النشأة التاريخية للإلحاد الوجودي - فُصِّلَتْ


طلعت خيري
2025 / 3 / 31 - 12:41     

بغض النظر عن التراث والتاريخ والأفكار الاعتقادية التي بلورت الإلحاد في المجتمع المكي إلا ان الاعتقاد الكوني بشقيه الديني والوجودي اتفق سياسيا على مجابهة الدعوة القرآنية مصطفا الى جانب التحالف المكي ، معبرا عن رفضه الكامل للإيمان بالله واليوم الأخر، متذرعا عدم استيعاب اللسان العربي ولكن لا يبدو ذلك صحيحا، فعبارات الرفض تعكس مدى استيعابه له ، قال الله ، بشيرا ونذيرا فاعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ، كشف الله ادعاءات الاعتقاد الكوني بخصوص استيعاب اللسان العربي ، لافتا الانتباه الى الكلمتين العربيتين التي استعان بهما الرافضين للإيمان بالله واليوم الأخر مثل أكنة ووقرا ، وقالوا قلوبنا في أكنة ، أكنة شيء مادي يحمي الأشياء الثمينة من الكسر، أو بالأحرى قلوبنا معزولة عن فهم القران ، وفي أذاننا وقرا ، الوقر المادة الصمغية التي تسد القناة السمعية ، ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل يا محمد اننا عاملون ، ظهر الإلحاد كفكر ثقافي في المجتمع المكي نتيجة تطور أنثروبولوجيا الوعي البشري في مجال الفلسفة والفنون فأصبحت المجتمعات أكثر وعيا وانفتاحا ، فإذا ما قارنا الإلحاد في الحقبة الزمنية الثانية قوم عاد مع الإلحاد المكي في القرن السادس الميلادي لوجدنا الأول يتسم بالانغلاقية لعدم قدرة العقل البشري على استيعاب وصايا هود ، بينما واجه التنزيل في القرن السادس الميلادي حوارات مضادة على الساحة الفكرية طرحها منظرو الاعتقاد الكوني بشقيه الديني والوجودي ، منها اللغة أو اللسان وغياب سمعية وبصرية الله ، مع الطلب من محمد تنزيل آيات بأكثر من لغة ، قال الله ، ان الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ، يلحد يميل عن مقاصد الآيات المصححة للاعتقاد لتبقى أفكاره وتوجهاته السياسية تحتل مكانة ثقافية في المجتمع ، امن يلقى في النار خير أم من يأتي أمنا يوم القيامة ، أمنا تعيني الأمن الأخروي من أهوال يوم القيامة ، اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير

إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{40}

لم يكتفي الاعتقاد الكوني بشقيه الوجودي والديني بالإلحاد بل كذب وكفر بكتاب القران ، مدعيا انه من تأليف محمد كتبه من معاجم أخرى تلقى تعاليمها على يد كهنة وأحبار ورهبان ، أو ربما هو من اختراق الجن للوحي قال الله ، ان الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وانه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، أنهى التنزيل الجدال مع الاعتقاد الكوني بآية حيادية تركت للفرد حرية تحديد مصيره الأخروي، يا محمد ، ما قيل لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ، ان ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{42} مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ{43}

لو أجرينا مسح ثقافي لمعتنقي الاعتقاد الكوني بشقيه الوجودي والديني لوجدنا اغلبهم يجدون للسان العربي الى جانب لغة إلام ، لهذا السبب دعاهم التنزيل الى حوار عقائدي للإيمان بالله واليوم الأخر، قال الله ، حم حروف مقطعة لها علاقة بأرشفة السور التي نزلت في مكة بشكل كامل ، والتي أعطت للاعتقاد الكوني منزلة عقائدية في كتاب القران، وبموجبها سيتم محاسبة الرافضين للبعث والنشور أخرويا ، تنزيل من الرحمن الرحيم ، آلية الحساب الأخروي ستعتمد على مدى استيعاب وفهم كتاب القران ، كتاب فصلت آياته قرأنا عربيا لقوم يعلمون ، يعلمون تعني باتوا على علم بالآيات التي أنزلت عليهم ، ومع اقتربنا من نهاية سورة فصلت لم يظهر أي تجاوب من قبل الاعتقاد الكوني مع التنزيل ، الذي أصر على التصدي للآيات القرآنية عبر مناورات فكرية شملت كافة اتجاهات أخرها الطلب من محمد تنزيل آيات بلغات أخرى ، رد التنزيل على طلبهم قائلا ، حتى لو أنزلنا آيات بلغات أخرى لاعترضوا عليها ولقالوا لماذا هو عربي وأعجمي ، قال الله ولو جعلناه قرانا أعجميا بالغات من معاجم غير عربية لاعترضوا عليه ، لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي، قل هو للذين امنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في أذانهم وقر وهو عليهم عمى ، أولئك ينادون من مكان بعيد

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ{44}

قلنا ظهر الإلحاد قديما في قوم عاد نتيجة الاعتقاد بإلوهية الشمس وملائكية والكواكب ، كما ظهر في الحضارات القديمة ، بابل وسومر ومملكة سبأ، وظهر أيضا في الحضارة الفرعونية ، فبعد الجدال العقيم الذي دار بين التنزيل والاعتقاد الكوني المكذب لكتاب القران، اطلع الله محمد على تاريخ الإلحاد الوجودي الرافض للرسل والكتب المنزلة ، ليؤكد له ان الرفض ليس وليد الساعة إنما هو رفض تاريخي متواتر، ولقد رفض إسلافهم كتاب موسى من قبل ، قال الله ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه بين مؤيد ومعارض ، ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ، ولولا كلمة سبقت من ربك ، تعني تأجيل عذابهم الدنيوي الى يوم القيامة ، لقضي على المعارضين بالهلاك ، وإنهم لفي شك منه أي من كتاب موسى مريب ، ترك الله لمعتنقي الاعتقاد الكوني حرية الاختيار بين الكفر والإيمان قائلا ، ومن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ{45} مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ{46}