جزء من محاولة إفشال الثورة
المنصور جعفر
2025 / 4 / 7 - 14:06
يتناول هذا النص عوامل داخلية اسهمت في أفشال محاولة الثورة في السودان وهي المحاولة التي بدا اشتدادها عام 2013 بتظاهرات واضطرابات انخفضت وخفتت بتاجج الحرب عام 2023.
لمحات تاريخية:
بعض ما يميز السياسة في السودان التفرد العالمي لكثرة من جمهورها باسقاط ثلاثة نظم ليبرالية التجارة عسكرية الرئاسة على التوالي، لكن دون تغيير كبير مستدام في مضمون سياسة وإدارة موارد المجتمع/الدولة بل غيرت شكل رئاسة الدولة من عسكري إلى حزبي حيث بقيت السلطة العليا متداولة بين أقوى فئات النخب (الطائفية والقبيلية والعسكرية والافندية وكبراء السوق المرتبطين بهم).
كان ولم يزل هذا التداول يستخدم قضايا المعيشة والنزاعات المحلية كمحرك ومبرر شعبوي لنفوذ أو لفرض نفوذ هذه الفئة النخبوية أو تلك في أمور السلطة، لكن في ختام فترة كل نخبة في السلطة يتضح ان أزمات المعيشة والأمن والعدالة لم يتم حلها ومن ثم تكرر التغيير الشكلي النخبوي سبعة مرات كانت اربعة منها انقلابات عسكرية في أعوام 1958 و1969 و1989 و2019 وثلاث ضدها شعبية وشعبوية في 1964 و1985 و2019.
في عام 2011 أدت ازمات النظام الليبرالي بشكليه الرئاسيين في السودان مع المظالم والفروق المعيشية ولفشل السياسي الى استقلال جنوب السودان وزيادة ازدحام الشمال بالتناقضات القديمة والجديدة حول المعيشة والاقتصاد وتوزيع مقاعد السلطة ومغانم السيطرة من ثم انفجرت انتفاضة 2013 التي تم قمعها بشكل دموي تلته حملة تضليل وتلتيق انتهت في أواخر عام 2017 ويناير 2018 إلى حالة رفض جماهيري التهبت كما هي العادة باستشهاد المئات خلال التظاهرات حتى انتصرت بكسر وانكسار الرئاسة العسكرية الاسلامية في ابريل 2019,
بعد زوال جبروت وسطوة الاسلاميين تحولت الفئات النخبوية إلى مرافقة النشاط الشعبي وتحويله خلال شهرين ثلاثة من طبيعته الثورية العارمة إلى طبيعة سياسية مزدوجة ظاهرها جماهيري في الشوارع والميادين والتصريحات والاشاعات وباطنها نخبوي في الصوالين والقاعات المغلقة ومدن خارج السودان. وبهذا تكونت "شراكة الدم" بين ممثلي فئة العسكريين وممثلي فئة المدنيين وأولياء الفئتين، وهي الشراكة التي انتهت لتنمية كافة أزمات السودان تحت مسميات اصلاحية كـ"وثيقة التأسيس" و"تكوين منسقيات" و"محاصصة جوبا" وإغراق العملة والتعامل مع إسرائيل وتنمية "قوات الدعم السريع" و"الاتفاق الاطاري" الخ وصولاً إلى ما سمي "حركة التصحيح" في أكتوبر 2021. من ثم زاد الاحتقان الذي انتهى لحرب 2023.
شملت عوامل افشال محاولة الثورة:
1■ ظهور مصطنع لمنظومة مصطنعة:
في انفعال وموضة معارضة ضد الحزب الشيوعي السوداني وأنشطته التي أسست وألهبت كثرة من لجان وتاكتيكات المقاومة زادت في الفترة بين المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوداني (2016) و الحرب السودانية (2023) الدعاوى المتكلمة عن صيغ تجديد للحزب والسياسة تجمع بين كلام "المساواة" وكلام الليبرالية التجارية!! وهو جمع لنقيضين هما "الليبرالية" و"المساواة" فالليبرالية مولدة وراعية الفروق الطبقية والمناطقية ومسببة التخلف الإقتصادي ومضعضعة للسيادة الوطنية وتحقيق المساواة السياسية الإقتصادية الإجتماعية يتطلب إلغاء أساس الليبرالية أي إلهاء التملك التجاري الإنفرادي لموارد المجتمع.
2■ طبيعة دعاة ودعوة "التجديد":
غالب زعماء تجديد أفكار وأوضاع اليسار عاصميو المعيشة والحياة و بعضهم متريف أو متمدن. وخطابهم مزدوج فأحيانا يتوددون للنخب العتيقة وأحياناً يهاجمون بعض منها، ولهم إزاء القضايا الكبرى رأي مع الكادحين ورأي مع المسيطرين! وزعمهم التغيير بدون أساس قاعدي شعبي! بل سند بعضهم عطف وترويج غربي وخليجي ديبلوماسي وإعلامي ومالي.
3■ ضعف بنيوي وفشل:
فشلت هذه النخب الجديدة الشكل فشلاً ذريعاً في كسر منظومة الأفكار والأساليب والهيئات والشخصيات القديمة التي اسهمت في تدهور كينونة بلاد ومجتمعات السودان بل وهطت في هذه المجتمعات أسس وأشكال الإستغلال. الطبقي والمناطقي والسيطرة المالية الأجنبية وصنوف التجهيل والتضليل، وما تنتجه هذه الجرائم والشرور من تخلف وتبعية وانقسامات وصراعات.
4■ الصراع الطبقي في إقتصاد مجهجه:
مع سيطرة النشاط الطفيلي والعنفي و التحكم المالي الأجنبي وزيادة الإحتيال والنهب قل تميز القضايا والأعمال في المجال العام وتحولت أصول السياسة من تحديد كل طبقة للأزمات وترتببها للحلول إلى أمور متفرقة ذات تصريحات أفراد وأحزاب متقلبة الرأي ومتكررة الإنقسام والإنكار والتأييد لبها نخب وسمسرة وشخصنة وحالات إعلانية يوجهها متحكمين في وسائط الإعلام.
5■ ختاماً، شٌلل وانقسامات:
وفق للتفكير التتابعي الواحد الخط والجزئي غير الشمولي وغير الجدلي بدأت وتتابعت إنقسامات الزاعمين تجديد اليسار والسياسة متفرقين حول الأهداف و التحالفات القريبة والبعيدة فضعف طرحهم وزاد طغثاً على إبالة وبارت تجارتهم السياسية وتقسمت شخصياتهم أفكار وأنشطة ليبرالية بعضها بقيادة فئات النخبة العسكرية وبعضها بقيادة النخب الطائفية والحزبية، وفي الفترة بين المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوداني (2016) والحرب السودانية (2023) تبخرت جل زعومهم وقد كسبوا حفنة مكاسب ذاتية لا تذكر في تاريخ الشعوب.