على كل شيء شهيد ، يشهد على تقلبات الحواس ومشاعر والذات بين الخير والشر، وبالرغم من الأدلة المادية والحسية التي قدمها التنزيل للاعتقاد الكوني بشقية الديني والوجودي ، إلا أنهم في مرية من لقاء ربهم إلا انه بكل شيء محيط
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{53} أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ{54}